مسيرة العلاقات السورية التركية وإمكانية العودة لاتفاقية أضنة

لا يمكن التعامل مع اتفاقية أضنة بطريقة انتقائية. يحتاج الأمر من تركيا أن تعيد النظر بموقفها من الوضع الأمني الهش في شمال سوريا وخصوصا ما يتعلق بالمجاميع المسلحة.

لم تكن العلاقة السورية التركية جيدة يوماً ما ولاسيما بعد الخروج المُهين لقوات الاحتلال العثماني من سوريا في عام 1918.

في عام 1939 تآمرت تركيا مع الاحتلال الفرنسي واستولت على لواء الاسكندرون، بخلاف كل قوانين عصبة الأمم، وصك الانتداب!

في عام 1957 نشب اشتباك بين سوريا وتركيا وحشدت تركيا آلاف الجنود على الحدود الشمالية لسوريا مهددة باجتياح سوريا، وقامت مصر بإنزال قواتها بميناء اللاذقية، ما هيأ لقيام الوحدة بين البلدين العربيين الشقيقين عام 1958، في حين هدد الاتحاد السوفيتي باحتلال تركيا في حال دخل الجيش التركي إلى سوريا، وكانت تركيا انضمت إلى حلف شمال الأطلسي في عام 1952.

في عام 1989 بدأت تركيا ببناء 22 سداً على نهر الفرات، أكبرها "سد أتاتورك" كجزء من "مشروع الغاب"، بسعة تبلغ حوالي 48 مليار متر مكعب وقطعت مياه الفرات عن سوريا والعراق لمدّة شهر كامل (13/1/1990 وحتى 12/2/1990).

في آب/أغسطس 1996 وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري وأمني سمحت بموجبها تركيا لإسرائيل بالتجسس على سوريا من داخل الحدود التركية، وكانت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل في مارس/آذار 1949

في عام 1998 حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية مجددة نيتها باحتلال سوريا إذا لم توقف دمشق دعمها لحزب العمال الكردستاني وتقوم بطرد زعيمه عبدالله أوجلان من الأراضي السورية.

وفي هذا العام تدخلّت جامعة الدول العربية ومصر وإيران لوقف التوتر الحاصل، والتوصّل لحل سياسي يقتضي بحل الأزمة بين البلدين، ونتج عن الوساطات الإقليمية تلك "اتفاقية أضنة" التي وُقِعّت بين البلدين في مدينة أضنة التركيّة في 20 تشرين أول/أكتوبر من ذلك العام.

في 10/10/1999 تم ترحيل زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من سوريا وتم القبض عليه في 15/2/1999 في نيروبي، لتضعه السلطات التركية في السجن في جزيرة إميرالي التركية مدى الحياة.

في 13/6/2000 حضر الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد وعبر عن "حزنه العميق" لوفاة الرئيس السوري، مؤكدا أنه "سيبقى في التاريخ رجل الدولة الذي خدم سنوات من أجل ازدهار واستقرار سوريا".

في السادسَ عشر من أيلول/سبتمبر 2009، عقد الرئيس السوري بشار الأسد، قمّة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان في اسطنبول، وقّع بعدها البلدان على اتفاقية إنشاء "مجلس للتعاون الاستراتيجي العالي المستوى" وشمل التعاون المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والنقل والطاقة ومجالات المصادر المائية والبيئية والثقافة والتعليم، إضافة إلى إلغاء تأشيرات الدخول لمواطني البلدين.

وفي العودة لاتفاقية أضنة فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان أول من دعا للعودة لاتفاقية أضنة بين كل من سوريا وتركيا، وقال خلال لقائه أردوغان في موسكو 23/1/2019 إن التواجد التركي قانوني بحسب اتفاقية أضنة الموقعة بين البلدين في 20/10/1998 وإن تطبيق هذا الاتفاقية هو القاعدة التي ستغلق الكثير من الأسئلة المتعلقة بالمسائل الأمنية بين البلدين.

أما الرئيس أردوغان وفور عودته من موسكو فقد شدد على ضرورة طرح "اتفاقية أضنة" للتداول جاء ذلك خلال فعالية للكلية الحربية التركية في العاصمة أنقرة. وأكد أن الجيش التركي موجود في سوريا بموجب اتفاقية أضنة.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بدوره أعلن أن بلاده تعتبر اتفاقية أضنة المبرمة بين تركيا وسوريا عام 1998 لا تزال سارية المفعول، مشيراً إلى أن موسكو وأنقرة مهتمتان بإعادة وحدة الأراضي السورية. وتابع وزير الخارجية الروسي: "حسبما أفهمه، فإن الدولتين المشاركتين في هذا الاتفاق تلتزمان بنفس الرأي".

