الصراع بين ولاية الفقيه وولاية المرشد

القواسم المشتركة بين الولايتين تكمن في بدايات التأسيس وفي وجود سلطة فوقية والصراع مع الأنظمة.
ظهور اي من الولايتين مرتبط تمام الارتباط بانتشار الفوضى واليأس
ولاية الفقيه تفتقر إلى التنظيم المحكم في القيادة حيث الفقيه هو الأول والآخر دون مشاركة
جماعات الإسلام السياسي أظهرت فقر الخبرة السياسية بنفس الدرجة من الفقر المعرفي في تنوير المجتمع

رغم أن هذه السطور تتعلق بالمشهد المصري الراهن والذي تتوالى إحداثياته سواء على مستوى النظام السياسي القائم أو ما تبثه الفضائيات الموجهة ضد هذا النظام بعينه، ومن خلال تحركات سرية لبعض الجماعات والتيارات ذات الدمج بين الديني والسياسي، إلا أن كنهها ـالسطورـ مفادها ان ثمة مطامح قديمة لا تزال قائمة بين طائفتين كلتيهما تسعيان بغير كلل أو ملل إلى اقتناص الوطن تحت أي مسمى أو مظلة دينية أو سياسية، المهم هو السعي إلى تحقيق سلطة الاقتناص وامتلاك مفاصل الدولة المصرية ومن ثم التحكم في البلاد والعباد. 
الطائفة الأولى هي ولاية الفقيه، وهي ما تمثله الجماعات الإسلامية وجماعة التكفير والهجرة، وأنصار بيت المقدس، وجبهة النصرة، وولاية سيناء، تلك الفرق والجماعات التي ترتبط بولائها لأمرائها الذين يصدرون الفتاوى لا سيما التي تتعلق إما بتكفير الآخر المخالف في المعتقد الديني أو الفكر، أو المسائل المتعلقة بشئون النساء وهم بالضرورة مغرمون بقضايا المرأة بدءا من زواج الصغيرة التي لم تبلغ بعد مرورا بإرضاع الكبير انتهاء بنكاح الجهاد وكأن مجمل تفكيرهم الديني لم ولن يخرج عن مطرقة التكفير وسندان المرأة وجسدها. 
والطائفة الثانية هي ولاية المرشد، وهي الولاية المتأرجحة التأسيس والتكوين والتمكين، فالبداية تكمن عند حسن البنا بتنظيمه وأبي الأعلى المودودي بحاكميته التي اقتنصها من بعد سيد قطب في كتاباته الأكثر تطرفا ودعوته إلى إسقاط النظام السياسي لعداء شخصي مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وترويجه للفوضى عن طريق استغلال الفقر المعرفي لدى بسطاء الريف وجاهزية أعضاء جماعة الإخوان للسمع والطاعة، ثم ولاية التمكين عند الخميني ومن والاه في أثناء الثورة الإيرانية التي ألصقت إحداثياتها ومشاهدها السياسية بأنها الثورة الإيرانية الإسلامية، وهي سلطة مطلقة تملك الأمر والنهي والسمع والطاعة لما يصدر عنها من تعليمات أقوى من سلطة القانون وأحيانا سلطة النص الديني في حالة غياب تام من إعمال العقل لمريدي ولاية الفقيه.
والقاسم في تشابه الولايتين يكمن في بدايات التأسيس من حيث الدعوة إلى الإصلاح والتحلي بالقيم الصحيحة والأخلاق السامية وما يتزامن مع تلك الدعوة من إحياء بعض العادات الدينية، كما تتشابه الولايتان في وجود سلطة فوقية مطلقة تملك حق الإقرار وإصدار الأمر والتفويض المطلق في التفكير بدلا من أعضاء الطائفة كما في حالتي جماعة التكفير والهجرة المتمثلة في سلطة أمير الجماعة، أو في سلطة المرشد في حالة جماعة الإخوان المسلمين، وأخيرا من مشاهد التشابه هو تحول الفكر الإصلاحي إلى ممارسات عدوانية وأخرى قمعية إقصائية صوب الآخر مع استدامة حلم الوصول إلى الحكم إعلانا للخلافة الإسلامية حسب زعم تلك الطوائف والتيارات. 
