الشاعر ابن الخيمي وظلم موسوعات تاريخ الأدب العربي

الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين: ليس هناك شك أن تراثنا الأدبي الغني والمتنوع والزاخر بالأفكار والأشكال..ـجدير بالاهتمام والدراسة بعد أن تداوله الأجداد والآباء بحرص بالغ حتى وصل إلينا على شكل مخطوطات لم نطلع إلا على النذر اليسير منها.

تناثرت أشعار قليلة للشاعر ابن الخيمي (محمد بن عبدالمنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد، شهاب الدين، أبو عبدالله الأنصاري اليمني الأصل، المصري المولد والدار والمدفن) في العديد من مصادر ترجمته، ومنها: تاريخ الإسلام، وفيات، وفوات الوفيات، ودرة الحجال، وعين التواريخ، وملء العيبة.

وكانت أول محاولة لنشر مختارات من شعره قام بها د. حسين محفوظ بعد وقوفه على نسخة مخطوطة من ديوان الشاعر، حسب ما ذهب إليه هلال ناجي ود. زهير غازي زاهد، وقد نشر محفوظ هذه المختارات في مجلة كلية الآداب جامعة بغداد (العدد الثالث عشر 1970) تحت عنوان "مختار ديوان ابن الخيمي"، وبلغ عدد أبياتها 480 بيتًا، من دون ضبط الشعر بالشكل، بالرغم من أن المخطوطة نفسها كانت مضبوطة بالشكل. على حين يوضح المحققان ناجي وزاهد أنها بلغت 1700 وبضعة عشر بيتا.

لذا قام المحققان بالوقوف على مخطوطتين من ديوان ابن الخيمي، هما: مخطوطة طهران ورمزا لها بالحرف (ط) وعدتها 79 ورقة كتبت في القرن السابع الهجري أو الثامن بعد وفاة الشاعر. والثانية المخطوطة الإيطالية ورمزا لها بالحرف (أ) وعدتها 145 ورقة. وقد أثبت المحققان فروق النسختين واستدراك ما سقط بفعل الخروم.

ويؤكد المحققان هلال ناجي ود. زهير غازي زاهد أن ديوان ابن الخيمي كشف عن صلة وثيقة لشاعره بالمؤرخ الكبير شمس الدين ابن خلكان صاحب "وفيات الأعيان"، وأن في الديوان قصائد كثيرة تُعد من شعر الأسرة، عكس الشاعر في بعضها صلته بأبيه، وكان عالما جليلا، وفيه بعض المراثي لأمه وأخته وأطفاله.

ويوضح المحققان أن الديوان يعكس أيضا صلة الشاعر ببعض شعراء عصره، ومنهم: ابن النقيب وأحمد التيفاشي وشرف الدين بن الطوسي، وأن أسلوبه امتاز بالجزالة في زمن كانت فيه شمس الشعر آيلة للانحدار.

ويشير ناجي وزاهد إلى أن ابن الخيمي صحب شاعر الصوفية الأكبر ابن الفارض وسمع عليه شعره، وكان ابن الفارض إذا نظم شيئا من شعره عرضه عليه.

ويلفت المحققان إلى أن د. شوقي ضيف وعمر فروخ وغيرهما من مصنفي موسوعات تاريخ الأدب العربي، لم يلتفتوا لهذا الشاعر فيعرفوا به ويوردوا شيئا من شعره، رغم أن الصفدي وابن شاكر الكتبي وسواهما قد أكدا أنه كان المقدم على شعراء عصره.

وقد قام مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية التابع لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بنشر ديوان ابن اللخمي، وفيه يتحدث المحققان ناجي وزاهد عن الشاعر من المهد إلى اللحد، موضحين اسمه ونسبه وكنيته ولقبه ومذهبه، متوقفين عند مولده (سنة 602 هـ حسب النويري، و604 هـ حسب المقريزي) وشيوخه وتلاميذه ومن روى عنه، ووظائفه وخلائقه وثقافته ومكانته العلمية والأدبية، وشاعريته (أجمع مترجموه على أنه كان شاعرًا مشهورًا في زمنه برز على نظرائه).

كما توقف المحققان عند وفاته حيث طال عمره وعلت سنه وعاش اثنتين وثمانين سنة أو أكثر، وكانت وفاته بالقاهرة بالمشهد الحسيني في 29 من شهر رجب 685 هـ.

يقول ابن الخيمي في والده:

يا من أياديه اللطيفة بي ** تتلو أيادي الله في القَدْرِ

ودليل ذلك قوله اشكرْ لي ** ولوالديك بمُحكم الذكْرِ

وكلاكما بجزيلِ أنعمهِ ** وجميلِها في السرِّ والجهْرِ

ما زال بالإفراطِ يسعفُني ** حبًّا ويُعجزُني عن الشُّكْرِ

فالعجزُ منِّي قائمٌ أبدا ** بالشكرِ عنِّي باسطٌ عذري

وقال في الحب:

خبِّروها باللهِ يا عُوَّادي ** لا بُليتُمْ بالهَجْرِ والإبْعَادِ

إنَّني مثلما عَلمتُم طريحٌ ** فوقَ فرشِ الضَّنَى ضَجيعَ السُّهادِ

قَلَقٌ دائِمٌ كأنَّ دُموعي ** في وِسادي أنْبَتنَ شَوْكَ القتادِ

فلعلَّ الحبيبَ يَرْضَى قِيامي ** بحقوقِ الهَوَى وحِفْظِ وِدَادِي

يقول الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين: "ليس هناك شك أن تراثنا الأدبي الغني والمتنوع والزاخر بالأفكار والأشكال ـ والذي أولاه أسلافنا عناية فائقة وحمّلوه عصارة فكرهم وسطروا فيه تجاربهم الثرية وإبداعاتهم المدهشة على مر العصور ـ جدير بالاهتمام والدراسة بعد أن تداوله الأجداد والآباء بحرص بالغ حتى وصل إلينا على شكل مخطوطات لم نطلع إلا على النذر اليسير منها".

ومن هنا تأتي عناية مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية بتحقيق ديوان ابن الخيمي الذي ظُلمه مصنفو موسوعات تاريخ الأدب العربي.