العراقيون لا يخشون "الانقلاب"!

اسأل العراقيين عن الانقلاب وسيردون إما مرحبين أو ضاحكين.

بالرغم من أن تأريخ العراق زاخر بالإنقلابات، وتعدد أنظمة الحكم منذ العشرينات من القرن الماضي وحتى الى ما قبل أعوام 2003 انقلابية، إلا أنهم في قرارة أنفسهم يتمنونها الآن، أكثر من أي وقت مضى.

العراقيون يدركون أنهم حتى وهم بدون حكومة الان، فهي أفضل من وجود حكومة، كون وجود حكومة على شاكلة ما هو موجود الان يزيد من معاناتهم ويوصلهم الى الحد الذي يكفرون بأية حكومة تأتي.

ربما كان عام 2003 وقبل أن يتسلم الدكتور أياد علاوي زمام أول حكومة، كان العراقيون يعيشون بأمن وامان واستقرار لا مثيل له، بالرغم من عدم وجود لأي معالم حكومة ولثلاث سنوات، وكانوا في ذلك الوقت على أحسن ما يرام.

الاميركيون من جانبهم لا يؤمنون بنظرية الانقلابات هذه الايام، وبخاصة في عهد تفشي وباء كورونا، الذي أحال أيام أميركا الى ليال مرعبة، وهي تفكر بأحوال بلدها، والعراق لن يأتي بعد الان ضمن تفكيرها ولم يعد له قيمة، حتى تهتم به اميركا او تورط نفسها أو تحشر أنفها في واقع عراقي مرير، تأكد لها بالملموس أن كل الحكومات العراقية منذ عام 2003 وحتى الان، لم تقدم لشعبها الا النكبات والمحن والشدائد، وهي تلطم أقدارها لأن أحوال بلدها وصلت الى تلك الحال التي يبكي عليها الحجر قبل البشر، وهم، أي ألاميركيون، يتحملون جزء من تلك المأساة عندما أوصلوا الشعب العراقي الذي هذا المصير الذي لا يحسد عليه.

وقضية "الانقلاب" وما يتم ترديد إسطوانته المشروخة بكثرة هذه الايام، أصبحت مملة ومقرفة الى الحد الذي ليس بمقدور طفل رضيع أن يصدقها.

الغريب أن من يخشون الانقلاب هم أؤلئك الهائمون والمغرمون بها ومن يحوكون أو يوغلون في نسج المؤامرات، فيما بينهم، وعلى أقرب المقربين منهم، حتى وصل الأمر الى انهم من يعدون حلقات الانقلاب وهم انفسهم من يصدقون أن هناك مؤامرة أو إنقلاب، وكأن العراقيين مغفلون وهم ما يزالون في سكرة المؤامرة، بالرغم من أن العراقيين في قرارة أنفسهم يتمنون لو يحدث انقلاب فعلا في هذا البلد، عله يزيح تلك الوجوه الكالحة التي جثمت على أرض العراق وإستباحت شعبه وجرعته طيلة أكثر من 16 عاما كؤوس الحنظل.

لكن العراقيين يدركون أن العالم المنشغل بأزماته وكوارثه الحالية وبخاصة وباء كورونا، وما حصد من عشرات الألوف من أبناء البشرية لم يعد يعير للعراق إهتماما، ولم يعد لنفطه من قيمة، بعد ان وصل سعره الى أقل من سعر 15 دولارا للبرميل الواحد، وربما يصل الى أقل من ذلك بكثير، وقد لا يزيد على سعر برميل النفط على كيلو طماطة في ايام وأشهر مقبلة.

والعراق الان يعيش بلا حكومة أصلا، وعادل عبدالمهدي ما يزال يعيش مخاض "الغيبة الطوعية" وهو أقرب الى عصور الكهوف والقرون الوسطى، من أن يكون رجل سلطة، وهو لا يعدو كونه أقرب الى "خيال خضرة" من أن يكون مسؤولا، ومع هذا تمشي أمور البلد بشكلها المعتاد، وهو لا يحتاج حتى الى برلمان كونه أصبح عالة على الشعب العراقي، وانتقل به من حالة ان يكون عونا للشعب العراقي، الى عالة عليه، أما رئيس الجمهورية فقد أدخله ساسة البلد دائرة الخيانة والاتهام والرجل يدرك أنه "لا يحل ولا يربط"!

أما معزوفة الانقلاب فقد أصبحت إسطوانة مشروخة، الى الحد الذي مل العراقيون من سماع فبركاتها وتلفيقاتها، وهم، أي العراقيون، يتوجهون الان بالدعاء الى الباري عز وجل والأئمة الكرام أن يخلصهم من فاجعة كورونا أولا، ورموز السلطة الحالية لاحقا، وما أن تمضي وتزول المحنة، حتى يكون لهم معهم حساب حسير، مع من أوصلوهم الى تلك المنازل الرذيلة والوضيعة، ولن يكون بمقدور أي كان أن يتلاعب بمقدراتهم، وهم قادرون على أن يمسكوا بزمام أمرهم.. عندها يكون لكل حادث حديث.