ومن وجوه التشابه بين تلك الولايتين؛ الفقيه والمرشد والصراع مع أية سلطة رسمية في الدولة هو الملمح الرئيس في العلاقة بين تلك الجماعات والأنظمة السياسية الحاكمة، بل إن من ملامح الصراع النفسي الداخلي لتلك الجماعات أنها تسمح لفقيهها وأميرها أو لمرشدها الديني والروحي بسلطات مطلقة تحكم وتنعم وتحرم، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى تقييد سلطات الحاكم الرسمي للبلاد الإسلامية ومحاربة النظم المجتمعية والمؤسسات المدنية بصورة شرسة إلى حد تكفيرها ومنع أعضاء هذه التيارات والفرق من العمل بمؤسسات الدولة باعتبارها مؤسسات كافرة وخارجة عن الدين ونصوصه. 
والمستقرئ لتاريخ ولاية الفقيه وولاية المرشد يدرك على الفور وعجل الرؤية أن أحد مسببات سقوطهما السياسي قبل السقوط الديني هو فقر الاجتهاد وقلة إعمال العقل والسعي دوما إلى استلاب طوائف المجتمع دون الإنصات إلى مطالبهم أو السعي لتحقيق مطامحهم المشروعة. فضلا عن حالة الفصام المعلنة أحيانا والمستترة أحيانا أخرى التي يمكن توصيفها في حالتي ولاية الفقيه وولاية المرشد وهي تقييد السلطة الدنيوية للحاكم في ظل الاهتمام بامور الآخرة والجنة والنار وقضايا الحرام والحرام والابتعاد عن كافة مباهج الحياة وفتنتها أيضا، والوجه الآخر لحالة الفصام الذهنية هو الاهتمام بالحكم والسلطة الفعلية والرغبات المحمومة صوب الإفتاء في قضايا ومسائل ومشكلات النساء، المشهد الذي يتطلب اهتماما واسعا من علماء النفس والاجتماع وتحليل الخطاب اللغوي للكشف عن هذا الهوس غير المسبوق في تاريخ الولاية الدينية للحديث عن شؤون المرأة.

هوس غير مسبوق في تاريخ الولاية الدينية للحديث عن شؤون المرأة وجسدها

المثير للدهشة أيضا في ولاية الفقيه والمرشد أن الشرعية فقط صك لا يملكه سواهما وأن بقية السلطات واهية محض كذب وفتنة وضلال، وهذا يجعل لهما مهام غير محددة ولا تفاصيل لها بخلاف السلطة الرسمية للحاكم في النظام السياسي القائم، وهذه السلطة المطلقة والمهام غير المحددة لولاية الفقيه والمرشد هي القوة الدافعة لكليهما في التخلي عن مزاعم الإصلاح والتوجيه وتوعية العقول وتهذيب النفوس التي كانت في مرحلة التأسيس لتتحول بعد ذلك إلى قوة غاشمة تستخدم كافة الوسائل غير المشروعة للوصول إلى سدة الحكم لاسيما في ظروف الفوضى وغياب الوعي الوطني العام تماما مثلما كان المشهد في مصر وقت انتفاضة يناير التي قادتها حفنة من الشباب المسيس غير المدرك لمقدرات بلاده وغير القادر على استشراف المستقبل، فخول الأمر نهاية في ظل عدمية الثقافة السياسية لهؤلاء الشباب إلى جماعات الإسلام السياسي التي أظهرت فقر الخبرة السياسية في إدارة شئون البلاد بنفس الدرجة من الفقر المعرفي في تنوير المجتمع. 
