الشعب العراقي يدفع ثمن حريته

خسارة إيران كبيرة. فالعراق هو كنزها.

في أيامها الأخيرة غالبا ما ترتكب أنظمة الاستبداد الشمولية جرائمها الكبرى. كما لو أنها تلقي تحية الوداع على الشعوب.

وإذا ما كان النظام الحاكم في العراق قد مُنع بضغط عالمي من تكرار مجازره التي ارتكبت من قبل عصابات يُقال إنها خارجة عن القانون فإنه لجأ إلى إطلاق يد تلك العصابات في الخطف والاغتيال الفرديين.

ذلك ما فعلته أنظمة الحكم الديكتاتورية التي حكمت في دول أميركا اللاتينية في أواخر أيامها. وكانت وكالة الاستخبارات الأميركية تهندس لها عملياتها.

في الحالة العراقية فإن جهاز الاستخبارات الإيرانية يقوم بالعمل نفسه.

لقد شهدت الأيام الأخيرة اختطاف واغتيال عدد من الناشطين العراقيين الذين وضعتهم الأجهزة الأمنية الإيرانية على سجلاتها.

وبالرغم من مأساوية الحدث فإنه يؤكد أن النظام العراقي الذي يطالب المحتجون برحيله في طريقه إلى السقوط.

أولا لم تعد هناك حكومة وليس في إمكان النظام انتاج حكومة على غرار الحكومات السابقة.

ثانيا لم تعد الأحزاب قادرة على السيطرة على ميليشياتها التي يمكن أن تلقي السلاح في أية لحظة إذا ما شعر أفرادها بدنو رحيل النظام.

ثالثا وهو امر مؤكد أن الجهات التي تقوم بالخطف والاغتيال ليست معروفة بالنسبة للحكومة أو الأحزاب. وهو ما صار عليهما تسمية الطرف الثالث. وهو ما يشير إلى تدخل إيراني غير مباشر.

لقد انتهى النظام. الوقت لم يعد يجري لصالحه.

فالوضع لم يعد تحت السيطرة. لا الأحزاب ولا الحكومة يمكنها التعرف على الجهات التي تقوم بالخطف والاغتيال والاعلان عنها وهو ما يعني أن النظام لم يعد مؤهلا للحكم.

ولكن ماذا لو اختفى النظام فجأة؟ أليس محتملا أن تعم الفوضى؟

تلك واحدة من أهم أفكار النظام التي يتم اشاعتها.

عام 2003 سقط نظام حقيقي في العراق ولم تحدث فوضى. لذلك فإن سقوط نظام ورقي لن يكون له أثر يُذكر في ما أظن.

غير أن ما يؤلم أن ذلك النظام الورقي لن يرحل إلا بعد أن يرتكب جرائم قذرة ضد الإنسانية لا لشيء إلا لأن أجهزة المخابرات الإيرانية تريد ذلك.

ذلك ما كان على النظام وهو يواجه أيامه الأخيرة أن يحول دون قيامه. ذلك لأن تلك الجرائم ستؤدي إلى التعجيل بنهايته مع تحميله مسؤولية ارتكابها وهو ما سيقود بالضرورة عددا من أركانه إلى المحاكم.

وقد يبدو مستغربا القول بإن النظام الإيراني لا يود أن يرى نهاية طيبة للنظام الذي دعمه ورعاه لأكثر من عقد ونصف من الزمن. ذلك لأنه يعتبره مسؤولا عما آلت إليه الأمور في العراق.

فمن وجهة نظر النظام الإيراني فإن النظام العراقي قد أغمض عينيه عن المدن الشيعية التي اُعتبر ولاؤها محسوما لصالح حكومة يقودها سياسيون شيعة. لذلك لم يشعر أولئك السياسيون بالحاجة إلى نوع من المحاسبة أو النقد الذاتي أو المساءلة.

تعامل السياسيون العراقيون بعدم اكتراث مع ما يمكن أن تجره تصرفاتهم الشخصية عليهم من ويلات، وهو ما يسر لإيران عملية التدخل في الشؤون الداخلية للعراق بل أنها صارت تدير ما صغر وما كبر من شؤون البلاد، حتى صار المحافظون الذين تحوم حولهم شبهات الفساد يهربون إليها.

إيران وقد أدركت أن النظام الذي تبنته لم يعد قادرا على مقاومة عصف الاحتجاجات الشعبية تسعى إلى أن تثقل أفراد ذلك النظام بجرائم، سيدفعون ثمنها الذي هو من وجهة نظر إيرانية ثمن العمى السابق.

خسارة إيران كبيرة. فالعراق هو كنزها. لذلك فإن ذلك الكنز لن يعود إلى أصحابه الأصليين إلا بعد أن يدفعوا الثمن. وهو ثمن أثبت الشباب في ساحات الاحتجاج أنه لن يُضعف همتهم واصراراهم عل استعادة وطنهم.