العدل والإحسان في الزواج على طاولة الحوارات في مكتبة الإسكندرية

مكتبة الإسكندرية تشهد حوارها السابع ضمن سلسلة من الحلقات النقاشية بمبادرة من مديرها الأستاذ الدكتور أحمد زايد في لقاء دوري يفتح نقاشا بين عدد من الخبراء والحضور حول كل ما يتعلق بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
زايد: الخطاب الديني لن يتغير إلا بإسهامات تأتي من الضفة الأخرى من النهر.
أميمة أبو بكر: الفقه أيضا كان مرتبطا بالظروف السياسية والاقتصادية للبلاد

ضمن سلسلة "حوارات الإسكندرية" شهدت مكتبة الإسكندرية اليوم حوارها السابع بعنوان "العدل والإحسان في الزواج"  وهي السلسلة من الحلقات النقاشية دشنتها مكتبة الإسكندرية بمبادرة من الأستاذ الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وهو لقاء دوري يتم من خلاله فتح حوار مفتوح بين المنصة؛ والتي تضم عددًا من الخبراء والمتخصصين، وبين الحضور لمناقشة كل ما يتعلق بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ دار الحوار حول الأخلاق والقوانين المتعلقة بالزواج من منظور القرآن والسنة والتراث القانوني الإسلامي والممارسات التاريخية، والقانون المعاصر، وكيفية دعم العلاقات الزوجية القائمة على المساواة من داخل التراث الإسلامي.

وفي كلمته الافتتاحية قال الأستاذ الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية: إنه يعتز بالإسهام الفكري الذي يقدمه كتاب "العدل والإحسان في الزواج"، مؤكدًا أن لديه قناعة أن الخطاب الديني لن يتغير إلا بإسهامات تأتي من الضفة الأخرى من النهر؛ أي من الاتجاهات الليبرالية والإنسانوية، مشيرا إلى أن هذه الإسهامات تقدم رؤية مختلفة تنطلق من معطيات وفرضيات مرتبطة بالنظريات الاجتماعية والقدرة على التأويل وقراءة النصوص بأشكال مختلفة ومستحدثة، لتقدم نظرة مختلفة ترفع فكرة الوصاية التي تُضمر في الخطاب الديني وتضع مكانها أفكارًا حول المساواة والتعددية والثقة وتعريفات مختلفة للعلاقة بين المرأة والرجل، وبالتالي ينتج خطاب مختلف ربما يكون اتجاه جديد هو الذي يسود ويستمر.

أدارت الحوار الدكتورة مروة شرف الدين؛ زميلة زائرة في كلية الحقوق بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأميركية، لافتة إلى أن الحوار يدور حول كتاب "العدل والإحسان في الزواج" والذي يأتي في سياق التحديات التي تواجهها الأسر في السياقات المسلمة حاليًا، ويطرح عدة تساؤلات بخصوص منظومة الزواج الحالية في مجتمعاتنا المسلمة وقوانيننا العربية، وفي رد على سؤال من جمهور الحضور عن التعدد في القوانين ومدى استنادها إلى الشريعة الإسلامية، أشارت د. مروة إلى أن التعدد في مصر مسموح به دون وضع أي شروط أو قيود عليه وهو قانون موضوع منذ عام 1920، أما في المغرب فالقانون يتطلب بناء عليه من الرجل أن يذهب للقاضي للتأكد من وجود سبب استثنائي له ليعدد، كما عليه أن يتأكد أيضا من مدى قدرته المادية والصحية لذلك، أما في تونس، فقد لغوا التعدد بناء على الآية الكريمة "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" (سورة النساء: الآية 129).

وتحدثت الدكتورة ملكي الشرماني؛ أستاذة مشاركة للدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة هلسينكي الفنلندية، عبر الانترنت، عن خلفية الكتاب، لافتة إلى أنه يعد نتاجًا لمشروع بحثي بدأ عام 2018 سعى للإجابة على تساؤل هو: "هل هناك أطر أخلاقية وقانونية في المصادر الإسلامية والتراث تستطيع أن تؤسس وترسخ منظومة زواج قائمة على العدل والمساواة والتشارك والرعاية المتبادلة؟

ولفتت إلى أن المشروع ضم مجموعة كبيرة من الأكاديميات والباحثات في إطار مشروع "مساواة"، وهو حركة فكرية تسعى لتعزيز مبادئ العدل والمساواة في الأسر المسلمة، ونشر الوعي والمساهمة في تجديد الخطاب الديني من منظور إسلامي.

