الصينية لي جيوان في 'رحلة إلى ألتاي'

الكاتبة تسرد خلاصة رحلة ثقافية قامت بها في منطقة ومراعي ألتاي التابعة لمنطقة شينجيانغ ذاتية الحكم بشمال غرب الصين، لتقدم من خلالها صورة دقيقة عن حياة وعادات وتقاليد الأقليات الصينية المسلمة المقيمة بهذه المنطقة ذات الخصوصية بين الأقليات الصينية.

يشكل هذا الكتاب"رحلة إلى ألتاي" للكاتبة الصينية المعاصرة لي جيوان خلاصة رحلة ثقافية قامت بها في منطقة ومراعي ألتاي التابعة لمنطقة شينجيانغ ذاتية الحكم بشمال غرب الصين، لتقدم من خلالها صورة دقيقة عن حياة وعادات وتقاليد الأقليات الصينية المسلمة المقيمة بهذه المنطقة ذات الخصوصية بين الأقليات الصينية. فتكتب عن الحياة في مدينة أورومتشي حاضرة شيجيانغ وعن عادات أهلها في المأكل والمشرب والملبس والاحتفالات أعياد الفطر والأضحى وشهر رمضان، وعن احتفالات الزواج، وعن علاقات التعايش والصداقة بين أبناء قومية الخان الصينية وأبناء أقلية الخاساك الصينية المسلمة.

الكتاب صدرت منه أكثر من طبعة صينية وحازت به المؤلفة على أكثر من جائزة أدبية داخل الصين، وقد ترجمه للعربية عبدالرحمن عادل، ضمن سلسلة "قراءات صينية" عن دار صفصافة للنشر، بإشراف د.حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن جامعة عين شمس، تقول لي جيوان في مقدمتها "كلماتي التي اخترتُها هنا كلها متصلة بحياتي في جبال ألتاي. لقد قضيت شطراً كبيرًا من طفولتي في منطقة فويون التابعة لشينجيانغ في أقصى شمال جبال ألتاي، قبل أن أنتقل مع عائلتي إلى ألتاي للعيش بجوار الرُعاة الكازاخيين الرُحل. وفيما بعد، تركت المنزل وسافرت للعمل، فعملت في ألتاي لمدة خمس سنوات. بينما بقيت والدتي تُدير أعمالها التجارية الصغيرة. حينها كنت لا أزال أعيش في قرية آكيخالا النائية والمحاطة بالبرية الشاسعة. كانت الطبيعة غارقة في اللون الأبيض.. في الأيام الغائمة، كنت أرى العالم أبيضًا نقيًا؛ وفي الأيام المشرقة، كنت أراه ساطعًا باللون الأبيض المختلط بزرقة السماء. انخفضت درجة الحرارة آنذاك إلى أكثر من أربعين درجة مئوية تحت الصفر، فسدت الثلوج الكثيفة النوافذ، وغرق المكان في العتمة".

وتلفت لي جيوان إلى أن الجزء الأول "يسرد مقتطفات من ذكرياتي التي سجلتها على مدار العامين الماضيين، وتم نشر معظمها على الإنترنت كمدونات. ذلك لعلمي بأن الكلمة المكتوبة غالبًا ما تكون أكثر صدقًا وموثوقية عن نظائرها، وأنها ستبقى ولو بعد حين. أما الجزء الثاني فهو متصل بشكل كبير بكتابي (زوايا ألتاي). فكلاهما كُتب في ذات الفترة، ويسردان مشاهد ومشاعر متقاربة. أما تلك المشار إليها بـ"انا" فهي أيضًا تلك الفتاة الفقيرة صاحبة الثمانية أو التسعة عشر ربيعاً، العابثة، الحساسة، والمفعمة بالحماس، والتي لم تخل حياتها من الأحداث المثيرة. أما الجزء الثالث فهو جزء من كتاب قديم كتبته قبل عدة سنوات بعنوان (تسع مقالات عن الثلج). إذ أرادت مني إحدى دور النشر إعادة طباعته مرة أخرى، وبعد تفكير مطول، لم أقوَ في الحقيقة على ذلك. ذلك لأنني شعرت بأن تلك الكلمات التي كتبتها في شبابي قد اتسمت ببعض الطيش، ولكنها في الواقع لم تخلو أيضًا من الأفكار البريئة. فسجلت ذلك كله في هذا الكتاب المعنون بـ "رحلة إلى ألتاي".