والمختلف بين الولايتين يتمثل في أن ولاية الفقيه تأبى استيراد نماذج معاصرة لنموذج الحكم، فهي أكثر اجترارا لحكايا وذكريات الماضي مما يدفعها للقول دائما بالأخذ بفكرة الهجرة من ديار الكفر (الدول العربية الإسلامية) وأنها ولاية تفتقر إلى التنظيم المحكم واتخاذ تراتبية في القيادة فالفقيه هو الأول والآخر دون مشاركة، أما في حالة ولاية المرشد فالتنظيم مظهر أصيل ومهم مما استدعى بعد ذك وجود كيانات سياسية حزبية يحق لها المشاركة السياسية الرسمية كما في حزب الحرية والعدالة الذي كان موجودا عقب الانتفاضة الشعبية في يناير 2011 بمصر. 
هذه الإطلالة السريعة لولاية الفقيه وولاية المرشد كانت ضرورية لأنه لا يمكن فهم المشهد المصري الراهن ومحاولات الترويج للفوضى وإعلان العصيان في وجه النظام الحاكم إلا في ضوئها، لأن ظهور تلك الولايتين مرتبط تمام الارتباط والوثوق بالفوضى ووجود حالات من الامتقاع بين بعض فئات الشعب، كذلك عدم اهتمام الشباب بالحالة السياسية، لذا فتفسير وتأويل إحداثيات الراهن السياسي المصري مرهون بإعادة إنتاج وظهور ولايتي الفقيه والمرشد من جديد، رغم أن محاولة إعادة الإنتاج لا تشير إلى إعادة التفكير أو التجديد أو حتى الاجتهاد، فولاية لا يهمها سوى التحليل والتحريم والتكفير والبحث في أدق شئون النساء والتنقيب في نصوص تراثية عن الختان والزواج والرضاعة والحيض وإمتاع الرجل فحسب، وولاية قضيتها الرئيسة الوصول إلى الحكم في ظل وعي شديد بإقصاء وتهميش وعزل كل مخالف لفكر تلك الولاية، وأعتقد أن الوعي الوطني المصري بات قويا لدرجة تقييم تلك الولايتين والحكم على مطامحهما غير المعلنة. 
وربما يدرك الكثيرون من المتابعين للمشهد المصري الراهن ارتفاع حدة الأصوات المعارضة الخارجية  للوطن والمواطن أيضا، تلك الأصوات التي أعتبرها مأجورة تصل إلى حد المرتزقة هي بالفعل الأكثر تربصا بأية تحولات يشهدها المجتمع المصري، والأبواق المأجورة القابعة في جحورها خارج أرض الوطن هي نفسها التي تستغل كل إحداثية سياسية أو اقتصادية ليتم تأويلها وتزييفها وفق الممول لهذه الأبواق المفرغة من العقل والمنطق وبالضرورة الوطنية أيضا.
وسرعان ما انتهزت الأصوات الهاربة خارج مصر عقب السقوط المدوي لجماعة الإخوان المحظورة والعزل الشعبي لها ولرئيسها في الثلاثين من يونيو 2013 لما يتم في مصر منها ملاحقة أولئك الذين استغلوا غفلة الدولة والنظام السياسي لسنوات فائتة بائدة وقاموا ببناء وتشييد مساكن لهم وسط سقوط لوعي الأجهزة المختصة آنذاك، وبعيدا عن الدفاع عن وجهة النظر المصرية الرسمية في ضرورة إزالة أية تعديات على الملكية المصرية لأن الأمر يطول وربما يرهق القارئ العربي، لكن بعيدا عن أي تكهنات في تأويل القرار المصري، من العقل والمنطق أن يحزن المواطن المصري لهدم بيته، لكن ليس من حقه أن يتجاوز وأن يتعدى على حق غيره لاسيما وإن كان الوطن، وإذا كان البعض يرى ثمة تعاطف مع الذين يروا أنفسهم مكلومين من القرار السياسي فإن لحظة تفكير واحدة تفي بالاقتناع. 
