الطارمية وسيناريوهات التطهير الطائفي

شيوخ عشائر مصطنعون يبيعون ويشترون بمصائر العراقيين.
كفى استهتارا بمقدرات العراق أيها المحتلون المأجورون
الطارمية لن تكون الأخيرة في مسلسل التهجير الطائفي والنزوح القسري لمئات الآلاف من مواطنيها
الطامة الكبرى أن من يدعون أنهم قادة المكون السني غارقون في وحل البحث عن المغانم والمناصب

ليست جرف الصخر هي الأخيرة التي شهدت تغييرا ديمغرافيا وتهجيرا قسريا لأهاليها، وهم بعشرات الألوف، منذ سنوات طوال، في أحوال تبكي عليهم الكلاب قبل البشر.

ولا الطارمية ستكون الأخيرة في مسلسل التهجير الطائفي والنزوح القسري لمئات الآلاف من مواطنيها، وهي بلدة كبيرة وقضاء مزدحم بالسكان الآمنين منذ عشرات السنين، وتمتد من التاجي الى سامراء ومن ديالى الى الأنبار.

ربما كانت زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خففت بعض الشيء من وقع المأساة، وإلا كان للعساكر المختلفة المسميات، التي داهمت منطقتهم، إرتكاب مجازر بحق أهل الطارمية، وإعتقال العشرات منهم، بالرغم من أنهم لا ذنب لهم في كل ما يجري سوى أنهم مواطنون عراقيون أصلاء، وهم في غالبيتهم مزارعون عزل، يبحثون عن تأمين عيش عوائلهم، بشق الأنفس، وبأية طريقة تحفظ لهم "بقايا" كرامتهم.

وهناك مسلسل خطير ورهيب يجري الآن تنفيذه لتحويل منطقة الطارمية والمشاهدة الى ثكنة عسكرية مغلقة بقوات مهولة، من حشد وفصائل وجيش وشرطة وقوات خاصة وأمن وطني وحشد عشائري، تكفي لاحتلال دولة أخرى، وليس الطارمية وحدها.

وهناك مخطط لإقامة مجمعات سكنية للعساكر في الطارمية، ولمن يتخرج من معاهدها العسكرية التي خصصت لطائفة معينة، وليذهب الاخرون الى الجحيم.

وسامراء لم تكن هي الأخرى بعيدة عن سيناريو التهجير، بل سبقت جرف الصخر بسنوات، وأهاليها لا يعرفون الآن مصيرهم، سوى أنهم في خبر كان.

والرمادي وبقية مدن الأنبار دخلت مرحلة التفكير منذ سنوات في ترحيل أهلها، لتكون ممرا آمنا بين إيران وسوريا، وسيناريوهات تهجيرها بعد داعش، مستمرة، لكن يجري الآن طبخها على نار هادئة، حتى تكمل السبحة.

وصلاح الدين وديالى ونينوى وكركوك دخلت سيناريوهات التغيير الديموغرافي والبدء بترحيل أهاليها موضع التطبيق، وهي تأخذ مسارات وعمليات عسكرية وإحتلال وإختراق طائفي ومذهبي ممنهج، تسير على قدم وساق.

الطامة الكبرى أن من يدعون أنهم قادة المكون السني غارقون في وحل البحث عن المغانم والمناصب والفوز بالإنتخابات، وبعضهم غارق في العمالة للآخر من أذنيه الى أخمص قدميه، وقد تناسوا مخاطر سيناريوهات تحاك لمحافظاتهم ومناطقهم، وتراهم منغمسون بمعارك داحس والغبراء وحرب البسوس، فيما بينهم، كل يريد أن يصفي الآخر ويشرب من دم أخيه، ليكون نخبا له في كؤوسه المترعة بالدم، فقط لأنه ينازعه على منصب أو نائب في البرلمان، هو هدية له أصلا ممن يدين لهم بالولاء والتبعية، بالرغم من أن بعضهم يخفي عمالته وإنحطاط قيمه، لكن مئات الآلاف من أبناء هذا المكون يدركون في قرارة أنفسهم، كيف إرتمى هؤلاء في حضن العمالة وباعوا مكونهم ومستقبل محافظاتهم في المزاد العلني بثمن بخس، دراهم معدودة.

شيوخا نصبتهم الأقدار بين ليلة وضحاها يهرولون وراء لقطاء وصغارا في الحجوم والأوزان، ولم يحفظوا بقية كرامة لهم، أمام جمهورهم، الذي فقد أي أمل، بأن يعبّر هؤلاء التافهين عن آماله وتطلعاته، بأن يكون لمحافظاتهم وأهلهم دور يذكر، في يوم من الايام، وهم من كانوا سادة الزمان وهم من حفظوا الأوطان من كل محاولات الإرتهان واللعب بمصائر الأوطان.