تركيا وتطبيقاً لأطماعها التوسعية، وكما ينص ميثاقها الملي الصادر عن "مجلس المبعوثان العثماني" عام 1920 والذي يعتبر شمال سوريا أرضاً تركية، قامت بثلاث عمليات داخل الأراضي السورية: الأولى ما أسمتها عملية "درع الفرات" 24/8/2016، والثانية عملية "غصن الزيتون" في 20/1/2018، والثالثة "نبع السلام" في التاسع من تشرين أول/أكتوبر 2019. في حين اعتبرت سوريا هذه العمليات الثلاث احتلالاً تركياً جديداً لأراضٍ سوريا، لا يستند لأي سند قانوني سواء اتفاقية أضنة أو مسار آستانة وطالبت بخروج هذا الاحتلال.

دمشق ترى أن الجانبين السوري والتركي هدفا من توقيع اتفاقية أضنة إلى تطبيع العلاقات بينهما بعد توتر دفعت إليه العديد من المسائل الشائكة منها الحدود والمياه والأكراد والعلاقات الإقليمية والدولية.

المشكلة في اتفاقية أضنة تكمن في الملحق رقم 4، وهو البند الذي يبدو أن أردوغان استند إليه في تصريحاته. هذا البند يشير إلى أن إخفاق الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يُعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية بعمق 5 كم.

السؤال اليوم: هل يمكن العودة إلى اتفاقية أضنة أو تعديلها بمساعٍ روسية؟ وإذا تم التعديل، هل ستعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها؟ هل ستنسحب تركيا من الأراضي السورية التي تحتلها على طول الشريط الحدودي بين البلدين تقريباً بما فيها مدينة ادلب؟ هل ستوافق تركيا على تفكيك "هيئة تحرير الشام- جبهة النصرة" التي تتبنى فكر القاعدة، وتقوم أنقرة بترحيل المقاتلين الأجانب بمن فيهم التركستان والشيشان، وتفكيك المجموعات الإرهابية الأخرى المنضوية فيما يُسمى "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير"؟

والسؤال الأهم هو: هل دمشق مقتنعة بتفعيل اتفاقية أضنة أو تعديلها؟ الجواب جاء في بيان لوزارة الخارجية السورية في 26/1/2019 حيث أعلن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين أن سوريا تؤكد أن أي تفعيل لاتفاق التعاون المشترك مع تركيا يتم عبر إعادة الأمور على الحدود بين البلدين كما كانت، وأن يلتزم الجانب التركي به ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، وأن يسحب قواته العسكرية من المناطق السورية التي يحتلها.

وصرح المصدر أن الجمهورية العربية السورية وبعد ما يتم تداوله حول اتفاق التعاون المشترك بين تركيا وسوريا أو ما يُعرف باتفاق أضنة وبعد التصريحات المتكررة وغير المسؤولة من قبل الجانب التركي حول النوايا العدوانية التركية في سوريا تؤكد أنها ما زالت ملتزمة بهذا الاتفاق والاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بأشكاله كافة من قبل الدولتين. إلا أن الجانب التركي ومنذ عام 2011 كان ولا يزال يخرق هذا الاتفاقية عبر دعم الإرهاب وتمويله وتدريبه وتسهيل مروره إلى سوريا أو عبر احتلاله أراضي سورية من خلال المنظمات الإرهابية التابعة له أو عبر القوات المسلحة العسكرية التركية بشكل مباشر.

وبالتالي فان الجمهورية العربية السورية تؤكد أن أي تفعيل لهذا الاتفاق يتم عبر إعادة الأمور على الحدود بين البلدين كما كانت وأن يلتزم الجانب التركي بالاتفاق ويتوقف عن دعم وتمويل وتسليح وتدريب الإرهابيين وأن يسحب قواته العسكرية من المناطق السورية التي يحتلها وذلك حتى يتمكن البلدان من تفعيل هذا الاتفاقية التي تضمن أمن وسلامة الحدود لكليهما.

أعتقد أن العودة إلى اتفاقية أضنة أو تعديلها ليس بهذه السهولة. لكن إذا فكرت تركيا استراتيجياً فإنها ستسعى للعودة لهذه الاتفاقية أو العمل على تعديلها لأسباب عدة منها عودة العلاقات الطبيعية مع الجارة سوريا، وعودة سوريا ممراً برياً لتركيا وأوروبا وصولاً إلى دول الخليج العربي، وهو ما يُعيد تركيا مركزاً اقتصادياً إقليمياً بعد ما عمل الرئيس بوتين لجعلها مركزاً إقليمياً لتوزيع الغاز، أيضاً ستصبح تركيا مقبولة عربياً باعتبار أنها لا تحتل أراضي عربية، كما ستعمل كل من تركيا وسوريا وبمساعدة روسيا والعراق وإيران على منع قيام كانتون انفصالي في شمال شرق سوريا، وهو ما تخشاه تركيا وتهدد بالقيام بعمليات برية للقضاء على وحدات حماية الشعب الكردية أو ما يُسمى "قوات سوريا الديمقراطية" التي تسعى لإقامة هذا الكيان الانفصالي.

ومن هنا أعتقد أن تعديل اتفاقية أضنة ستعود بالفائدة ليس على سوريا وتركيا وإنما على المنطقة برمتها. فهل أدرك أردوغان كل هذه الأمور وسارع لإعلان استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد بعد مباحثات أمنية واستخباراتية ماراتونية بين الجانبين؟