الضمراني يؤكد أن صحف اليسار ربطت أبناء المدن والمحافظات بالأحداث القومية

الباحث المصري يكشف في دراسته عن تراث صحفي ضخم لم يتعرض له الكثيرون من الباحثين في حقل تاريخ الصحافة المصرية.
الصحف الحزبية الممثلة لتيار اليسار المصري التي تُطبع في محافظة القاهرة، استمرت في الصدور بسبب توفر المطابع بالعاصمة
صحافة تيار اليسار المصري عانت من الانكماش والتقلص في بعض الفترات

استهدف الكاتب الصحفي حسام الضمراني في دراسته "خطاب صحافة اليسار المصري نحو القضايا المجتمعية من سنة 1978 إلى 2011" التي نال عنها درجة الماجستير أخيرا من كلية الإعلام جامعة القاهرة، رصد وتحليل وتفسير سمات وخصائص الخطاب الصحفي لصحف تيار اليسار المصري والمتعلق بالقضايا المجتمعية خلال الفترة من عام 1978 وحتي عام 2011؛ كل من: "صحيفة الأهالي ونشرة التقدم ومجلات أدب ونقد واليسار ومجلة الطليعة عن حزبي التجمع الوطني التقدمي الوحدوي والاشتراكي المصري، وصحيفة الشعب عن حزب العمل الاشتراكي، وجريدة البديل اليومية، الصادرة عن مؤسسة التقدم للصحافة، مجلة أوراق اشتراكية صدرت عام2003، وجريدة الاشتراكي صدرت عام 2006، عن مركز الدراسات الاشتراكية التابع لمنظمة الاشتراكيين الثوريين"، ورصد المصادر التي اعتمد عليها الخطاب الصحفي والأطروحات التي قدمها، وذلك من خلال تحليل المحتوي الصحفي المنشور في صحف الدراسة والبحث.
وكشف الضمراني في دراسته عن تراث صحفي ضخم لم يتعرض له الكثيرون من الباحثين في حقل تاريخ الصحافة المصرية، حيث أجراها على 2120 مادة صحفية متنوعة منشورة بصحف تيار اليسار المصري في الفترة محل الدراسة.
ولفت إلى أن استمرارية صدور الصحف الحزبية الممثلة لتيار اليسار المصري التي تُطبع في محافظة القاهرة، بسبب توفر المطابع، وهو ما مثل لهم عضداً مادياً ساعد على مواصلة الصدور لفترة زمنية طويلة نوعاً ما، على عكس الصحف الإقليمية التي صدرت عن حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي والتي لم تستطع أن تستمر في الصدور لفترات زمنية طويلة بسبب عدم امتلاكها مطابع خاصة بها في المحافظات، وهو أحد الأسباب الجوهرية التي كانت وراء توقفها مثل" التجمع، وأهالي أسوان، والبورسعيدية، وأهالي حلوان، والعرضحالجي"، أيضاً صدرت بعض الصحف عن تيار اليسار المصري في بداية ظهورها ذات مضمون ثقافي أدبي اجتماعي مثل نشرة" الطليعة" ومجلة "أدب ونقد" ومجلة "اليسار" عن حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، ولكنها تحولت بعد فترة من الوقت إلى المضمون السياسي مثل نشرة "الطليعة" ومجلة "اليسار".

صحف اليسار اعتمدت في معالجتها للقضايا المجتمعية ـ على مواد الرأي كفن المقال الصحفي أكثر من اعتمادها على فنون التحرير الصحفي مثل الخبر والتحقيق والحوار والكاريكاتير