وأكدت أن الهدف من المشروع هو دراسة بطريقة علمية طروح بديلة من داخل التراث الإسلامي لتقديم أطر تكون دعامة لمنظومة زواج مختلفة قائمة على التشارك والمساواة والعدل والإحسان. وأضافت أن الكتاب قدم دراسات في عدة محاور؛ هي: القرآن، والسنة، وأصول الفقه والأخلاق الإسلامية، ومسارات الإصلاح في قوانين الأسرة المسلمة في العديد من الدول المسلمة.

وقالت إن الكتاب يقدم فصلًا ختاميًا يقدم تصور جديد للزواج من المنظور الصوفي، وأن الكتاب يستنتج أن هناك بالفعل منظومة زواج قائمة على الإحسان والعدل من داخل التراث الإسلامي وأفكار وحجج يمكن أن ينتج عنها رؤية بديلة للزواج السائد الآن. 

من جانبها، تحدثت الدكتورة أميرة أبوطالب؛ دكتوراه من كلية العلوم الدينية بجامعة هلسينكي الفنلندية، عن الأخلاقيات في القرآن مثل المودة والرحمة والصبر والإحسان، لافتة إلى أنها سعت لدراسة مفهوم الإحسان في القرآن بشكل شمولي لأنه مذكور في القرآن بشكل متكرر جدًا، مؤكدة أنه رسالة قرآنية تشجع على الخير والجمال والسعي نحو الاتقان.

كما أشارت إلى أنه من خلال بحثها وجدت أن مادة (ح س ن) ذكرت في القرآن الكريم 194 مرة، وأن هذا الجذر قُرأ في سياق الآيات قبله وبعده وفي سياق السورة كلها، مؤكدة أن الجذر في القرآن الكريم له مفردات كثيرة وكلها لها معان جميلة وفريدة وكلها فيها خير وإتقان وجمال بشقيه المعنوي والمادي، وهو الهدف من الرسالة الربانية.

والحسن والإحسان جاء في وصف الطبيعة الربانية والخلق، فجاءت آيات "فتبارك الله أحسن الخالقين" (سورة المؤمنون: الآية 14)، "الذي أحسن كل شيء خلقه" (سورة السجدة: الآية 7)، "الذي نزل أحسن الحديث" (سورة الزمر: الآية 23)، "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (سورة النحل: الآية 90)،  "وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض" (سورة القصص: الآية 77).

مضيفة أن الإحسان لابد أن يكون له أساس من العدل فلا إحسان لمتعدي، كما أن الإحسان ذكر في العلاقات الأسرية، بل إن الإحسان يظهر عند شدة الخلاف مثل الطلاق "الطلاق مرتين فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"(سورة البقرة: الآية 229)، كما أن القرآن لم يطلب من الآباء أن يحسنوا إلى أبنائهم لأنها فطرة بل طلب من الأبناء أن يحسنوا إلى آبائهم عند الكبر، كما أوصى بالإحسان إلى اليتامى وذوي القربى والمساكين ومع من بينك وبينه عداوة، كما أن الله عز وجل يجازي على إحسان العبد بإحسانه "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"(سورة الرحمن: الآية 60).

وفي كلمتها، قالت الدكتورة أميمة أبو بكر؛ أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن بجامعة القاهرة، وعضوة مؤسِّسة ورئيسة مجلس أمناء "مؤسسَة المرأة والذاكرة"، إلى أنها سعت من خلال دراستها التي قدمتها في الكتاب أن تنظر إلى البنية الأخلاقية للأحكام في القرآن وكيف يتم ترسيخها وتفعيلها في القرآن ككل، من خلال مقاربة شمولية وتحليل لوضع تصور محدد للبنية الأخلاقية التي تؤسس للزواج كمؤسسة وعلاقة تكافؤ وليس كعلاقة فوقية أو سلطوية.

ولفتت إلى أن منهجية الدراسة قامت على عدد من المحاور؛ ومنها: النظر إلى الخلفية التاريخية للآيات وأسباب النزول، والمقصد الأخلاقي وراء الآيات المراد تحقيقه، والقيم والمبادئ المذكورة في سياق الزواج والطلاق، والأخذ في الاعتبار الخطاب القرآني الشامل لمنظومة العلاقات الإنسانية.

وأشارت أن الفقه أيضا كان مرتبطا بالظروف السياسية والاقتصادية للبلاد، ففي العهد المملوكي ظهر ما يسمى ب"نقدية الزواج" أي أن الزوجة تطلب حقها في الكسوة والغذاء وما شابه نقدا، حتى أنه تراكم على بعض الأزواج تلك النقدية حتى أصبحت دينا عليه سداده، وحدث أن ذهبت بعضهن للقضاء للمطالبة بدفع الدين، حتى أن بعض الأزواج تعرضوا للسجن.