يذكر أن لي جيوان كاتبة معاصرة، بدأت الكتابة عام 1999 في أعمدة الصحف مثل (الجنوب الأسبوعية) و (ونهوي اليومية). وفي 2003، نشرت أول عمل لها بعنوان (تسع مقالات عن الثلج). وفي 2010، نشرت كتابها (زوايا ألتاي)، والذي حاز "كأس ماوتاي للأدب الشعبي". وفي 2012، نشرت سلسلة القصص النثرية (مراعي الشتاء) و(طريق الغنم). وفي عام 2017، نشرت مجموعة من المقالات بعنوان (حقل عباد الشمس)، حصلت بها على جائزة " لوشون الأدبية" في دورتها السابعة.

مقتطف من الفصل المعنون بـ "الألعاب النارية" الذي تشير فيه لي جيوان إلى عادات احتفال أبناء قومية الخان المقيمين بشنجيانغ بعيد الربيع، تقول:

عادة ما يكون هناك عائلتان أو ثلاثة من قومية الخان في القرية، إلا أنه لم يتبق سوى عائلتنا فقط الآن أثناء قضاء ليلة رأس السنة الجديدة، بينما ذهبت بقية العائلات للاحتفال في مركز المقاطعة. إننا عادة ما نشارك الجميع في الاحتفال بعيد الأضحى وعيد الفطر وغيرها من أعياد المسلمين. بينما أعياد قومية الخان مثل رأس السنة القمرية فأعتقد، أننا لم نحتفل بها بشكل ملائم منذ عدة سنوات. إلا اننا قد قررنا أن نحتفل بها جيدًا هذا العام. ولذلك فقد اشتريت خصيصًا بعض الألعاب النارية من المدينة، وقررت أن أشعلها مساء ليلة رأس السنة لأشعل الأجواء قليلًا. عدت بها إلى المنزل مسافة أكثر من خمسمئة كيلومتر وركبت ثلاث حافلات. ظللت طوال الطريق خائفة من أن يكتشفها أحد، لأنني سمعت أن اصطحاب الألعاب النارية على متن الحافلة مخالف للقانون.

فكرت لبرهة، لقد بلغت الآن هذا الكبر وأعتقد أنني لم أجرب قط اللعب بالألعاب النارية. حتى كنت في صغري أشاهد أطفال الجيران يلعبون بها إلا أنني لم أذهب يومًا لمشاركتهم. كما لم أرغب أيضًا في ذلك بعد أن كبرت، بل أن منزلنا لم يحتفل قط بليلة رأس السنة الجديدة. كما أنني سأنفق الكثير من المال لأسمع بعض الـ "بانج بانج" ثم يختفي كل شيء بينما يتمزق الورق على الأرض ـ إنها حقًا لا تستحق كل هذا العناء.

إنني حقًا لا أعرف فيم كنت أفكر هذه المرة، شخص لم يسبق له الاحتفال برأس السنة، فجأة يريد أن يحتفل بها هكذا.. لربما، أن الشباب شباب القلب وليس السن؟

بعد أن تناولنا عشاء رأس السنة، شاهدنا سويًا حفل عيد الربيع على التلفاز – هذا أمر نفعله أيضًا لأول مرة منذ سنوات عديدة. ولكن الإشارة ضعيفة للغاية ولا يصلنا سوى بعض الضوضاء من شاشة التلفاز. عند مشاهدتك لمثل هذا التلفاز، فبالإضافة لبصرك، عليك أيضًا الاستعانة ببصيرتك لتخيل ما تشاهده. لم أتحمل ذلك فخرجت لركل الهوائي عدة مرات. ولكنني اكتشفت أن الصورة ازدادت سوءًا بعد أن عدت، في الأخير أغلقت التلفاز وقررت الخروج للعب بالألعاب النارية.

كان الظلام دامسًا بالخارج ولم يكن القمر مضيئًا في السماء، ولكنها كانت مرصعة بالنجوم في هذا النصف من الكوكب. الفرق شاسع بين السماء المضيئة والأرض حالكة الظلام. عندما وقفت أمام باب المنزل، لم أتمكن من رؤية أي منزل آخر بالقرية. كما لم يكن هناك أي مصباح مشتعل. هل نام أهل القرية بالفعل؟ بعد قليل بدأت أري جدار منزل الجيران.

أضاءت والدتي مصباحًا وشاهدتني أضع بحذر الألعاب النارية وسط كومة من الثلج فوق سطح المنزل المظلم ثم ناولتني بعض الحجارة لتثبيتها ومنعها من الانقلاب عند اشتعالها. إن المكان هادئ للغاية. لم ألبس معطفي، لذا بعد فترة شعرت بالبرد الشديد. كما شعرت بالتوتر في أسناني إلا أن الحماس كان يغمرني.

تناقشنا بعد ذلك فيمن سيشعلها. فهذا أمر جديد علينا، لذا فقد كنا نحن الاثنتين نشعر بالخوف.