ويا لتفاهة الزمان حين أصبح بأمكان من يشتري عباءة بـ 40 ألف دينار ودشداشة بـ 20 ألفا وعقالا بـ 10 آلاف و"قندرة" مع "جاروب" بـ 25 ألف دينار، أن يرتديها ليظهر أنه شيخ العشيرة، أو وجهها المنازع، وهو وتاريخه ربما لا يملك "نعالا" في زمن من الأزمان.

بل راح البعض من هؤلاء ممن كانوا يتحسرون على "السميطة" و"العصيدة " ويتحسرون على "الدهن الحر" و"دهن الزبيدي"، وبعضهم كان يلحم البيضة المكسورة ليبيعها في السوق ليعيش من ثمنها، وآخر باع غنمه وباع الآخرون حميرهم أو بقرهم، ليودعوا زمنهم الأغبر اللعين، وراحوا الآن يشترون السيارات الفارهة ويبحثون عن الزواج ممن هجرن العراق ودخلن في عالم الأضواء، ممن يرتدين التنورة فوق الركبة، وتركوا نساءهم اللواتي تحملن فقرهم وجوعهم وظلم عيشتهم في يوم، لأنهن ربما يلبسن "الجرغد" و"العباية" و"الفوطة"، ولم يكن لدى أغلب رجالاتهن قرش يصرفونه على عوائلهم، وكانت دشاديشهم ممزقة وبالية ومتسخة، وربما لم يغسل البعض رأسه وجسده يوم كان راعيا للماعز أو الغنم، منذ أسابيع، وكن يبعن ذهبهن ومعداتهن البسيطة للعطارين، ليتكفلن بعيشة عوائلهم واذا بأزواجهم يبيعونهن، وبعضهن يطلبن الطلاق حفاظا على بقية كرامتهن من الإمتهان.

في زمننا الأغبر، صار عدد بعض الشيوخ والوجهاء أكثر من أعداد العامة، ويؤمنون بمبدأ "أنصر أخاك إن كان ظالما أو مظلوما"، حتى يوضع من يناصبه الخصوم أو العداء في مواقع دائرة الإستهداف الشخصي، ليطيح به في أي وقت يراه مناسبا للإنتقام منه.

ملايين الناس في كل محافظات من يسمونهم محافظات المكون العربي أو المحافظات الغربية يصرخون بأعلى صوتهم، حتى بحت أصواتهم، بأنه يا "جماعة الخير" لقد تحولنا بسببكم الى أغنام تذبح كل يوم ويراد تدجيننا وإستباحة محافظاتنا، ومحاولة إخضاعنا رغما عنا، لمشيئة دول أقليمية وقوى محلية تريد تهجيرنا وإحتواءنا والسيطرة على مقدراتنا وتشريدنا، ونحن نرفض ونقاوم محاولاتهم، ولا أحد من هؤلاء الساسة التابعين للولاءات الأخرى يفتح فمه، ليضع حدا للتطاول على مصير الملايين من أبناء محافظاتنا.

امتلأت دول الجوار بسكان محافظات المكون السني العربي، وما زالت حملات الرحيل مستمرة كل يوم،والناس هذه الايام تبحث عن أية مكان يأويهم في كردستان أو تركيا، التي تأوي مئات الآلاف منهم ودول أخرى تنتظر تلك القوافل الجرارة، وربما يفضل بعضهم الإقامة حتى في اسرائيل على أن يبقى في بلده، لكي يأمن على حياته من التهديدات التي يتعرض لها الآلاف من مواطنينا وتدوس أحذية الفصائل والعساكر على رؤوسهم في السيطرات وحتى داخل محافظاتهم وأراضيهم، ولا أحد يقول لهؤلاء كفى إستهتارا بمقدرات شعبنا أيها المحتلون ومن نصبتكم الأقدار على أن تكونوا ولاة للآخر وعملاء مأجورين له، وليس لوطنكم محل من الإعراب في قاموس الوطنية.

وكثير من المواقف الوطنية للرجال إختفت في زمن التحلل والديمقراطية والفوضى وجمهورية الفلتان، وأصبحت مواقف بعض أشباه الرجال لا تعمل على الكهرباء الوطنية، بل على "المولدات" و"شاحنات الحاسبات والموبايل"، بعد إن إختفت "الوطنية" وأصبح من يحمل بذورها "تهمة" يستحق صاحبها الملاحقة وربما القتل والترويع إن لم يدخل في دائرة المساءلة والعدالة، وما أبعد هذا القانون المشؤوم عن أي معنى للعدالة بل ترافق مع مفهوم الظلم والفساد والطغيان والإستبداد وأكل الحرام، ولم تعد "الوطنية" شرفا يقترن بالمروءة والشهامة، حتى بيع مصير العراق ومستقبل أبنائه للأسف الشديد في سوق الدعارة.

بل ربما هناك قوادات تبن وتخلين عن تلك المهنة الحقيرة، حفاظا على بقايا كرامتهن، إلا بعض رجالنا وساستنا ممن سلطتهم الأقدار على مصائرنا في غفلة من الزمان.