وفيما يخص الصداق، فإن فقهاء المالكية أصروا أن يكون صدقات النساء قسطا، لأن ذلك كان سائدا في مصر قبل الإسلام، كما أنه يتماشى مع طبيعة المجتمع المصري والذي كان قائما على الزراعة والآجل، وبذلك خالف فقهاء المالكية في مصر فقهائها في المدينة الذين كانوا يرون ضرورة دفعها دفعة واحدة، ثم أقرت المالكية ضرورة تحديد موعدا لدفع تلك الصدقات.

وفي كلمتها، قالت الدكتورة ياسمين أمين؛ القائمة بأعمال المعهد الألماني للأبحاث الشرقية بالقاهرة، إلى أنها سعت للتعرف على أسباب وجود اختلاف بين الصورة القرآنية والصورة الفقهية للزواج، وذلك بالنظر إلى الأحاديث والسيرة النبوية، والبحث في كيفية الوصول لتقارب بين الصورتين. ولفتت إلى أن الأحاديث النبوية تمثل مصدرًا بالغ الأهمية حيث تعد مرآة للوقت الذي وضعت فيه، وأضافت أنه تم تقسيم الأحاديث لتتناول أحوال الزواج، والمهر والنفقة، وكيفية تعامل الزوجين مع بعضهم البعض والعلاقة بينهم.

وأكدت أنها اعتمدت في منهجيتها على أن تسأل أسئلة جديدة مثل: ما هي آثار أقوال النبي صلى الله عليه وسلم على يومنا هذا؟ وهل السابقة التي يحدثنا عنها ملزمة أم لا؟ وهل يمكن تعميمها أم هي حالة خاصة به في موقف معين؟ وهل خاصة بزمنه أم ممتدة لزمننا؟ وهل هي توجيه أو نهي أم مجرد وصف؟

وبناء عليه قسمت الأحاديث إلى 4 مجموعات هي:

أصول الزواج: ومنها أسس اختيار الشريك.

المهر والنفقة.

كيفية تعامل الزوجين مع بعضهم: (الرعاية- الملاحظة- حل المشكلات- الثقة- تحمل بعضهم البعض)

العلاقة الحميمة.

ومن خلال الجمع بين هذه المجموعات الأربعة وبين القرآن يمكن تحديد ما هو صحيح وما الذي يمكن تتبعه، ولذلك فهي لم يكن ضمن منهجها قبول أو رفض حديث وفقا لدرجته.

من جانبها، تحدثت الدكتورة هدى السعدي؛ عضوة هيئة التدريس المنتدبة في قسم الحضارة العربية والإسلامية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة- مصر، وعضوة مؤسِّسة في "مؤسسة المرأة والذاكرة"، عن دراستها لأعراف الزواج في مصر في العصور ما قبل الحديثة، لافتة إلى وجود مصادر تاريخية ثرية كشفت عن وجود تراث قانوني إسلامي ثري، وأن الفقه لم يكن المصدر الوحيد للأحكام، فكان هناك أحكام السلاطين والمحاكم.

وقالت إن الفقيه لم يعش بمنأى عن المجتمع، بل كان لديه منهجيات للوصول لحلول للمشكلات من خلال وضعها في سياقها المجتمعي، كما أن الظروف السياسية والاقتصادية كان لها دورًا في تشكيل الفقه.

وعن منهجيتها في البحث، أشارت السعدي إلى أنها بحثت في المصادر التاريخية وربطتها بباقي المصادر، وأن الفقه لم يكن كله متشددا، لذلك فقد نظرت في كتب التاريخ في الفترة التي عاش فيها الفقيه، فوجدت أن الفقه في عهد المغول ساد فيه الخوف على النساء من الاعتداء عليهم لما شاع في تلك الفترة عن المغول من فظائع، لذلك يظهر في فقه تلك الفترة التوصية بأنه على المرأة ألا تغادر بيتها.

وفي فقه بن حجر العسقلاني نجده يقول في فقهه أن المرأة عبدة لزوجها، ولكنه في التاريخ حين كتب كمؤرخ وصف من علموه التاريخ بأنهن "الرئيسات"، وحين وصف زوجته  قال أنه عبدا لها.

كما أن الفقه في الدول يختلف باختلاف حسب نظام الدولة وما يناسب المجتمع، فنجد أن قانون الخلع في مصر لا يشترط موافقة الزوج، بينما في الأردن يشترط موافقته.