الشاعر محمد راضي جعفر.. لا نقول وداعا!

بالأمس كانت إحدى نخيل البصرة الشاهقة قد فارق الأقدار بعد أن خلد في سجل التاريخ الأدبي والشعري العراقي صفحات عشق عراقية تلهب القلوب كلهيب عشق العراقيين لحبيباتهم، وهم يفارقون أيام العشق العراقي الذي لايشبهه أي عشق في هذه الدنيا.

أن تستمر البصرة بتوديع كبار أعلامها، وتتهاوى أقمارها ونخيلها، فهو أمر يدعو للأسى والحزن والرثاء!!

وربما لاتكفي الدموع ولا الكلمات، للتعبير عن حزن وفراق الأحبة ممن كانوا أعلاما شامخة يحملون من طيبة القلب، مايرفع الرأس زهوا وكبرياء، وها هم يمرون من أمام أعيننا، وقد حملوا على نعش الموت، في وداعهم السرمدي الى حيث الحياة الأبدية، في وداعه الأخير.

ولم يجن أعلام البصرة وفحولها الكبار من تمر البصرة ورطبها الا حرارتها ولهيب مشاعرها الفياضة، التي تشبه حزنهم على رحيل نخيلهم، الذي تتهاوي قلاعه واحدة بعد أخرى، كل يوم.

أجل.. بالأمس كانت إحدى نخيل البصرة الشاهقة، وهو الشاعر الكبير الدكتور محمد راضي جعفر، قد فارق الأقدار، بعد أن خلد في سجل التاريخ الأدبي والشعري العراقي، صفحات عشق عراقية تلهب القلوب، كلهيب عشق العراقيين لحبيباتهم، وهم يفارقون أيام العشق العراقي، الذي لايشبهه أي عشق في هذه الدنيا.

البصرة الفيحاء مدينة الخليل بن أحمد الفراهيدي والأصمعي والحسن البصري والسياب وكبارأعلام الأدب والثقافة والفلسفة واللغة العربية، التي هي من وضعت نقاط الحروف فوق لغتنا العربية، وكأنها هي من نستلهم من فيض عطائها وأعلامها مجدا وعلو منازل.

 وكيف لا ..والبصرة الفيحاء  مدينة اللغة والبلاغة والأدب والشعر والكتابة والتصوف والعشق العراقي الاصيل، وطيبة أهلها وكرمهم، وكل ما يرفع هامات أهل البصرة عزا وكبرياء.

بماذا أرثيك ايها البصري الجميل، وأي روح بمقدورها أن ترحل، وأنت من تركت معالم عشق عراقي ورسالة سمحاء، يغترف من يريد أن ينهل من بحورها، كل عراقي أصيل، يريد أن تسقيه البصرة شربة ماء عراقية باردة تروي غليله، وهو العطشان دوما لعشق الحبيب.

ولم يكن بمقدور نهري دجلة والفرات ولا ملتقاهما أن يرويا عطشك أيها الراضي في يوم ما،، حتى ذاب في هوى البصرة وإحترق وتلظى بنيران عشقها، لكن قلبك بقي ينبض بالحياة، ولم ينس البصرة أو لنقل ودعها إلا في الثمانيات الى تونس، ملحقا ثقافيا، إكتسب حب الملايين من العرب الوافدين الى تونس الخضراء لسنوات طوال،، ليكون في قمة إبداعه الشعري مرة أخرى.

ما أروعك أيها البصري الكبير الممتليء كرما وكبرياء، يوم إستضفتنا لعشرين يوما في تونس، في بداية الثمانينات، لم تبق فيها من أثر سياحي أو معالم بحر وجمال طبيعة وجنة خضراء، إلا وجعلتنا نشم عبيرها وهي تملؤنا من سحر طبيعتها الخلابة جمالا وكبرياء، وأنت تاخذنا بسيارتك، وتردد أغاني المطرب العراقي الكبير الراحل ناظم الغزالي، الذي يعشقه التونسيون، مع قهقهات عراقية تتغني بحب العراق ونخيله وماء دجلته وفراته وخليجه الهادر، الذي كان أحد من يلهمك سحر الإبداع وتفوح منك رائحة الشعر، بعد أن تتذوق من نخيل البصرة تمرها الطيب المذاق، الذي يعد من أروع نخيل العالم في شموخه وروعة تموره التي تتعدى أنواعها الأربعين.

ماذا نقول.. وماذا نختار من كلمات الوداع التي لن نقول لك فيها وداعا، فأنت تسكن بين حنايا القلوب.. وها نحن نتحدث عنك أيها الراضي، ومن رضي عنك رب السموات والأرض، وقد مت راضيا مرضيا، وودعت الحياة في أبهى يوم عراقي يرتقي الى مقامك، ولأنك تعشق بلدك العراق حد الوله، فقد إختارت يوم موتك الأقدار في أقدس يوم عراقي يعشقه العراقيون، كانوا يسمونه "يوم الايام".

وأدناه نبذة عن حياة الراحل الكبير الدكتور محمد راضي جعفر:

ولد الشاعر في مدينة البصرة عام 1931، وهو مجاز في الآداب من كليّة التربية في جامعة بغداد عام 1963، كما حصل على شهادة الدكتوراة في فلسفه اللغة- الدراسات الادبية.

عمل مدرّسًا في المرحلة الثانويّة، شغل العديد من المناصب خلال حياته العملية. ثمّ مديرًا للثقافة الجماهيريّة في البصرة. ثم مديرًا لتلفزيون البصرة، فمستشاراً صحفيًا ومديرًا للمركز الثقافي العراقي في تونس. عمل كذلك نائبًا لرئيس تحرير مجلّتي المورد والتراث الشعبي العراقيين، ومدرساً للأدب والنقد في جامعات عراقية .

وانتخب في دورتين عضواً في المكتب التنفيذي للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، كما فاز بالقلادة الذهبية في مهرجان سترويكا الشعري يوغسلافيا سنة 1989 والقلادة الذهبية في احتفال الشعر الدولي التاسع ماليزيا في 2002.

من مؤلفات الشاعر الراحل:

• من الأعماق، 1960

• نافذة على الحب الآخر، 1976، 

• العصفور والنخب،77

• قصائد للوطن والحب، 1986 

•انه الحب سيدتي، 1982

• احزان النهر، 1986، 

• احزان ابن زريق، 1997

• كل مابقى منا الآن، 2004

• أوارق مقاتل

• تحولات الروح

• نجلاء، 2011

• دجلة 2011

وله في الدراسات:

• اقاويل عن الحداثة الشعرية، 1996

• الاغتراب في الشعر العراقي المعاصر، 2002

• الرؤى الصوفية في الشعر العربي المعاصر، 2003

رحم الله الشاعر العراقي البصري الكبير الدكتور محمد راضي جعفر، وأسكنه الباري فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه والنخب الثقافية والأدبية الصبر والسلوان.. إنا لله وانا اليه راجعون!