كان هناك رجل يدين لأهلي بمبلغ كبير من المال، ولكنه توفى مؤخراً. ووفقًا لشريعة المسلمين المحليين، لا يمكن دفن المرء قبل سداد الديون التي كان يدين بها للآخرين قبل موته. وفي الجنازة، يسأل الإمام أهل المتوفي:" هل كان يدين لأحد بالمال؟" فقط بعد تلقي إجابة بالنفي، يستمر في قراءة القرآن على روحه.

إلا أن عائلته غير قادرة حقًا على سداد دينه، ولذلك فقد احضروا إلى والدتي حصاناً وطلبوا منها قبوله مقابل الدَين.

استشاطت والدتي غضبًا، ثم اتصلت بي لتشاورني في الأمر.

قالت:" أخبريني ماذا سأفعل بالحصان؟"

قلت:" دعيه عندك وأمتطيه."

قالت:" لدينا بالفعل دراجة نارية، فما حاجتنا لامتطاء الحصان!"

فقلت:" إذا اتركيه."

قالت:" ولكنني حقًا أرغب فيه..."

فقلت:" ماذا ستفعلين به؟"

قالت:" سأمتطيه."

وبعد الظهيرة، اتصلت بي مجدداً والحماس يغمرها:" ابنتي جيوان، لقد اتخذت قراري، سأقبل الحصان، وسأعطيكِ إياه كهدية! سأحضره لكِ في مدينة ألتاي الأسبوع المقبل، ما رأيك؟"

أصابني الذهول فقلت لها:

"ماذا سأفعل به؟"        

"إن مكان عملك بعيد جدًا، يمكنكِ ركوبه للذهاب إلى مقر عملك."

"ولكنني أفضّل الدراجة الهوائية."

"إن الدراجة الهوائية مرهقة للغاية، أما الحصان فلن يجعلك تبذلين أي مجهود. وعندما تصلين إلى العمل يمكنك تركه خارج المبني ليأكل بعض العشب. وعندما تعودين إلى المنزل يمكنك ربطه بشجرة الصفصاف الكبيرة وراء المبني، فالعشب بجوار البحيرة أيضًا كثير جدًا..."

صحت بها قائلةً:" ولكن، هل يعرف الحصان شيئاً عن إشارات المرور؟"

فكرت بالأمر جيدًا بعد أن أغلقت سماعة الهاتف، فناهيك عن مدينة ألتاي، فحتي بيتنا لا يمكنه تربية حصان في قرية آكيخالا. فأولًا العلف قليل، والموجود منه فقط للدجاج والبط لقضاء الشتاء، حتى أنه قد لا يكفي الدجاج والبط، فهل من سبيل لتربية حصان! والعلف غالٍ جدًا في الشتاء، فكيف يمكنني تحمل شرائه؟ بينما الشتاء طويل للغاية، يستمر لنصف العام تقريبًا.

علاوة على ذلك فإن بيتنا في آكيخالا ليس كبيرًا، وممتلئ بالأشياء المختلفة، فأين سنضع الحصان؟

أعتقد أن الحل الوحيد إذا جلبناه للمنزل أن نضحي له باللحم... واحسرتاه! إذا ربينا الحصان فقط لنطعمه اللحم، فإلى أي درجة ستزداد حياتنا فقرًا بعد ذلك؟

ومنذ عامين كانت والدتي تفكر في شراء حصان. لم يكن هناك بئر مياه بالمنزل في ذلك الوقت، وكان علينا السير لمسافة كيلومترين لجلب المياه من نهر أولونغو. كان الأمر على ما يرام في الصيف، أما في الشتاء، يتجمد النهر حتى يتحول إلى جليد سميك، ولحمل الماء أصبح عليك أن تجلب النير بالإضافة إلى الفأس. يجب أن نجلب الماء كل يوم، ولذلك يجب أن نكسر الجليد كل يوم. ذلك لأن الثقوب التي تم تكسيرها في اليوم السابق ستتجمد مجددًا بين عشية وضحاها.

علاوة على ذلك فالشتاء في آكيخالا بارد جدًا، تصل درجات الحرارة في شهري يناير وفبراير إلى ثلاثين أو أربعين تحت الصفر. والرياح تهب على ضفاف النهر كما السكاكين. على طول الطريق، تجد الثلج عميقًا حتى يصل ركبتيك، وتمتد البرية البيضاء على مد بصرك، بينما لا تري أثر أي أقدام.

فَكرت والدتي، إذا لم يكن لدينا حصان، فسيكون من الجيد أن يكون لدينا حمار صغير. إذ يمكن استخدامه لحمل الماء، فيمكنه في رحلة واحدة حمل قدر ثلاثة أو أربعة أيام من الماء، مما يوفر علينا المشقة.