العراق ومخاطر وتبعات رفع الحصانة ومظاهر التشهير

ينبغي أن لا تكون الخصومة السياسية فرصة سانحة للانتقام من الآخر.

يعد مجلس النواب، من أكثر الرئاسات الثلاث، التي ينبغي أن تكون أكثر حرصا في الحفاظ على سمعتها، بإعتبارها راعية المؤسسة الديمقراطية والرقابية والتشريعية في العراق، وينظر اليها ملايين العراقيين على أنها من أكثر المؤسسات العريقة حفاظا على سمعة نوابها، وأن أية شائبة أو طعن تلاحق أعضاء مجلس النواب هي مساس بسمعة المجلس، وتنال من هيبته أمام الرأي العام ووسائل الإعلام، وأمام سمعة جمهور النواب أجمعهم، وبخاصة لمن يصيبه الضرر جراء تشويه السمعة الذي قد يلحق به، بطريقة إستثنائية ومثيرة للإستغراب!

ويفترض أن يحرص كل رؤساء الدوائر والمؤسسات الاعتيادية وكذلك مؤسسات المناصب السيادية للرئاسات الثلاث، على سمعة مؤسساتهم، كما هو متعارف عليه، وأن يكون رئيس تلك الدائرة أو المؤسسة هو أكثر من يحافظ على سمعة منتسبيه، لا أن يحط من أقدارهم أو يعرض سمعتهم الى مخاطر التشهير أمام الرأي العام وأمام وسائل الإعلام التي من مهامها أن تتصيد أية معلومة لاغراض النشر كسبق صحفي، من وجهة نظرها، دون النظر الى ما يتركه هذا الخبر او تلك المعلومة من تأثيرات خطيرة على مستقبل شخصية كان لها وزنها ومكانتها الاعتبارية، باعتبارها الممثلة للشعب كما يفترض. كما ان الإساءة لرئيس مجلس النواب ليست مقبولة من أي نائب، وان من لديه مطالب مشروعة او يريد تغيير من يتولى رئاسة المجلس، فهناك أطر برلمانية وديمقراطية وقانونية يلجأ اليها، أما ممارسة التشهير والقذف فهي ليست مقبولة لا قانونا ولا عرفا ولا من حيث المبدأ، في كل الأحوال، لا من النائب ولا من رئيس البرلمان، ويجرم صاحبها حسب القانون.

ومن هذا المنطلق يفترض كذلك برئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي، وهو من أعلى قادة هرم السلطات العليا في البلد، والتي يفترض انها تكون المثال الأكثر تطبيقا في الحفاظ على سمعة نوابها، كونهم ممثلين للشعب، وأية إساءة لسمعتهم تخدش بالمقابل مؤسسة مجلس النواب ورئيسها في المقام الأول، والتشهير بنائب هو تشهير بسمعة مجلس النواب واعضائه، وحتى رئيسه، ومن يتم التشهير به أمام الرأي العام وفي الاعلام، لابد وان ينعكس عليه التشهير بأضرار بليغة وتأثيرات سلبية على مؤسسة مجلس النواب نفسها، ويضع سمعتها موضع التشكيك وربما عدم الإحترام، وهو ما لا يليق بمؤسسة تشريعية ورقابية تمثل العراقيين، وهو أعلى مؤسسات الديمقراطية هيبة ووقارا، ويفترض أن تظهر امام الراي العام وأمام شعبها أنها الأكثر حرصا على النزاهة والعفة، وان تترفع عما يكدر صفوها وسمعتها، من أن تتعرض للتشويه، وإن لا يتخذ من أية شكاوى ضد نواب بمثابة إثارات التشهير وليس بهدف تطبيق العدالة، وأن لا تنشر وقائع وطلب المحاكم بشأن النواب أمام الإعلام، إذا أريد الحرص على سمعة تلك المؤسسة الديمقراطية التي تعد من أكثر المؤسسات حفاظا على هيبتها أمام الشعب وأمام وسائل الاعلام، وان يتم مقاضاة من أظهرها امام الاعلام، لكونها دخلت في مرحلة التشهير والإساءة للسمعة الشخصية والاعتبارية لأعضاء في مجلس النواب، بالصيغة التي جرى بها عرض الكتب الرسمية ومنطوق التهم أمام الإعلام، حتى أصبحت حديث الناس في البيوت والمقاهي وأماكن العمل.

