العراق وقد سقط بين كماشتي الهويات الهاربة

الفساد هوية سياسية في العراق.
العبادي ومعصوم والجعفري كانوا مواطنين بريطانيين، فهل هي حكومة انتداب!
هيئة النزاهة حولت إلى القضاء ملفات فساد لخمسين وزيرا خلال السنتين الماضيتين

ليس من شأن التعامل مع مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي باعتباره مواطنا أميركيا أن يغير من طريقة النظر إليه. أغلب المشاركين في الحكم هناك هم من حملة جنسيات أخرى.

كان هناك رئيس وزراء بريطاني ثم تبعه فرنسي وكان هناك وزراء سويديون واستراليون وإيرانيون غير أن الغالبية كانوا بريطانيين. ولم يجد رؤساء وزراء بريطانيا حرجا في استقبال رئيس وزراء دولة أخرى هو من رعايا دولتهم.

على سبيل المثال كان رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير خارجيته ابراهيم الجعفري مواطنين بريطانيين فيما كان رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم هو الآخر مواطن بريطاني. هل هي حكومة انتداب؟

ليست هناك مشكلة غير أن الدستور العراقي لا يسمح لمَن يُكلف بمنصب سيادي أن يستمر في التمتع بإزدواجية الجنسية. تلك مادة دستورية معلقة لا يعود إليها أحد بسبب توافقات الكتل السياسية.

وهو ما يكشف عن تعارض ما هو سياسي بما هو دستوري والتزام أطراف الحكم بالأول دفعا لما يمكن أن يسببه الثاني من خلافات سيكون الدخول فيها مناسبة لإزاحة الغطاء عن حقيقة أن المعارضين السابقين الذين صاروا حكاما كلهم لا يزالون يحملون جنسية أخرى غير الجنسية العراقية بل أن أحدا منهم لم ينقل عائلته معه إلى العراق حيث يعمل.

لا يزال المسؤول العراقي بغض النظر عن المهمة التي يقوم بها يقضي إجازاته بين أفراد عائلته في ربوع وطنه البديل، بل كما تقول الشائعات المرفقة بالصور التي قد تكون حقيقية إن عددا كبيرا من سياسيي العراق قد اشتروا عقارات كبيرة في أوطانهم البديلة.

هناك الكثير من الفقرات القانونية معطلة في العراق إذا ما تعلق الأمر بالنزاهة. فقد يكون صادما أن تصرح هيئة النزاهة أنها حولت إلى القضاء خلال السنتين الماضيتين ملفات فساد لخمسين وزيرا. ذلك رقم أكبر من المتوقع. والصادم في الأمر أن أغلب أولئك الوزراء قد غادروا العراق قبل صدور أوامر القاء القبض عليهم. عادوا إلى أوطانهم البديلة فأغلقت ملفات فسادهم لأسباب سياسية. وهنا يمكن القول إن الأحزاب تنتصر على القضاء.

من الصعب اليوم أن نميز السياسي النزيه وسط مشهد سياسي صار الفساد مظهره وجوهره. وإذا كانت الأحزاب المشاركة في الحكم قد اتفقت على القفز على الدستور في ما يتعلق بالنزاهة واستعمال الجنسية الأخرى مظلة للهروب فليس ذلك إلا استعدادا لحرب متوقعة قد تشنها الولايات المتحدة ضد الفساد في العراق بعد أن يستعين مصطفى الكاظمي بخبرائها وفرقها الاقتصادية. ذلك ما يمكن أن تتضمنه جلسات الحوار حين زيارة الكاظمي لواشنطن.

باعتباره مواطنا أميركيا يعرف الكاظمي أن آفة الفساد التي يواجهها هي مشكلة يسيرة وعسيرة في الوقت نفسه. فهي يسيرة إذا رافقها نوع من غض الطرف وهي عسيرة إذا ما خضعت لنوع من الملاحقة القانونية غير المجدية.

لقد سقط العراق بين كماشتي الهويات الهاربة.

في حواره مع الأميركان لن يبحث الكاظمي عن سبل نجاته في مواجهة الفساد بل سيفتش عن طريقة ينهي من خلالها مهمته العسيرة. هناك فساد يخشى العقاب. ذلك ما سيبحث عن حل له. سيكون الحل أميركيا. لا بأس بذلك. لا أعتقد أن هناك مَن يعترض على أن ينجو في هذا الوقت العصيب.

فإذا كانت نجاة العراق من الفساد مضمونة إذا ما نجا الفاسدون سيفضل الكاظمي هذا الحل بدلا من الدخول في صراع قد لا يخرج منه سالما. فالفساد العراقي صار جزءا من هوية سياسية مزدوجة قد تخبئ الكثير من المفاجآت.