الغموض والجرأة والحيرة ثيمات لوحات عزة صوه
الفنُ انزياح عن الرؤية المألوفة للمعطيات الحياتية وبحثُ عن زوايا جديدة لإدراك ماهو متوارٍ ومضمرٍ في المشهد الوجودي كما يرصد ما يعتملُ داخل سرائر الإنسان كاشفاً برموزه عن خصوصية الذات ونشدانها الأبدي لما يمكنها من مغادرة منطقة الصمت.
وبذلك يعلنُ الفنُ اختلافه عن اللغة الصريحة والأساليب المُستهلكة وما يمتازُ به التعبير الفني هو تواصله مع الفطرة ومرونته لاستضافة الأشكال البدائية من الإيماءات المشحونة برغبة عارمة للحرية وفك العقدة التي تعيقُ الحركة في فضاءات أرحب وكسر ما يمنع اختراقات الخيال لمعانقة أطياف غير مروضة.
طبعاً أن الفن قبل أن يكونَ تنظيراً أكاديمياً أو منهجاً مدرسياً أو مذهباً فهو حس ومزاج كما أن مصادر الإلهام يختلفُ من فنان إلى آخر قد يكونُ الأمر مثيراً للاستغراب إذا عرفنا بأنَّ ما ألهم ليوناردو دافنيشي لانجاز تحفه الفنية هو الموت كأنَّ الشروع بكل عمل فني بالنسبة لصاحب "العشاء الأخير" هو بمثابة الإرجاء لمصير تتقاطعُ فيه دروبنا جميعاً.
أياً كان الأمر فإنَّ المنجز الفني يفتحُ مجالاً للتأمل والرحلة من خلال زخم تعبيراته اللونية ومايهمُ ليس موافقة ما يتذوقه المشاهدُ مع نظرة الفنان لعمله غير أنَّ الإنصات لآراء الأخير يكونُ فرصةً لمعرفة تكوينه وآليات اشتغاله لاقامة فضاء تتجاور في أثيره الألوان.
عزة صوه فنانة تونسية شابة لم تدرس في الأكاديمية ولم تتعلم في محترفات الرسم غير أنَّ ما أنجزته صوه البالغة من العمر إحدى وعشرين سنة يلفتُ انتباه حتي غير مختصين بالفن.
ومايزيدُ من إمكانية التفاعل مع أعمالها هو الزخم التعبيري وحساسيتها الزاخرة في حركة الفرشاة وكان لنا حوار مع الفنانة الشابة حول تجربتها وسألنها عن بداية انفتاحها على الفن التشكيلي وكيف ادركت بأن اللون هو مايمكنها من التعبير عن تطلعاتها.
فقالت "في البداية عندما أمسكت فيها الفرشاة كانت فقط للتجربة صحيح أنني متابعة بالاستمرار لمعارض اللوحات، وتشد انتباهي تلك اللوحة العميقة المغلفة بالغموض وهي تتطلبُ تأمل أبعادها ولايمكن أن تكون عابراً بجوارها دون الإحساس بما يداهم خيالك من التصورات، وفي تلك اللحظة اكتشف نفسي في مناخ لوحة تجريدية كأنها صُنعت بيدي أو هي عجينة من مشاعري واحاسيسي وتتحول الى ألوان راقصة أمام عيني.. إذن فكانت محاورتي للأعمال الفنية قادتني نحو التعبير باللون.
.وعن رأيها بشأن التكوين الأكاديمي ومايمكن أن يقدمه للفنان على مستوى تغذية الموهبة أكدت عزة بأن التكوين الاكاديمي يساعد الفنان كثيرا لصقل موهبته وخاصة من الناحية التقنية.
واضافت "لكن في نظري كل شخص يستطيع صنع نفسه بنفسه".
وأفادت محدثتي بأنها لم تتأثر بأي مذهب في ميلها نحو الزخم التعبيري مشيرةً إلى أنَّ المعجم اللوني يتشكلُ مع الإدراك العميق لمستوى الحوار بين اللون والضوء.
يتنوع الأسلوب الإبداعي لدي عزة بين التجريد والرمزية ورسم البورتريهات وغايتها من هذه المغامرة التعبيرية تتمثلُ في اختبار أشكال متعددة الأمر الذي يكشفُ عن رغبة لإستنفاد طاقات اللون.
وحول مصادرها الملهمة واختيارها لمواضيع اللوحات قالت عزة : ما أن أشعر بأنني أريد التحدث أو الهروب إلي عالمي الخيالي حتى تراني لائذة بألواني المائية أو الزيتية، أشعر بأنني مصنوعة من كتلة ألوان، دائما ما أنكسب في اللوحة دون حدود، كل لوحة لها رمزها و تعبيرها الخاص، لا أختار المواضيع، عندما أمسك الفرشاة وأنظر إلي اللوحة البيضاء تلقائيا أشعر بشيء ما يجذبني نحوها بألوان معينة".
وتابعت "تجد في لوحاتي الكثير من الجرأة، الغموض، الحيرة، الحياة، الحب، الحزن، الفرح ... فالفن عبارة عن لغة صادرة من الفنان يعبر عنها بطريقته، الألوان تؤثر بشكل كبير جدا على النفسية وتبعث النشاط والهدوء.
لاشكَّ أن التأثر والإعجاب برواد الفن سواء على المستوى أو العربي إحتمال قائم ومايحظى بإعجاب عزة من الفنانين العالميين هم جاكسون بولوك - ويليم دي كونينغ- فان جوغ وجان بول بريبيل.
أخيراً ترى عزة في الفن شكل من أشكال العلاج ويكون عاملاً لتهدئة الروح والشعور بالطمأنينة والتعافي من الجفاف الحسي.