ولو دققنا في طبيعة ما نشر من أوامر ادارية صادرة عن رئيس مجلس النواب بشأن رفع الحصانة عن نواب هذه الايام، لظهر أن هناك انتقائية واضحة واستهداف سياسي في طبيعة مضامين تلك الأوامر والكتب الرسمية، وبخاصة التي صدرت في صيغة تخصيص فردي وليس جماعيا التي صدرت بحق أحد النواب، توضح بلا لبس وجود قصدية في الإساءة لسمعة هذا النائب والتشهير به أمام الرأي العام ووسائل الاعلام التي راح كل منها يتناول موضوع التشهير من زاويته وما يخدم أغراضه، وبعضها يدخل في إطار البحث عن السبق الصحفي أو الاثارة للفت الانظار، دون النظر الى ما تتركه عرض كتب رسمية سرية لتظهر الى دائرة العلن، وفي أغلب مضامينها تشهير واضح بالنائب، قبل أن يقدم الى المحاكم ومعرفة ما اذا كان هذا النائب او ذاك استغل موقعه الوظيفي، ضد شخص او جهة حكومية او قطاع خاص أو ما شاكل ذلك من الجهات المستهدفة، ويعد نشر كتب صادرة عن مجلس النواب وعن المحاكم واضافة تهم عليها دون ان تكون في طلب القضاء يعد تشهيرا واضح الأهداف وفيه قصدية وتعمد في الإساءة والاستهداف الشخصي، وبخاصة إذا كان للنائب خصومة مع رئيس مجلس النواب، أو خلاف شخصي بينهما. ثم أليس من حق من تتعرض سمعته من النواب الى التشويه أمام الرأي العام وأمام جمهوره وأمام ووسائل الاعلام ان يتقدم الى المحاكم المختصة للمطالبة بتعويضه عما لحق بسمعته من مخاطر، وأذى نفسي وجسدي، يلحق أكبر الأضرار بالنائب، ويستهدف تاريخه ومكانته وحتى عشيرته، وبخاصة اذا ما أظهر براءته في وقت لاحق، ما يعني أن حالة الانتقام في الإستهداف لا تليق برئيس مجلس النواب، وهو أعلى مؤسسة لاحترام القانون وصون كرامة البشر، لا أن تعرض نوابها لمصير ان تحط من أقدارهم، بهذه الطريقة التي لا تخلو من تعمد وقصدية في الإساءة للآخر!

ومن دواعي الإستهداف للقائمة التي ظهر فيها إثنا عشر نائبا، ظهر أنهم من مكون واحد، ما يعني أن رئيس مجلس النواب ليس بمقدوره ان يصدر قرار سحب الحصانة عن نواب من مكونات أخرى، كونه يخشى قادة تلك المكونات والكتل، ولا يجرؤ على تقديمهم الى العدالة كما يبدو، وان اقتصار الاثني عشر على المكون الذي ينتمي اليه الحلبوسي فهو أمر يدخله في دائرة الاتهام، بأنه وضع نفسه بمكان من يريد ان يقتص من المكون الآخر، والا بماذا يمكن ان نفسر قائمة موحدة ومن 12 نائبا وكلهم من مكون الحلبوسي نفسه، الذي يفترض ان يكون أول المدافعين عن سمعة مكونهم الذي يمثلونه، وهو يبدو من وجهة نظر كثيرين، وبخاصة من مكون الحلبوسي، على أنه إساءة الى هذا المكون، قبل ان تكون رغبة في تطبيق العدالة!

وما نريد أن نخلص اليه في خاتمة هذا الاستعراض أن مجلس النواب ورئاسته الموقرة ونوابه المحترمين أمام فرصة أن يظهروا حرصهم على سمعة هذه المؤسسة، وأن من يطلب القضاء رفع الحصانة عنه هي ليست تهمة وتقع ضمن السياقات الاعتيادية، وهي تطبيق للقانون والعدالة ان يقدم النائب نفسه الى القضاء من أجل تبرئته او اظهار مصداقية ما يوجه اليه من تهم، وما اذا كان سيحكم عليه أم لا ويظهر براءة. بل ان هناك من النواب هو من طلب رفع الحصانة عنه وبلا تشهير أو قذف بالآخر. فهل يعيد مجلس النواب بعد عطلته التشريعية التي تنتهي قريبا الإعتبار لتلك المؤسسة العريقة، لكي يتم عرض تلك الحالات التي يعدها البعض شاذة وهي قرارات فردية على رئاسة مجلس النواب وقادة الكتل السياسية بعد مباشرتهم دوامهم قريبا، وهي قرارات مستعجلة وفيها تحين للفرص وتقل من عدد أصابع اليد الواحدة، التي لم يجر العرف البرلماني عليها طيلة تلك الدورات السابقة لمجلس النواب، وان لا يتم استغلال العطلة التشريعية لإصدار قرارات إستثنائية ليس لها ما يبررها، كما يجدها كثير من فقهاء القانون، وحتى الكثير من نواب مجلس النواب أنفسهم، كونها قضايا ليست مستعجلة ولا إستثنائية ولا تعرض أمن البلد وسمعته للمخاطر لا سمح الله، وعليهم إزالة معالم التشويه التي لحق بشخوصها، وان لا تكون الخصومة فرصة سانحة للانتقام من الآخر، بل فرصة لإظهار ان رئيس مجلس النواب هو أكثر من يحرص على تطبيق العدالة، وهو ما نتمناه لتلك المؤسسة التي ننظر اليها بوقار واحترام.