مثل المعتدي على أرض الوطن، والمتجاوز في أخذ الفرص وانتهازها وقت غفلة الدولة لسنوات طويلة مضت أشبه بالطالب الغشاش الذي تسول له نفسه أن يسقط شرف العلم والمعرفة صوب الأرض، وهل من الضروري أن نظهر تعاطفا مع حفنة من رجال الأعمال أو رجل سافر للخارج يعمل وفق قانون بلدة أخرى ولا يستطيع أن يجابه أية قرارات بتلك الدولة ويذعن بالامتثال لكافة قوانينها، وحينما يعود بحصيلته النقدية يمارس ثقافة مغايرة هي التعدي على أرض مملوكة للوطن أو يقوم بالبناء على أرض زراعية في الوقت الذي تتعافى فيه الدولة أو تطمح للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من احتياجاتها الغذائية ومن المفروض أن نهلل لتلك التصرفات غير الوطنية.

معارضون لكنهم من هواة العبث بالأوطان
معارضون لكنهم من هواة العبث بالأوطان

ومجمل المعارضين لقرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي هم أنفسهم من هواة الفوضى والعبث بالقانون وعدم الالتزام بالضوابط، لكن تلك المعارضة التي نجدها إما بصورة إعلامية احترافية تبثها القنوات الفضائية الخبيثة والممولة من جهات معادية لمصر وللمصريين، أو من خلال السخرية والاستهزاء من مشاهد هدم وإزالة المساكن التي تم إنشاؤها بصورة عشوائية هم الذين يسعون بجدية إلى الترويج للفوضى، لأنهم لا يستطيعون تجاوز القانون بهذه الصورة في أية دولة يعملون بها بالخارج، وعودة إلى تلك القنوات الفضائية خبيثة الهوى نجدها مدفوعة تجاه إظهار الصورة بأن النظام المصري يشرد الآلاف من المصريين من مساكنهم ويقذف بهم نحو الشارع وهي عادة متأصلة في جسد وشرايين تلك القنوات منذ العقد الأخير من حكم الرئيس حسني مبارك ولا تزال تواصل عادتها غير الشرعية. 
ويبدو أننا ينبغي علينا -على سبيل سخرية المروجين للفوضى- أن ندعم أولئك المخالفين للقانون والمعادين للنظام والمروجين لاستغلال غفوة الوطن أيام حكم جماعة حسن البنا، أم أن نقف في وجه الرئيس المصري معلنين حربا شرسة وهي في الحقيقة ليست حربا ضد الرئيس فحسب بل هي حرب خبيثة ودنيئة ضد وطن بأكمله، وهذا ما استغلته كتائب الجماعة المحظورة الإلكترونية من التهويل والتخويف والترهيب من النظام المصري، وأقولها كاشفا نية هؤلاء ؛ المشكلة ليست في قرارات أصدرها النظام السياسي الحاكم في وجه مغتصبين للأرض أو التصالحات التي تتم بناء التجاوز في البناء بغير ترخيص في زمن الفوضى الذي استدام لعقود بعيدة وطويلة في مصر، بل هي مشكلة الجماعة مع الرئيس وهي مشكلة شخصية مزمنة.
ويكفيك ما رصدته من متابعة القنوات الإخوانية إزاء كل ما يحدث في مصر من إنجازات تشاكلها وتماثلها على الشاطئ الآخر حملة من المعارضة الشرسة والهجوم غير الرحيم بالدولة المصرية، فمصر حينما تبدأ في حفر قناة السويس الجديدة تُهاجَم، وتهاجم حينما تستزرع الصحراء من خلال مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتواصل الكتائب الإلكترونية حملتها في معارضة الرئيس والدولة المصرية وقتما تشيد العاصمة الإدارية الجديدة تقوم القيامة داخل مصر عن طريق تحفيز القنوات الإعلامية المشبوهة وإشعال حالة الامتقاع صوب المشروع المصري، وصولا إلى الحالة الراهنة وهي مواجهة الدولة المصرية بحزم وقوة وثبات ضد الذين افترضوا ظنا أن الاستيلاء على أرض الوطن حق أصيل وطبيعي، وأن تجاوزات البناء بغير ترخيص هي من مكتسبات الحياة في مصر.  
