الشاعرة حنان المسعودي تصوغ معادلة العشق العربي بأسلوب جديد

أبيات الشاعرة والكاتبة الروائية توحد الحب والبطولة في تلاق قيمي أصيل يعبر عن مكنونات عصر سمي ظلما بالجاهلية.

أن تبحر بين ثنايا كلمات الشاعرة والكاتبة الروائية الدكتورة حنان المسعودي، فانك لاتحتاج الى سفن، كي تكتشف معالم تلك المرأة والانسانة الحالمة بالكبرياء العراقي.. فرحلة ركوب البحر،  ليس بمقدورها لوحدها أن تدلك على مكامن الطريق، كي تكتشف عوالمها!!

لكن الطريق الأسلم لتجاوز كل تلك الصعاب وبدون مشقة، حتى تكتشف سحر بلاغتها، هو أن تتمعن بين ثنايا سطور مفرداتها، وما نحتته من تعابير وما صقلته من جمل قصيرة، وما إن تتعمق في دلالاتها، حتى تجد أنك أقرب اليها أكثر مما تتصور، وتتيقن من أن السفن التي حاولت الإبحار في مياهها قد أغرقتك، بدون ن تتمكن من إصطياد حتى  سمكة صغيرة !!

الشاعرة حنان المسعودي تحاول أن تعيد بنا الزمن الى قصائد شعر الغزل العربي والعشق الجميل لذلك الزمن الأصيل، الذي يشقى الحبيب، حتى يكون بمقدوره أن يغازل حبيبته أو معشوقته، لكنها تعيد صياغة الكلمة العربية بمنظار عصري جديد، وإن كانت تميل الى المحافظة على تركيبة كلماتها المعبرة عن الوجدان العربي، لتعيد صياغة معادلته من جديد، بل وتعيدنا مرغمين الى عصور الحب الاولى في زمن قيس وليلى وجميل وبثينة وكثير وعزة، وشرائعه وقواميسه وقيمه، فهي أجمل مارواه لنا الزمان العربي، من قصائد، ومن قصص عشق حالمة تحكي معنى أن يحترق الرجال من أجل حبيباتهم، ومعنى أن تكون البطولة، حتى يتوحد الحب والبطولة في تلاق قيمي أصيل، يعبر عن مكنونات ذلك العصر الذي سمي ظلما بالجاهلية، بالرغم من انه من أحلى وأجمل عصور العرب تحضرا وقيما أخلاقية ومثلا عليا، قل نظيرها في كل عصور الدنيا، وهي أجمل مايختزن في ذاكراتنا من أيام عز وحب وعشق يوم تحترق القلوب بشظى ناره وتتلوع بمآسيه، وتذوب في وجدانه، لكنها تجد فيه ضالتها في أن تشعر بقيمتها وكيانها وصيرورتها ومعنى أن تكون لها إنسانة حالمة، مترعة بالقيم والمثل والذكريات الجميلة والكلمة الصادقة، بلا رتوش أو تزييف أو خداع!!

تمعن في كل صور الشاعرة المبدعة حنان المسعودي حتى تجد ان كل ما اشرنا اليه قبل قليل، تجده بين معاني كلماتها، وهي تعيد رسم الزمن العربي بإطار جديد، مع الحفاظ على ثوابته، وهي بهذه الصورة، تضفي مزيدا من الجمالية والتعلق الروحي بالنص الشعري، حتى لتجد نفسك أمام معلقات حب من نوع جديد!!

وهذه جملة أبيات متناثرة تم اختيارها من بين عشرات قصائدها، لتكون نماذج تعبر عما أشرنا له قبل قليل، لترى كيف يكون معنى الحب ومعنى الإشتياق.!!

 كم تمنيت لو كان بمقدوري ...

ان أمخر عباب الحب ...

دون سفينة......

فسفن الهوى سريعة التحطم ...

على شطأن القدر....!!

هذه هو عالمها الذي سبق ون أشرنا اليه، عميق مثل بحوره، لكن ما إن تحاول ان تمضي في طريقه حتى تجد أن بامكانك أن تغوص فيه بدون أن تحتاج الى سفن لتكتشف معالمه وأسراره، وفي المقابل تجعل من المتعذر على من يراود ركوب البحر إكتشاف سر عظمة الرحلة، ان لم يكن بطلا مغوارا صنديدا لايخشى أن تبتلعه اعماق البحر أو تصطاده حيتانه الكبيرة، لأن الحب أعظم مكانة وهو يحتاج الى تضحيات كبيرة  لكي يبلغ الحبيب بعض مقاصده!!

بيني وبين المطر عتب طويل ....

فلا هو يأخذني اليك....

ولا هو بغاسل قلبي من اوهام حبك....

 ثم تضع لنا صورا شعرية أخرى لتدلل على عظمة هذا الحب وسموه فتقول :

إنتظرتك فصولي بشغف....

حتى اتيت....

عاشقا.....سريع الذبول ....

 قلبت موازيني ..أيها الاسمر

كرهت النهار ...

