العلاقات العربية الأميركية على مفترق طرق
صعد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع ملك الأردن عبدالله الثاني في البيت الأبيض قبل يومين التوتر بين الدول العربية والولايات المتحدة، عندما أشار ترامب خلال هذا اللقاء إلى ضرورة استقبال الأردن للغزيين. وقد بدأ ذلك التوتر نهاية الأسبوع الماضي، عندما التقى ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي دعا فيه مصر والأردن لاستقبال أكثر من 2 مليون فلسطيني، بعد خروجهم من وطنهم دون رجعة. في ظل تصاعد تلك التوترات، أجل الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي زيارة مشابهة للولايات المتحدة. وقد أكدت مصر والأردن في وقت سابق موقفهما الثابت برفض دعوات ترامب الخاصة بتهجير السكان الغزيين، وعدم وجود أية فرصة لاستقبالهم في البلدين. أشار الملك عبدالله الثاني خلال لقائه سابق الذكر بترامب بوجود موقف عربي موحد سيتم الإعلان عنه خلال الأيام القادمة. وستعقد قمة عربية نهاية الشهر الجاري لتقدم رؤية عربية واضحة لترامب، حيث تتفق الدول العربية على رفضها لمخطط التهجير لسكان غزة، واية سيطرة خارجية على القطاع سواء من قبل الاحتلال أو الولايات المتحدة. كما بدأ الكشف عن ملامح لمبادرات عربية حوّل إعادة إعمار قطاع غزة بسواعد الغزيين وأموال العرب، بعيدا عن أي تدخلات أجنبية. ويبدو أن الأيام القادمة ستكون حبلى بتطورات ومواقف صعبة.
شهدت الأيام القليلة الماضية توتراً متصاعداً للأحداث المتعلقة بالحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وسكانه. وعلى الرغم من الوصول لاتفاق وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى، دخل حيز التنفيذ قبل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسدة الحكم، والذي بدا وكأنه جاء نتيجة لضغط الرئيس الجديد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للانخراط فيه، في ظل مماطلته لأشهر عديدة لإعاقة اتمام تلك الصفقة، الا أن الأيام الماضية أثبتت أن ترامب ونتنياهو روجا وانخرطا في الصفقة لتحقيق أهداف تتعلق بإطلاق سراح المحتجزين المدنيين بشكل أساس، وعدم وجود نية لإتمامها بوقف دائم لإطلاق النار. وهناك العديد من الشواهد التي تشير إلى ذلك الاستنتاج. وقد تعد دعوات ترامب بترحيل سكان قطاع غزة، خلال المرحلة الأولى من صفقة التبادل، مؤشراً هاماً على تلك الخطة، ما جعل حركة حماس تشك في نوايا إسرائيل اتمام الصفقة ووصولها لمرحلتها الثالثة. ويرتبط ذلك مباشرة بالتصعيد الذي تبناه ترامب خلال لقائه مع نتنياهو في البيت الأبيض بدعواته مصر والأردن لاستقبال الغزيين، بعد خروجهم دون رجعة إلى وطنهم، وفق توجهات ترامب. ويتعلق المؤشر الثاني بتطورات في الساحة الاسرائيلية الداخلية، والتي توعد فيها وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموترتش بالانسحاب من الحكومة في حال تم الاعلان عن وقف اطلاق النار، ما يعني سقوط حكومة نتنياهو. إن ذلك يفسر التحليلات الاسرائيلية حول عدم نية نتنياهو الدخول في المرحلة الثانية من الصفقة، والتي من المفترض أن يتم فيها الإعلان عن وقف كامل لإطلاق النار، كما توقعت تحليلات إسرائيلية أخرى تمديد المرحلة الأولى من الإتفاق. يصب كل ذلك في ذات الهدف وللسبب نفسه. ومن بين تلك المؤشرات أيضاً، تعمد حكومة الاحتلال عدم الالتزام باستحقاقات الصفقة في مرحلتها الأولى، خصوصا عدم ادخال الكرافانات والخيام المتفق عليها، وهو ما دفع حركة حماس للإعلان يوم الاثنين الماضي عن نيتها تأخير الدفعة السادسة من تسليم المحتجزين ضمن المرحلة الأولى، حتى تفي إسرائيل بإلتزاماتها في الصفقة. كما أن عدم رضا ترامب ونتنياهو المعلن ببقاء حركة حماس في السلطة ومحافظتها على شكل من أشكال القوة في غزة، والتي تعمدت الحركة إظهارها بعد إعلان الهدنة في ادارة شؤون القطاع، وخلال عمليات تسليم المحتجزين، يعد مؤشراً اضافياً مهماً على النوايا الإسرائيلية والأميركية المبيتة لعدم إتمام الصفقة. ولا يعد تهديد ترامب يوم الاثنين الماضي للحركة الإفراج عن جميع المحتجزين، وليس فقط المحددين ضمن الدفعة السادسة، منتصف يوم السبت القادم، رداً على دعوة حركة حماس تأجيل تسليم تلك الدفعة، وهو التهديد الذي تبنته إسرائيل بعد ذلك، إلا مقدمة لمحاولات لتعطيل الصفقة ستأتي تباعا، إذا تم تجاوز الأزمة الحالية.
يواجه العرب اليوم وضعاً معقداً، فقد اكتفت الدول العربية بالتنديد والشجب لحرب إبادة دموية شنتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة، الحليفة لمعظم تلك الدول العربية، عانى خلالها أكثر من 2 مليون فلسطيني معاناة لم يشهد التاريخ الحديث مثلها من قبل. ذلك الموقف العربي أمام كارثة غزة المتواصلة ولد مزيداً من التمادي الإسرائيلي الأميركي، والذي وصل اليوم حد وضع إملاءات على بلدين عربيين تربطهما إتفاقيات سلام مع إسرائيل. إن الموقف العربي الرافض لمخططات ترامب ونتنياهو والتي تقودها كل من مصر والمملكة العربية السعودية والأردن هي الرد الأمثل للغطرسة الأميركية الإسرائيلية ويمكن أن تشكل مقدمة جادة لموقف عربي قوي وموحد، يضع حد للعربدة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة. إن العرب يمتلكون العديد من أوراق القوة والتي يمكن استخدامها للحفاظ على حقوق ومصالح العرب والفلسطينيين. ومن أهم تلك الأوراق والتي يمكن أن تستخدم إعادة النظر في اتفاقيات السلام مع الاحتلال بكل تبعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وكذلك في أية علاقات مستقبلية لا تستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.