 وهذا يجعلنا نعيد التفكير مرة جديدة في تحركات الجماعة المحظورة والتي بدت اكثر علانية بخلاف ما اعتادت عليه من تحركات سرية غير معلنة، فهناك إصرار مستدام من جماعة الإخوان المسلمين التي عانت عقوداً طويلة من المنع والحجب والقمع والاستبعاد الاجتماعي  علي اقتناص السلطة السياسية تحت سياج ديني مغلوط وربما تعتريه تصورات بديلة غير صحيحة فقهيا بغير شريك لهو أمر لابد وأن يدعوني للتفكير من جديد في آلياتها، فإصرار الجماعة المحظورة علي تأسيس دولة ذات صبغة دينية وليست دينية لأن الدولة الدينية شيء والدولة ذات الصبغة الدينية شيء آخر تماماً سيحدث فقط إذا غفلت الدولة والنظام السياسي عن مساعي الترويج للفوضى وإشعال الموقف المجتمعي بين سياقات وطوائف البسطاء وحتى ذوي الثقافة الموسوعية كذلك،  وسط هذه الظروف التي تمر بها البلاد حالياً، أو دون مراقبة تلك الكتائب والأصوات المروجة لتقويض الوطن، ومن ثم تحقيق أهدافها المنشودة ليست منها الوصول من جديد لحكم مصر مثلما كان في عهد المعزول محمد مرسي، بل من خلال فتح البلاد لكارهيها من أعدائها، وهم بذلك أشبه بالداعين إلي إقامة دولة مدنية وترسيخ أعمدتها وأركانها فهم أيضاً سيذهبون بغير وعي نحو هذا الشرك المنصوب لهم. 
وسنجد الجماعة في الأيام المقبلة ستؤول المشهد المصري الراهن لاسيما المتعلق بتطبيق القانون إزاء التعديات على أراضي الدولة وفق منظور ديني، وهو ما تم أيضا بالفعل حينما صرخت الأصوات بأن الدولة تهدم المساجد وأنها تحارب الإسلام وتعادي الدين وربما تسعى للقضاء على الدين الإسلامي، ورغم ذلك فإن الدولة المصرية صفعت وجه المعارضين للوطن والرئيس على السواء بأنها ستفتتح 53 مسجدا بمحافظة الشرقية يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من سبتمبر الجاري، وما أقسى وأخطر بل وأخبث أن يتم تأويل المشهد المصري الرسمي بهذا المنظور وبتلك الرؤية التي في حقيقتها تواصل جهدها إلى هدم وإسقاط الدولة. 
فربط الدين مثلاً بالعلم بصورة مستدامة يوقعنا في إشكال خطير، نظراً لاتسام العلم نفسه بالتغير والتقدم الدائم، بل إن دعوة هؤلاء المناصرين لإقامة الدولة المدنية دون ضوابط ثابتة ستجعلهم يقدمون العقل علي ظاهر الشرع عند التعارض، وهذا بدوره يؤدي إلي تحريك الطائفية من جديد. 

الدعاية الاخوانية المضللة: النظام المصري يهدم المساجد!
الدعاية الاخوانية المضللة: النظام المصري يهدم المساجد!

وإن كان لي رأي في الفلسفة التي أرهقتني طويلاً، بأن التأويل والتحليل يلوثان العقل ويفسدانه بعض الشيء. بين الركود والسيطرة المهم أن جماعة الإخوان لم ترتض بما يحدث في مصر من إنجاز أو حتى إخفاق وإن كانت شماتتهم بحال المصريين وقت الجائحة الكونية كورونا تدعو إلى الحسرة على حالتهم الذهنية وبؤس وضعهم الوطني، حيث إن تعطشهم للدخول في المعترك السياسي من جديد بعد حالات الركود التي طالتهم لاسيما بعد انتفاضة يناير 2011، وثورة الثلاثين من يونيو 2013 بدأ في الحنين والتحنين أيضا، حيث ظهرت تيارات وقوي سياسية ودينية أكثر فعالية وتواجداً داخل النسق المجتمعي مثل التيار السلفي الذي استطاع التواجد والتأثير بنفس الدرجة، وكذلك بعض التيارات السياسية الشبابية التي ساهمت في صنع القرار التاريخي لانتفاضة يناير الشعبية وهذه التيارات على أهبة الاستعداد لاقتناص المشهد المصري. 