ففيه علينا تتلصص العيون ...

وعشقت الليل ....

لأنه يشبهك...

لا أحتاج ان تشبهني بالشمس ....

أو بقطعة من القمر ....

أو تعدني كل يوم بنجمة.....

تكتب عني القصائد....وتصفني للاصدقاء...

أحتاج فقط....ن تكون بقربي ...

حين لا اشعر أني بخير ....

 كاد لا أصدق ...

أن كلمات الحب التي...

كانت تلسعني...

قد أصبحت باردة...باهتة ...عديمة الطعم...

عندما خمدت...نار الاشتياق

 ثم تعيد تحذر من يقع في شباكها من أنها :

إني إمرأة أسامح كثيرا....

ولكن عندما أهجر....

يكون صبري قد تجاوز حد مرونته....

وللوطن..العراق..حصة كبيرة في عشقها لبلدها وتفانيها من أجله،وما تحلم به من اجل أن يكون العراق..فتقول:

لماذا لم نعد نكتب عن الحب ؟؟

لأن حبنا الأول...عراقنا .. على المحك ....

كيف انسى العشق....وأكتب عن الحب ...

كيف لقلبي أن ينبض لشئ غير وطني ...ودمائي عراقية....

كلنا معا......من أجل عراق مستقل ...ديمقراطي وموحد....

سننبض بقلب واحد ..وبحب واحد....

فهذا هو العشق الوحيد الذي يحب المشاركة ...

عشق الوطن....

 وتعبر عن مرارتها من بعض ما كانت تراه ربما مخيبا للآمال من وجهة نظرها فتقول:

من المؤسف أن الذكريات كما العمر.. لايمكن تجزئتها....

فأجدني كلما تذكرت حبك....

إستعدت معه كل أكاذيبك....

وعدت من شاطئ الذكرى...كعودة الظمأن من شاطئ البحر

ثم تردف فتقول :

لا أريد أن أضحك ...ففي قلبي من المرار ما يكفيني

ولا أريد أن أحب...فقد إكتفيت من عدة جرع حب منتهية الصلاحية

لا أريد أن اقرأ حكما ومواعظ...فقد تدربت على يد الالم...

لا أريد أن يجبرني أحد على قراءة أفكاره...فعندي من الجنون ما يكفيني

 هي حنان فوزي المسعودي من مواليد بغداد 1972 حاصلة على بكالوريوس في الطب والجراحة العامة من جامعة بغداد، وحاملة لشهادة البورد العراقي في علم الأمراض عضوة في الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية،  كاتبة روائية وشاعرة … صدر لها  عن دار ضفاف رواية "خمس نساء"  وديوان "أميرة النهرين" عن دار ميزوبوتاميا ورواية "أسرار المعطف الأبيض"  عن دار ناشرون في بيروت، إضافة إلى  نصوص شعرية بعنوان "أغازل صمتي"  عن دار سطور في بغداد.. وهي بانتظار صدور كتب أخرى على الطريق!!

في أحد حواراتها مع صحيفة مغربية قالت الدكتورة حنان عن معنى  الضمير: إنه  القاضي الذي يسجنك وينفيك ويشنقك داخل نفسك،  أما  الوطن  فهو الأمان.. ثم أشارت الى أنها لم يسبق لها أن تعرضت لأي نوع من الاستغلال. ولعل أول  حب في حياتها هو حبها لأخوتها  الصغار،  بل الخطأ الوحيد الذي ارتكبته الدكتورة حنان في حياتها  وندمت عليه كثيرا،  كما تقول في ذلك الحوار هو أنها  لم تقل لبعض الاشخاص أنها  تحبهم قبل أن يرحلوا عن هذه الحياة!!

تحياتنا للدكتورة حنان المسعودي الشاعرة والكاتبة التي أسحرت متابعيها بكل هذا الفيض الشعري المعبر عن مكنونات الوجدان العربي الأصيل، ويبقى الحزن في كل الأحوال هو محك الشخصية وهو المفجر طاقاتها وابداعها، ولولاه ربما لما تمكنت المسعودي من أن تصل الى مرتبة شعرية متقدمة، لولا هذا الطابع الذي يملأ جوارحنا جميعا، وكل إطلالة على قصائدها تعيد بنا الزمن العربي الى أروع أيامه، فحتى حزنه كان جميلا، ولياليه وشقاءه، لهن نكهة وطعم ولون ورائحة، بل أن ليالي العشق بكل مآسيها هي أجمل مايختزن في ذاكراتنا من مشاعر وكلمات، تكون هي سمة أصيلة في شخصيتنا، بحزنها وفرحها وشقائها وانحسار أمانيها، وهي جميعا تشكل معيننا الذي ليس بمقدورنا أن نتخلى عنه كونه جزءا أصيلا وفاعلا في تكويننا..ولها من متابعيها وقرائها كل محبة وتقدير، والى مزيد من قمم المجد والشموخ اليعربي، فقد رفعت رؤوس الثقافة والابداع  وكبرياء الزمان الى علياء السماء!!