الصين من حرب الأفيون إلى الحرب العالمية الثالثة

العدو فيروس، والجنود الأطباء والممرضون، والأسلحة العقاقير الدوائية غير المجدية إلا مع حالات ضئيلة. 
الأسرى، هم شعوب العالم التي صارت حبيسة المنازل، وحالتها النفسية شبه مدَمَرة لأن سجانها شبح، لا يعلم أحد مساره، ولا كيفية مقاومته، ولا متى سوف تنتهي تلك الحرب
ألبرت أينشتين حذر في منتصف العقد الماضي من نشوب حرب عالمية ثالثة
الحكومة الصينية داهمت أماكن تجارة وتخزين الأفيون، ووضعت يدها على مخزون ضخم منه

حالياً، ينعم الإنسان بأزهى عصور الرفاهية التي قد عرفها، بالتأكيد بالمقارنة بالحقب السابقة؛ لأن العلم دوماً في حالة تقدم وتطور، ومن الصعب التكهن بمقدار التطور الذي قد نشهده خلال العقد القادم، إلا أن، صيرورة التقدم رهن إشارة شرط واحد فقط، في حال عدم تحققه، لسوف يحقق التطور العلمي ليس فقط قفزات من التطور، بل لسوف يطير بسرعة تفوق سرعة البرق إزاء تطور لربما لن يستوعبه عقلنا في الوقت الحالي. وبناء على هذا، لسوف تختصر فيما بعد قفزات التقدم ليس فقط في عقد واحد من الزمان، بل ستصير سنوية، أو حتى يومية. لكن، لا يزال هذا الشرط الهاجس الذي يسيطر على البشرية، ألا وهو: نشوب حرب عالمية ثالثة.
لقد حذر عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتين في منتصف العقد الماضي من نشوب حرب عالمية ثالثة؛ لأنها في ظل التقدم المتسارع لسوف تأتي على الأخضر واليابس، وهذا عندما قال: "لا أدري ما هو نوع الأسلحة المستخدمة في الحرب العالمية الثالثة. لكني أعلم أن الحرب العالمية الرابعة لسوف تكون أسلحتها العصى والحجارة". 
وتلك المقولة وإن تدل على أن الحضارة كما نعرفها لسوف تزول، لدرجة أن الإنسان لسوف ينزلق لمرة أخرى في غياهب عالم بدائي يحارب فيه بطرق همجية.
ودون شك، من الحروب شديدة الهمجية التي خاضها الإنسان الشديد التحضر والرقي في الماضي، كانت حروب الأفيون Opium Wars في منتصف القرن التاسع عشر، والتي تم شنها ضد دولة الصين التي كانت تؤثر حينئذٍ أن تراعي مصالحها بنفسها، مع منع أي تدخل غربي في شئون دولتها. لكن، هذا الوضع لم يرق لبريطانيا العظمى التي كانت آنذاك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس المهيمنة على العالم، والتي أغضبها كونها في احتياج متكرر لاستيراد منتجات وخامات من إمبراطورية الصين بمبالغ طائلة، في حين أن الصين - على العكس – كانت تحجم عن شراء أية بضائع إنجليزية الصنع، مهما بلغت درجة تطورها. ومما جعل الحكومة البريطانية تفكر في حيلة لتحد بها من الأموال المدفوعة للصين. 
ومن ثم، حاولت بريطانيا جاهدة بكل الطرق السلمية أن تقنع الصين بأن تدخل في شراكة تجارية معها قوامها الاستيراد والتصدير المتبادل. لكن الصين رفضت، وبكل شدة. فما كان من الحكومة البريطانية إلا وأن فكرت في حيلة ماكرة تبتز بها أموال جميع الصينيين. وعلى هذا، قامت من خلال مصنع هندي لتصنيع الشاي متواجد على الأراضي الصينية بترويج مخدر الأفيون للصينيين. مما بدل الشعب الصيني من شعب منتج، إلى شعب مدمن عالة على الدولة، ومدمراً للاقتصاد. فما كان من الإمبراطور كينج Qing إلا أن يحارب تجار وتجارة الأفيون، ويحاول بشتى الطرق أن يمنع دخوله للبلاد حتى يتعافى شعبه. بل وأيضاً رفض عرض الحكومة البريطانية التي كانت تصر على أن يجعل تجارة الأفيون شرعية حتى يناله الفائدة حين يفرض على تلك التجارة رسوما وضرائب كأي تجارة شرعية. 
ومن هنا، داهمت الحكومة الصينية أماكن تجارة وتخزين الأفيون، ووضعت يدها على مخزون ضخم منه. مما أغضب – بالطبع - الحكومة البريطانية، التي وجدت أن حيلتها قد تم كشفها والقضاء عليها، فاستغلت الفرصة الحكومة البريطانية، وأعلنت أن عند المداهمات، قد أصابت الحكومة الصينية إحدى السفن البريطانية. فتلى ذلك مفاوضات دبلوماسية، أصرت فيها الحكومة البريطانية على ضرورة عقد  إتفاقية تبادل تجاري بين البلدين على نحو متكافئ. ولما رفضت الصين، أخذت البحرية البريطانية تقصفها بأسلحتها وسفنها المتطورة، إلى أن هزمت الصين هزيمة نكراء. وحينئذٍ، أجبرتها على عقد اتفاقية معها، كان من أهم بنودها إجبار الصين على توقيع إتفاقية تبادل تجاري.