وغريب أن جماعة الإخوان المسلمين التي تتميز بوضع قواعد وأسس ومبادئ حاكمية من الصعب تغييرها أو تجديدها في ظل سيطرة مجلس شورى الجماعة على المنتسبين لأفرادها أن تطلب بصورة سرية ضرورة التسريع في إجراء انتخابات مجلس النواب المقبلة،  ظناً منهم بالفوز فيها بأغلبية كاسحة تحت كاشفات حزبية غير ذات شعبية، وهذا الدافع غريب التوجه والقصد لدى فكر التيارات الدينية الإسلامية فور وصولها المتستر إلى قاعة مجلس النواب ستعلن بصوت عال ضرورة إجراء انتخابات رئاسية فور تشكيل البرلمان دون انتظار انتهاء مدة الرئيس عبد الفتاح السيسي الرسمية، وهو السعي الخبيث الذي تستهدفه الجماعة.
لكن فكرة الاستلاب التي تهيمن علي تفكير الجماعة تفرض عليهم رؤية معينة للواقع، وتجعلهم بذلك غريبين عن الممارسة الاجتماعية الحقيقية وعن وعي الواقع بشكل موضوعي، لأن إجراء انتخابات برلمانية ومن بعدها رئاسية وتعديل أو تغيير مواد دستورية ومد فترة انتقال السلطة كلها أمور مرهونة بمعايير شديدة الخصوصية.
وسيظل هاجس تولي أحد العسكريين رأس السلطة في مصر في عقل وفكر الإخوان مصدر قلق متصاعد لن تختفي حدته إلا بنفي الهاجس نفسه أو تصديقه، وإلى أن يتم علاج الجماعة نفسيا عند طبيب متخصص، عند ذلك  تكون الجماعة نفسها فقدت الرصيد الجماهيري لها بين أفراد المجتمع لأن هدفها سيكون واضحاً للجميع وهو الوصول إلى سدة الحكم وليس نماء الوطن. 
وهذا ما أكدته السنوات  المنصرمة عقب انتفاضة يناير التي كان لجماعة حسن البنا دور واضح في إشعال فتنتها، لاسيما ـ وعودة لتاريخ زمني قريب ـ  بدءاً من المناقشات التي تمت وقت تولي اللواء عمر سليمان منصب نائب الرئيس المصري حسني مبارك، مروراً بالأحاديث الشيقة بين الجماعة والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق، انتهاء بالاجتماع السياسي الشهير. وحقيقة لابد من التنويه عليها، إن سطوري تلك لا تحمل هجوماً علي جماعة الإخوان المسلمين في ذاتها،، لكن أنا أريد مواقف وطنية حقيقية لهذه الجماعة بغير فكر الاستعراضات العسكرية بالجامعات وبغير أبواق عالية قرب الانتخابات وتلك الإحداثيات المرتبطة بالعنف كما كان يحدث على أيدي جماعة التكفير والهجرة تلك الجماعة التي لا أعي لها فكرا أو أيديولوجية أو وجوها ترتقي بالاستماع إليها لأنها اعتادت مواجهة خصومها في قضايا الرأي والفكر بالقتل والتنكيل بل وذبح المخالفين واحتجاز وتعذيب الأقباط في ثمانينيات القرن الماضي.

إلى أن يتم علاج الاخوان نفسيا عند طبيب متخصص، ستكون الجماعة نفسها فقدت الرصيد الجماهيري لأن هدفها سيكون واضحاً للجميع: الوصول إلى السلطة وليس نماء الوطن

وكل يغني علي ليلاه والرائي لمصر الراهنة يكتشف أن الدولة وتحدياتها ومشكلاتها الداخلية والخارجية ومواجهة أعدائها وخصومها بالخارج  في واد، وفكرة الاستلاب التي تسيطر علي الجماعة في واد آخر ؛ فالدولة والنظام السياسي القائم تتجه نحو التحرر والانعتاق من الفساد الذي استشرى لسنوات منصرمة، ومواجهة التحرش العسكري على حدود ليبيا، والتعنت الإثيوبي في قضية مياه النيل وبناء سد النهضة  الذي بات عبئاً ثقيلاً علي صدور المصريين، وفي الوقت نفسه نجد جماعة الإخوان والتيارات السياسية ذات الصبغة الدينية مثل الجماعات الإسلامية والتكفيروالهجرة وأنصار بيت المقدس وجبهة النصرة  لا تزال رهينة الممارسة العنيفة للنقد والاعتراض. 
