العلوي والشابندر.. الشيعة لا يؤمنون بمنطق الدولة

الدولة التي يحلم بها شيعة العراق هي "دولة المهدي المنتظر" وهم لا يؤمنون بأية دولة حتى لو كان الحاكم شيعيا.

شخصيتان شيعيتان مهمتان، ملمتان بمعرفة أسرار ومفاتيح قيادات الشيعة في العراق وتوجهاتهم، وكيف أخفقت تلك القيادات في تحقيق الدور الموكل اليها في قيادة شيعة العراق، هما السياسيان العراقيان حسن العلوي وعزة الشابندر، وهما من حددا العوامل الأساسية التي أدت الى تشرذم نظرية تحقيق حلم الشيعة، بإقامة "قيادة شيعية موحدة" بإمكانها أن تقود تلك الطائفة، وكيف أسهم توجه هؤلاء القادة وتخبطهم في إيصال مستقبل طائفتهم الى هذا المنحدر الخطير.

كان السياسي العراقي حسن العلوي أول من دق ناقوس هذا الخطر، وحذر الشيعة قبل أكثر من عقدين من الزمان في كتابه "عمر والتشيع"، ومن خلال محاضرات متعددة بان أملهم في أن يقودوا العراق على انه أشبه بالمستحيل، ولن يتمكنوا من بناء معالم دولة في العراق، وفقا لمقاساتهم وتوجهاتهم، أنه من قبيل الأحلام والأمنيات التي لم تتحقق، لأن الاغلبية السنية الحاكمة في الدول العربية لن تسمح لأقلية شيعية في المنطقة أن يكون لديها القدرة على توحيد جهدها وقياداتها وان يكون لها شأن، لا في العراق ولا في باقي الدول العربية.

وكثيرا ما أكد السيد حسن العلوي لشيعة العراقي وخاطب الشيعة قائلا لهم: أنتم في وسط محيط سني عربي كبير، ليس بمقدوركم أن تقيموا دولة خاصة بكم، أو أن تحكموا بإسمكم، ومن صالحكم أن تحسنوا التعايش مع محيطكم العربي والاسلامي، فهم أفضل لكم من ايران، وهي إن إعتمدتم عليها لنصرتكم فلا بد ان تواجهوا الخذلان منها، لانه ليس بمقدورها أن تجعلكم أغلبية حسبما تتصورون وسيبقى لسنة العراق بعربهم وكردهم أغلبية ولن يسمحوا لشيعة العراق ان يتحكموا بمستقبلهم. وقد اتفق حتى السياسي العراقي عزت الشابندر مع توجه من هذا النوع، وكثيرا ما حذر شيعة العراق من الوقوع في أحضان ايران وادارة ظهرهم للعرب.

لقد أكد السياسي العراقي عزت الشابندر قبل أيام أن شيعة العراق أخفقوا في اقامة قيادات شيعية ترتقي الى مستوى آمالهم منذ أعوام الاربعينات وحاربوا العهدين الملكي والجمهوري والأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق، وحتى الثمانينات، وربما كانت الحرب العراقية الايرانية في تلك الفترة من وجهة نظر الشابندر آخر أمل لهم بأن يتمكنوا من إعداد قادة لهم. لكن نهاية الحرب العراقية واستمرار قيادة العراق انذاك حتى التسعينات هو من تسبب بخذلان حلم شيعة العراق في ان تتوفر لهم قيادة تقودهم الى حيث يخططون في اقامة دولة.

واشار الشابندر الى ان كل تلك المراحل تعرض شيعة العراق الى حالات احباط من خيبات الامل، ولهذا فشل ساسة شيعة العراق على مر تاريخ العراق واخفقوا لمرات عدة في ان يكون لهم قادة يمكن ان يعتمدوا عليهم في بناء دولة، وبخاصة بعد الفراغ الذي خلفه اسقاط الدولة في العراق بعد عام 2003 كما يقول الشابندر، وبقوا يتخبطون ويسلمون مقدراتهم لايران ولغيرها من الدول وهم من ادارتهم ولم يتمكنوا من ادارة بلدهم، وهو ما أكد أن الشيعة تشرذموا بعد ذلك قبل أعوام الى كتلتين جمعت اشتات طوائف وقوميات متناثرة، لكنها سرعان ما اخفقت مرة اخرى في تقديم انموذج حكم يمكن ان يقنع الاخرون بأنهم قادة، وأكدوا فشلهم أن بمقدورهم ان يقودوا دولة.

لكن الشيء الذي تغافله السياسي العراقي عزة الشابندر، ولم يتناساه السياسي العراقي المخضرم حسن العلوي هي أن ساسة الشيعة لا يؤمنون أصلا بمنطق الدولة، وهم قد حاربوها منذ العشرينات، وان الدولة التي يحلم بها شيعة العراق هي "دولة المهدي المنتظر" وهم لا يؤمنون بأية دولة حتى لو كان الحاكم شيعيا، وهو الان منهم، لانهم في قرارة أنفسهم لا يؤمنون بمنطق إقامة دولة، ووقفوا منها بالضد منها على مر فترات التاريخ، ولهذا فان التركيز في اهتمامهم أن دولة الشيعة لن تقام الا بعد ظهور المهدي المنتظر وهو ما جعلهم على الدوام ضد فكرة الدولة أساسا، وهم لن يؤمنوا بأية دولة تقام في العراق، حتى لو كان حاكمها شيعيا، ولهذا فأن الشيعة لن يناصروا قيام دولة في العراق حتى قيام الساعة، حسبما تركز هذا الحلم داخل تفكيرهم، وهم أيقنوا انهم ليس بمقدورهم تحقيق ما يحلمون، الا بعد ظهور المهدي المنتظر، فهو وحده من يقيم دولة العدل بحسب ما يظنون.