الصين ومواقفها المشرفة من القضية الفلسطينية

قدمت الصين وتقدم مساعدات إنسانية وتنموية لفلسطين.

ربما كان موقف جمهورية الصين الشعبية مما يجري في غزة من أشرف المواقف الدولية التي شهدناها في الفترة الأخيرة، حيث استطاعت إسرائيل أن تؤثر على الرأي العام العالمي وتصور نفسها بأنها الضحية في وجه "منظمات إرهابية فلسطينية" لا تقل خطراً عن القاعدة وداعش، لكن الصين ترى وعلى غرار ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيرش بأن ما جرى في السابع من تشرين أول/ أكتوبر كان نتيجة تراكمات من الظلم والاضطهاد والاحتلال من قبل إسرائيل للشعب الفلسطيني، فالصين استخدمت حق النقض (الفيتو) في 26 أكتوبر 2023 ضد مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن الدولي بشأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وعقب استخدام الفيتو قال تشانغ جيون، مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة: إن "المسودة تخرج عن روح قرارات الأمم المتحدة السابقة وترسخ المنطق الخطير المتمثل في صدام الحضارات وتبرير الحرب واستخدام القوة"، موضحاً أن "موقف بكين يقوم على حقائق، وعلى أساس القانون الدولي، والضمير، والعدالة، وعلى أساس النداءات القوية التي يطلقها العالم بأسره، وخاصة الدول العربية".

تشانغ أوضح أن مشروع القرار رُفض من قبل الصين لأنه لم يدعُ إلى وقف إطلاق النار بشكل واضح وقاطع"، وأن مشروع القرار لو اعتُمد، فإنه سيحطم تماماً آفاق حل الدولتين ويغرق الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في حلقة مفرغة من الكراهية والمواجهة.

تُعتبر الصين من أوائل الدول التي أبدت تضامنها مع الشعب الفلسطيني ودعمت حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، حتى إن الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ أعرب مؤخراً عن رغبة بكين في وقف الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، بدوره وزير الخارجية الصيني وانغ يي أكد دعم بلاده للقضية الفلسطينية،

وذكر في اتصالات مع العديد من نظرائه في العالم أن الصين تقف دائما إلى جانب السلام والقانون الدولي والمطالب المشروعة للدول العربية والمسلمة في القضية الفلسطينية"، وترى أن حلّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

ما يمكن التوقف عنده أن الأزمة الفلسطينية وضعت الصين وروسيا في معسكر واحد مؤيد للحقوق الفلسطينية ومعهم الدول العربية وكل الدول المحبة للسلام في العالم في مقابل معسكر غربي رافض للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني تقوده الولايات المتحدة والدول التابعة لها.

الاعتراف بمنظمة التحرير

هنا لا بد من التذكير أن الصين كانت من أئل الدول غير العربية التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، ورفضت في الوقت نفسه الاعتراف بإسرائيل، رغم اعتراف الأخيرة بها.

والمعروف أن سياسة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج كانت تقوم على دعم حركات التحرر الوطنية في العالم الثالث.

بعد رحيل ماو، واصلت بكين هذا النهج واستمرت في دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال المنتديات الدولية، واعترفت بدولة فلسطين عام 1988.

في عام 1992، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لكنها حافظت على علاقاتها الطيبة مع السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة الفلسطينية، سواء من خلال تقديم المساعدات الانسانية أو المساهمة في إعمار الضفة وغزة.

ثوابت سياسية

أما على المستوى السياسي فقد أكدت الصين على ضرورة تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة وفي مقدمتها قيام "دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة" على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

في يوليو 2017، وخلال زيارته للصين منحت بكين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أرفع ميدالية صينية مقدمة من الرئيس شي وذلك تقديراً لدعم الصين للقضية العادلة لفلسطين والشعب الفلسطيني.

وساطة صينية

ما يمكن التأكيد عليه أيضاً والتوقف عنده أن الصين وبعد قيامها بالوساطة بين إيران والسعودية في العاشر من مارس/آذار 2023 يمكن لها أن تقوم بدور الوسيط المحايد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث وصف ممثلو بكين بلادهم بأنها صديقة لكل من إسرائيل وفلسطين.

مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط

سعياً لتفعيل دورها في المنطقة عينت الصين في الثاني من أيلول/سبتمبر 2019 مبعوثاً خاصاً لها إلى الشرق الأوسط وقام بزيارات عدة إلى المنطقة لبحث إمكانية حل الأزمة بين إسرائيل وجيرانها العرب والفلسطينيين، وصرح تشاي جون للشبكة بأنه "سيعزز التنسيق مع كل الأطراف في اتجاه وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وخفض التصعيد، وتشجيع محادثات السلام".

في عام 2021، عقدت الصين اجتماعاً ثلاثياً مع فلسطين وإسرائيل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودعت إلى وقف التوسع الاستيطاني والعنف والاستفزازات في القدس.

من ناحية أخرى، التزمت فلسطين بمبدأ صين واحدة وأيدت موقف الصين بشأن القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية.

مساعدات تنموية

قدمت الصين وتقدم مساعدات إنسانية وتنموية لفلسطين، بما في ذلك تبرعات مالية ومواد طبية ولقاحات كوفيد-19. كما تشارك في بناء المشاريع التنموية في فلسطين، مثل مستشفى الصداقة الصينية الفلسطينية في بيت لحم، والمركز الثقافي الصيني في رام الله، والمدرسة الصينية في نابلس، وخلال السنوات الماضية، أنجزت الصين العشرات من مشاريع المساعدة في فلسطين، حيث ساعدت الأخيرة على بناء مدارس وطرق. وبعد تفشي جائحة كوفيد-19، أرسلت الصين طواقم طبية ولقاحات إلى فلسطين للمساعدة في مكافحة الجائحة. كما دأبت الصين على تقديم تبرعات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.