وعلى الرغم من الإتفاقية، لم تقم الصين باستيراد شيء يذكر من المنتجات البريطانية. فما كان من بريطانيا إلا أن فرضت إعادة النظر في الإتفاقية التجارية، وفرضت فتح الأسواق الصينية لجميع المنتجات البريطانية، وجعل تجارة الأفيون شرعية، وإعفاء التجارة البريطانية من آية رسوم جمركية، وتحرير تجارة العمالة الصينية، وفرض تواجود سفير بريطاني في الصين لرعاية تنفيذ الاتفاقيات الموقعة قسراً. ومع محاولات الشعب الصيني الغاضب لدرء ضغط النفوذ الانجليزي القسري، تم شن حرب عصابات دموية ضد الكيان الإنجليزي المتواجد، مما دفع بريطانيا أن تتحالف مع عدوتها اللدود فرنسا ضد الصين وأخذت تلك القوتان العظميان تحاربان الصين على مدار أربعة سنوات (1856-1860)، وانتهت الحرب عندما تحالفت بريطانيا وفرنسا مع دول غربية أخرى ضد الصين التي استماتت في الدفاع عن أراضيها ومصالحها. ومع اشتراك في دك الصين، خرجت الصين من الحرب "شبه دولة" لا حول لها ولا قوة.
ثم يطل عام 2020، والصين تظهر للعالم في بدايته كواحدة من أهم الدول الصناعية الكبرى، وتتصدر قائمة الدول التجارية المصدرة بلا منازع، وكذلك هي القبلة الأولى لجميع الاستثمارات الأجنبية، إلى غير ذلك من المناحي التي تجعل منها منارة للتقدم، والرخاء والازدهار. ثم، وعلى حين غرة، يخرج من الصين فيروس الكورونا COVID-19 الماكر، الذي احتارت أشد الخبرات العلمية والطبية تطوراً في اختراع مصل ناجع لوقف انتشاره، بعد تفشيه عالمياً كالنار في الهشيم، في شكل جائحة تقتل الشعوب، وتدمر الاقتصاد، وتنشر الذعر والهلع في كل العالم بقسوة ضراوتها تفوق انتشار الأفيون في الصين قديماً. فالوضع العالمي يعرف بأنه حالة حرب قصوى وشديدة الخطورة؛ فهي في سبيلها لإفلاس الإتحاد الأوروبي، وبالفعل تهدد الاقتصاد الأميركي، وتجعل الشعوب العالمية - وخاصة تلك التي تعيش في دول في حالة حرب مثل سوريا – تقر بأنها في وقت الحرب والقصف، كانت تتحرك بحرية وبلا خوف كما هو الوضع في الوقت الراهن.
ما تخوضه دول العالم أجمع حالياً هو حرب عالمية ثالثة بكل المقاييس. فهي تماثل تكهنات ألبرت أينشتاين الذي تصورها حرب غير تقليدية؛ فالعدو فيروس، والجنود الأطباء والممرضون، والأسلحة العقاقير الدوائية غير المجدية إلا مع حالات ضئيلة. أما الأسرى، فهم شعوب العالم التي صارت حبيسة المنازل، وحالتها النفسية شبه مدَمَرة لأن سجانها شبح، لا يعلم أحد مساره، ولا كيفية مقاومته، ولا متى سوف تنتهي تلك الحرب. ويتوقع الخبراء أن يخرج منها العالم ليس كما كان عليه بالسابق. فالفائز لسوف يتحدد بعد إنقضاء الجائحة. ودون شك، لسوف تخرج الصين من الحرب فائزة، وهي تلك الدولة التي حالياً ينتشر ويتحرك رعاياها وتوصياتها الطبية عالمياً بكل حرية وترحاب قسراً. وبإلقاء نظرة خاطفة على الصين قديماً التي دمرتها حروب الأفيون، لسوف تنطق الألسنة: "ما أشبه اليوم بالبارحة، لكن مع تبدل الأدوار."