وتوصل الضمراني فيما يتعلق بمصدر تمويل صحف تيار اليسار إلى أن صحيفة الأهالي وإصدارات حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي كانت تتلقي نسبة كبيرة من الإعلانات خلال فترة الثمانينيات، خاصة فترة تولي الكاتب الصحفي محمود المراغي رئاسة تحرير صحيفة "الأهالي" في الفترة من "1988 - 1989"، وذلك لعمله بجريدة "الوطن" الكويتية، وكذلك د. سعد الدين إبراهيم والذي كان يساهم في جلب إعلانات للصحيفة من دول الخليج العربي في تلك الفترة، وهو ما كان يساهم في توفير نسبة من إعلاناتها لصحيفة "الأهالي" بحسب ما فسره لنا الكاتب الصحفي حسين عبدالرازق في مقابلة بمكتبه، وفيما يتعلق بحصول صحيفة الأهالي علي الإعلانات في فترة رئاسة الرئيس محمد حسني مبارك فأن النسبة الأكبر منها كانت تأتي عن طريق خالد محي الدين الأمين العام لحزب التجمع ورئيس مجلس إدارة الصحيفة، ومن بعده د. رفعت السعيد من خلال عضويته بمجلس الشورى وعلاقته الطيبة مع رجال الأعمال، وهو ما أكد عليه الكاتب الصحفي حسين عبدالرازق، أما بالنسبة لتمويل صحيفة "البديل" الصادرة عن شركة التقدم للنشر والتوزيع فإن سبب تحولها عام 2009 إلى نسخة رقمية عبر شبكة الإنترنت بعد إيقاف إصدارها المطبوع، فيعود إلى ضعف حصولها على نسبة من الإعلانات تساهم في استمرار إصدارها المطبوع، وهو ما أكد عليه صبري فوزي العضو المنتدب بالصحيفة في مقابلة بمكتبه.
وقال إن صحافة تيار اليسار المصري عانت من الانكماش والتقلص في بعض الفترات، منها فترة الرئيس محمد انور السادات 1978- 1981، وفترة الرئيس محمد حسني مبارك 2000 ـ 2010، وكان ذلك بسبب مركزية الحكم وفرض الرقابة علي الصحف والتضييق علي حرية الصحافة والتعبير بعد انتقاد كل من صحيفتي "الأهالي" و"الشعب" اتفاقية كامب ديفيد 1978، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979، وهو ما أدي إلى مصادرة الصحيفتين، وبسبب الغلاء وارتفاع أسعار الورق والطباعة، ونقص نسبة الإعلانات في هذه الصحف، وهو ما أدي إلى توقف صدور عدد من صحف ومجلات تيار اليسار مثل نشرة "الطليعة" مرتين الأولي في أعقاب انتفاضة 1977، والثانية عام 1987، وتوقف مجلة "اليسار" عام 2001 عن حزب التجمع، وتحول صحيفة "البديل" إلى الإصدار الرقمي عام 2009 عن مؤسسة التقدم للصحافة والنشر بسبب تراجع نسبة الإعلانات.
ولفت الضمراني إلى اعتماد صحف تيار اليسار المصري طوال فترة الدراسة علي وكالات الأنباء في الحصول علي المعلومات الخاصة بالقضايا الخارجية، وإن تراجع ذلك في فترة التسعينيات من القرن الماضي بوجود بعض مراسلي هذه الصحف في الخارج ببعض صحف تيار اليسار مثل مجلة "اليسار" وصحيفة" الأهالي" الصادرة عن حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، إلا أن غالبية صحف الدراسة ظلت تعتمد علي وكالات الأنباء في الحصول على المعلومات الخاصة بالقضايا الخارجية، وهو ما يدل علي أزمة اقتصاديات هذه الصحف التي يدبر غالبيتها تكلفة إصدار تلك الصحف من أموال تبرعات أحزابها.
وفيما يتعلق بالكادر الصحفي داخل صحف تيار اليسار المصري، توصل الضمراني عبر دراسته إلى أن عددا من بين أبناء المؤسسات الصحفية القومية تولوا مسؤلية تحرير صحف تيار اليسار المصري ممن ساهموا وشاركوا في إثراء الصحافة المصرية علي وجه العموم، وصحافة تيار اليسار المصري على وجه الخصوص، وذلك من خلال العمل بالصحافة وإصدار الصحف علي مختلف أشكالها ومضامينها، من أبرزهم خالد محي الدين الذي رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامي 1964 و1965، ولطفي الخولي الذي عمل بجريدة الأهرام وأنشأ عموده "الرأي السياسي" عام1961، ثم تولي رئاسة تحرير مجلة "الطليعة" عام 1965، وحسين عبدالرازق الذي بدأ حياته الصحفية في الأخبار عام 1961 محرراً للشئون الأفريقية، وكان أحد ثلاثة صحفيين متخصصين في الشئون الأفريقية بالصحافة المصرية "محمد حقي - رضا خليفة"، انتقل بعدها إلى جريدة الجمهورية في يناير 1963، ثم رأس تحرير جريدة "الأهالي" الأسبوعية مرتين، الأولى مع عودة الأهالي للصدور في مايو/آيار عام 1982، والثانية عقب المؤتمر العام الثاني وإعادة انتخاب الأمانة المركزية في يونيو/حزيران عام 1995، وحتى عدد 26 مايو/آيار عام 1998، كما تولى رئاسة تحرير مجلة" اليسار" وهي مجلة شهرية، صدرت عام 1990، واستمرت في الصدور حتى سبتمبر/أيلول عام2001، ومحمود المراغي الذي تخصص في القسم الاقتصادي بمؤسسة روز اليوسف القومية، وتولى منصب رئيس تحرير جريدة الأهالي في 1 يونيو/حزيران عام 1989، حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، وفيليب جلاب الصحفي بمؤسسة روز اليوسف، والمتخصص في الشئون الدولية، والذي تولي منصب رئيس تحرير جريدة الأهالي وذلك خلال الفترة من 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1990، حتي عدد 6 مايو/آيار عام 1992، وعبدالعال الباقوري تولى الصحفي بجريدة الجمهورية الذي رأس تحرير جريدة الأهالي منذ 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1993، ود. محمد السيد سعيد الذي التحق بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في بداية حياته العملية، وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة "البديل" منذ صدورها في 2007، إلى أن استقال منه في أكتوبر/تشرين الأول 2008، وعشرات الصحفيين من أبناء المؤسسات الصحفية القومية الذين ساهموا بكتاباتهم بأسماء مستعارة في صحيفة "الأهالي" في أعدادها الأولي.

