الفلوجة بين فنائها وخلودها

هُزم الأميركان في الفلوجة عام 2004 فهل سينتصرون عليها في لعبة فيديو؟
هل نحن بحاجة إلى أن نقتل المزيد من البشر في العالم الافتراضي؟
أصيب العقل الأميركي بلوثة الفلوجة بعد أن كاد يشفى من لوثة فيتنام
الدولة التي غزت العراق بحجة امتلاكه أسلحة كيماوية لجأ جيشها إلى الكيماوي لئلا يُهزم وقد هُزم

يعرف الأميركان أن الفلوجة لن تٌنسى. عارهم فيها لن يُنسى. إن محيت من على الأرض فإنها تبقى في مكان خفي لا تصل إليه أسلحتهم الفتاكة.

الفلوجة باقية. الجثث التي دُفنت في حدائق المنازل أزهرت. في كل حديقة هناك نصب تذكاري قام من تلقاء نفسه. لم يصنعه أحد. تواطأت عناصر الطبيعة على صنعه. النار والهواء والماء والتراب.

معجزة الفلوجة أن ذعر أطفالها يُرى. صيحات نسائها تشق الزمن لتصل نضرة كما كانت أول مرة. وشجاعتها وهي تُحارب مضطرة أعظم جيش في التاريخ البشري هبطت عليها من السماء. النعمة مقابل القسوة. الالهام في مواجهة الموت.

ليست مدينة لتُنسى. لقد وقعت القيامة هناك عام 2004. خُيل إلى الأميركان أن حربهم في العراق تنتهي هناك. رشة من الفسفور الأبيض وتصير المدينة رمادا. لم يخطئوا في تقديراتهم. لقد تعهدوا بأن لا يُهزموا أمام شعورهم بالخزي فمضوا في العار إلى أقصاه. الدولة التي غزت العراق بحجة امتلاكه أسلحة كيماوية لجأ جيشها إلى السلاح الكيماوي من أجل أن لا يُهزم. ومع ذلك فقد هُزم.

في كل المقاييس هُزم جيش الدولة الأعظم في الفلوجة التي قاومت وقرر شبابها أن تعبث أصابعهم بصفحات التاريخ التي يكتبها المنتصرون. ماتوا واقفين بعد أن تأكدوا أن مدينتهم انحرفت من قدرها. لم تعد تلك البقعة الريفية المنسية على نهر الفرات. صارت نجمة بعيدة في سماء لن يصل إليها أحد. الفلوجة التي هناك هي كثافة لغة العاطفة الإنسانية.

يعرف الأميركان أن الفلوجة فلتت من النسيان. تركوها وهم يعرفون أن الأصوات ستطاردهم. ستمنع عنهم عيش البشر العاديين. فهم ليسوا قتلة عاديين. إنهم قتلة من النوع الذي يستدعيه التاريخ للشهادة. ضحاياهم لن يذهبوا إلى الموت صامتين. تدافع الولايات المتحدة عن مجرميها بقوانينها الملوثة بدم الشعوب ولكن الفلوجة لا تنفع معها أية محاولة للردم والتكتم والتعتيم والمغالاة في الصفاقة.

لا تطلب الفلوجة من أحد أن يتذكرها. لحظة صادمة من الزمن لا تتسول الخلود بل تصنعه بمهارة الباحثين عن عشبته في البلاد البعيدة. لقد عرفت الفلوجة أنها عصية على النسيان حين أغلق الأميركان أبوابها ومنعوا رجالها من الخروج منها. كانت هناك حفلة إبادة جماعية إذاً. لم تكن حربا بين طرفين. بل كانت مواجهة بين قاتل وقتيل.

يومها قررت الفلوجة أن تغلق أبواب التاريخ أمام الأميركان وصار التاريخ حصتها فهي في كل الأحوال لن تُهزم. هُزمت أم لم تُهزم لم يكن السؤال هناك. ولكنها عن طريق المقاومة ستنجو من أن تكون مجرد حكاية يمكن أن تُلهم مخرجا في صناعة فيلم عابر. كل المشاهد التي صُنعت والتي لم تصل إلى مستوى المشاهد الحقيقية في مستوى ما يمكن أن تسببه من حالة رعب لدى المشاهدين هي نتاج عقل مريض.

لقد أصيب العقل الأميركي بلوثة الفلوجة بعد أن كاد أن يشفى من لوثة فيتنام.

لعبة الفيديو "ستة أيام في الفلوجة" تحاكي معركة الفلوجة 2004 من أجل تحقيق انتصار عن طريق التسلية واللهو وهو ما يسعى الأميركان من خلاله إلى أن يدفعوا بجريمتهم إلى الظل. ما حدث أن كل شيء صار يتبرأ منهم باعتبارهم قتلة لذلك قرروا أن يلجأوا إلى اللعب ليكون مقابلا للحقيقة. ستقول الحقيقة كمَن يلعب. لا فرق بين الاثنين ما دام القانون الدولي يخضع لهيمنة الولايات المتحدة، القوة المهزومة في الفلوجة.

لقد قررت الولايات المتحدة أن تنتصر من خلال لعبة فيديو في حرب خسرتها على أرض الواقع. تستند في ذلك على فكرتها عن الشعوب العمياء، بضمنها الشعب العراقي الذي قد تؤدي المتاهة الأخلاقية ببعض أفراده إلى أن يضيعوا الطريق إلى الفلوجة.

وبغض النظر عن موقف الشعب العراقي الذي يجب أن يكون متشددا ضد اللعبة ولم يكن كذلك فإن قراءة أولية لردود الأفعال الأميركية تبين أن هناك من يعارض الاستثمار في العار الأميركي. لقد قتلنا في العالم الواقعي فهل نحن في حاجة إلى أن نقتل المزيد من البشر في العالم الافتراضي؟

ربما يأسف الأميركان أنهم لم يقتلوا كل أبناء الفلوجة. مَن بقى لم يبق لكي يروي بل ليؤكد أن المدينة انتصرت وأن الجيش الغازي هُزم.

ستة أيام في الفلوجة كانت جحيما لكن لمَن؟

لقد أقام الأميركان انتصارهم على تل من الهزائم العسكرية الصغيرة.  

هُزم الأميركان في الفلوجة عام 2004 فهل سينتصرون عليها في لعبة فيديو؟