والسؤال الذي يتوجه علي إطلاقه تجاه تلك الجماعات والفرق والتيارات المغلوطة فكريا وعقائديا: هل في حالة عدم الظهور الشرعي لكم من جديد، وعدم الفوز بالانخراط في سياقات المجتمع المصري بصورة سلمية وفطرية هل ستبدأون في إعمار الوطن؟ أم أنكم ستعودون لفكر العمل السري من جديد الذي يزامنه العنف والإرهاب والقتل للخصوم والمعارضين؟.
لكن الذي يستدعي الغرابة في المشهد السياسي والمجتمعي الراهن أن تلك التيارات التي تستقي مصادرها من السطور والنصوص الراديكالية المتطرفة والأكثر عدوانية  ومدائن النفط تصر على تقويض الوطن وهدم استقراره والترويج للفوضى، والغرابة ليست في السعي إلى شيوع الفوضى، بل هذه الكراهية التي يعتنقوها لتقويض ومحو وطن عظيم كمصر في الوقت الذي يهللون فيه لرئيس تركيا ومزاعمه وأمراضه المزاجية وأحلامه المريضة المتعلقة بخلافة أرض العرب . 
إن إصرار تلك التيارات التي بزغت فجأة مستثمرة حالة التعددية التي أفرزتها انتفاضة يناير تحت رعاية تنظيم حسن البنا وتحركات البرادعي المشبوهة على التواجد واقتناص المنصة وحدها من خلال الحديث عن هداية المجتمع ورعاية الفقراء ومحاربة الفجور والاهتمام بالأرامل والاعتناء بتأهيل الشباب وعمل قوافل طبية وتشغيل المصانع وتحقيق العدالة الاجتماعية لهو مفخرة للإسلام إذا كان القصد كذلك، لكن إذا سيس الأمر وباتت أهداف تلك الجماعات إلى الانفراد المطلق بالحاكمية والسلطة دون شريك يفرض وجوده بالشورى والمشاركة لهو أمر مرفوض تماماً.
وكثيراً ما كنت أفكر أننا نعيش فوضى أخلاقية وتحلل قيمي وديني في مجتمعاتنا شديدة التحفظ، فحاولت أرصد ما الذي يدفع بتلك التيارات الموجهة إلى أسلمة العقل والوطن اللذين هما بالقطع يفطنان لحقيقة الإسلام ويدركان عظيم الإدراك عبقرية الإسلام في بناء الحضارات والأمم، فلم أجد مثلاً نصاً واحداً مصرياً يجيز زواج المثليين، ولم أعثر في دربي على خطاب فكري يدعو إلى الحث على إقرار حرية العلاقات الجنسية، أو منشوراً منسياً يحض على الربا، إذن هناك حقيقة مفادها أن هذا الوطن متدين بطبعه ويقيم شعائره السماوية، وأن هذا العقل يدرك أن الدين والسياسة لحظتان مترابطتان تقيمان أمر المرء في المجتمع بغير مغالاة أو تشدد أو قهر للآخر.
كنت أتصور أيضاً أن ثقافة توجيه العقل والوطن التي ابتدعتها تلك التيارات تستثمر في فكرة إنشاء جامعة أو معهد أو أكاديمية ترشد الطلاب للدين القويم ولمعايير الشريعة الإسلامية الحنيفة، لكن تلك التيارات والجماعات لا ترى في مصر سوى هدف واحد ووحيد وهو اقتناص السلطة والوصول إلى الحكم وإقصاء الجميع.