أما من حيث القضايا، توصل الضمراني في دراسته إلى بعض النتائج أبرزها أن صحف تيار اليسار المصري عينة الدراسة اهتمت بالقضايا المجتمعية الخاضعة للتحليل من منطلق اهتماماتها الحزبية والإيديولوجية، لكن هذا الاهتمام تباين من قضية لأخرى بين صحف حزب التجمع والعمل ومنظمة الاشتراكيين الثوريين ومؤسسة التقدم للصحافة، حيث قضايا الديمقراطية والحريات والانتخابات النيابية على الاهتمام الأكبر من مواد الرأي بصحف الدراسة خلال فترة الدراسة منذ عام 1978 وحتى عام 2011، وهي القضايا التي شهدت تراجعاً في الخطاب الصحفي لصحف تيار اليسار الحزبي خلال فترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك ما عدا قضية المشاركة النيابية التي ظلت في صدارة اهتماماتها وهو ما يرتبط بالتمثيل الحزبي في مجلس الشعب لاعضاء حزبي التجمع والعمل، تلاها قضايا العمال والفلاحين فيما يتعلق بالقضايا الاقتيصادية، ثم القضية الفلسطينية فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، وقضية العلاقات المصرية الأميركية فيما يتعلق بالقضايا الدولية.
وأضاف أنه في الوقت نفسه لم يمنع ذلك من كون صحف تيار اليسار المصري ساهمت في ربط أبناء مدن ومحافظات مصر بالأحداث القومية في مصر، والتي شغلت عموم المصريين وكانت مثار اهتمام الصحف المصرية عموما؛ حيث ناقشت تلك الصحف الكثير من القضايا العامة، فقد تعاملت هذه الصحف على أساس الندية والمنافسة مع الصحف القومية، كما أرادت أن تحقق انتشارا وذيوعاً وتوزيعا واسعا بين الجمهور المصري. والواقع أن هذه الصحف قد أظهرت وعياً واضحاً في تناولها ومناقشتها لتلك القضايا، السياسية والاقتصادية والإقليمية والمجتمعية. وقد اعتمدت تلك الصحف ـ في معالجتها للقضايا المجتمعية ـ على مواد الرأي كفن المقال الصحفي بشكل كبير من اعتمادها على فنون التحرير الصحفي مثل الخبر والتحقيق والحوار والكاريكاتير.