القاضي يتحدث عن الاستشراق من اللاهوت إلى المثاقفة

أحمد عرفات القاضي يؤكد أنه من الصعب بمكان الجزم بتاريخ محدد يمكن الانطلاق من خلاله كبداية حقيقية لدراسة الاستشراق.
الاستشراق موقف غربي من الإسلام: دينًا، وتاريخًا، وحضارة، ومن رسوله (صلعم) الذي صبوا عليه جام غضبهم
بعض الباحثين يعد كل من درس الإسلام من غير المسلمين مستشرقًا

أكد دكتور أحمد عرفات القاضي - أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة الفيوم - أن هذا الكتاب استغرق إعداده أكثر من خمسة عشر عاما من المتابعة والبحث حيث لاحت فكرته في أغسطس/آب عام 1995 حينما وصل للولايات المتحدة الأميركية بمنحة علمية للبحث والتدريس من هيئة فولبرايت الأميركية للعمل بجامعتي ولاية أريزونا حيث عثر على بحث مطبوع في طبعة مستقلة بجامعةArizona State University للمستشرق الألماني الكبير جوزيف فان إس عميد المستشرقين في أوروبا حاليا والذي يبلغ من العمر ثمانين عاما وله اهتمام خاص بعلم الكلام في الإسلام وقد تركزت دراساته حول مرحلة النشأة والتشكل ودور الحياة الاجتماعية والسياسية في بلورة ونشأة هذا العلم، ويعد فان إس بحق حجة في هذا المجال وبحثه المشار إليه ما هو إلا محاضرة ألقاها هذا المستشرق في حلقة بحث (سيمنار) بقسم الأديان بكلية الآداب جامعة أريزونا تحت عنوان "الإله الشاب: التشبيه في الفكر الإسلامي المبكر".
وقال القاضي: عكفت على هذا البحث أسبوعا متواصلا حيث انتهيت من ترجمة أولية له وظلت معي طوال فترة وجودي لمدة عام دراسي كامل أعيد فيها النظر من وقت لآخر حتى وصلت بعد عدة مراجعات لصورة ارتضيتها لنفسي في نقل النص إلى اللغة العربية. وبعد ذلك كتبت بحثي عن موقف المستشرقين من العقيدة الإسلامية الذي نشر في المؤتمر الدولي الثالث بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1998 وهو يشكل الفصل الثاني من فصول هذا الكتاب.
وفي عام 2000 كتبت بحثي عن المستشرقين والتصوف الإسلامي بتكليف من لجنة الترقية كبحث مرجعي حينما تقدمت لترقية أستاذ مساعد، وهو يشكل الفصل الثالث من الكتاب. وفي عام 2004 شاركت في المؤتمر الدولي الخامس للبحوث بجامعة الإمارات العربية المتحدة حيث كنت أعمل معارا بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة الإمارات ببحث تحت عنوان أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر دراسة في فكر برنارد لويس، وهو يشكل الفصل الرابع للكتاب. 

بداية الاستشراق وما أثير حول هذا الموضوع، من اجتهادات وآراء مختلفة، كانت وما زالت حتى يومنا هذا موضع خلاف بين مختلف الفصائل، والاتجاهات، والرؤى، من الباحثين في الشرق والغرب على السواء

وشاركت في عام 2006 ممثلا لجامعة الإمارات العربية ببحث حول "الاستشراق كمعوق للحوار - صورة النبي محمد نموذجا" وذلك في مؤتمر العالم الإسلامي والغرب الحواجز والجسور بالجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا سبتمبر/أيلول 2006 وهو يمثل الجزء الثاني من الفصل الأول. هذا بالإضافة إلى مجموعة محاضرات وندوات عامة وحلقات بحث شاركت فيها محاضرا ومتحدثا حول موضوع الاستشراق، وكتبت مجموعة مقالات تتصل بالموضوع نشرتها بالعديد من الصحف.
وقد نشرت بروفة أولية من هذا الكتاب مفتتحا به الحوار والمناقشة مع طلابي في مرحلة الليسانس بكلية دار العلوم جامعة الفيوم ومع زملائي والمحيطين بي من أهل الاختصاص للوصول به إلى درجة من القبول أستطيع أن أخرج به على الناس في طبعة عامة تتناسب مع الجهد المبذول فيه. 
واليوم أخرج على الناس بهذه الطبعة بعد أن استدرجت فيها وأضفت ما رأيت أنه يحقق التوازن ويكمل الرؤية، فقد تم تغيير الجزء الأول كاملا حول شخصية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في مرآة المستشرقين المنصفين ويشمل الفصل الأول. وقد قدمت له بمجموعة قضايا أثيرت حول شخصية الرسول في الفكر الغربي مثل الزعم بتأثره (صلى الله عليه وسلم) ببحيرى الراهب، ومثل القول بأن الإسلام انتشر بالسيف وغيرها من القضايا المرتبطة بهذا الموضوع.
ومن جهة أخرى تناولت موقف الكنيسة الغربية منذ أوربان الثاني في نهاية القرن الحادي عشر، وحتى بنديكت السادس عشر في بداية القرن الحادي والعشرين، من الإسلام ورسوله، وهو موقف يقوم على الرفض المطلق للرسول محمد (صلعم) ولرسالته ونعته بجميع الصفات السلبية، وهو موقف أيديولوجي واضح تناولته تحت عنوان "أيديولوجية الرفض والإقصاء". وتناولت بالصياغة والإضافة بعض الموضوعات التي توافرت لدي فيها مصادر جديدة رأيت من الواجب العودة إليها لبيان وإضافة ما يستحق في بعض القضايا، وربما يجد القارئ بعض التكرار لبعض النقاط هنا وهناك، وذلك نتيجة لأن هذا الكتاب كتب منجما على فترات زمنية متباعدة، وكان طبيعيا أن يوجد تكرار لبعض النقاط. كما أضفت فصلا أخيرا حول أثر الاستشراق في ظاهرة الإسلام فوبيا. 
كما يؤكد الباحث أنه من الصعب بمكان الجزم بتاريخ محدد يمكن الانطلاق من خلاله كبداية حقيقية لدراسة الاستشراق، وإظهار مدى اهتمام العقل الغربي المسيحي بالعقل الإسلامي، فكريًا، ودينيًا، وثقافيًا، واجتماعيًا، إلا من خلال الحروب الصليبية التي شنتها أوروبا المسيحية، استجابة لدعوة البابا أوربان الثاني في مؤتمر كليرمون في فرنسا في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1095 لتخليص مهد المسيح في بيت المقدس من أيدي الكفرة المسلمين، البرابرة الذين لا حظ لهم في القيامة، حسب تعبير البابا الذي أعلن شعار تلك الحرب المقدسة باسم (إنها إرادة الرب) حيث تكررت مرارًا في خطبته تلك فاتخذها المحاربون شعارًا لهم، كما وضعوا الصلبان على صدورهم تأكيدًا على هوية الحرب الدينية المقدسة بأنها حرب صليبية.
ويبدو أن البابا قد أعد لهذه الخطبة، قبل إلقائها في ذلك المؤتمر، بوقت كاف، وشحذ فيها كل مهاراته الخطابية والبلاغية، لإحداث أكبر قدر ممكن من التأثير في الحاضرين من الجماهير، سواء كانوا مسئولين سياسيين من الملوك الأمراء، أو من العامة والبسطاء، الذين يشكلون السواد الأعظم، أو من رجال الدين، التابعين لسلطة البابا والكنيسة.
ويؤكد القاضي بغض النظر عن الهدف الحقيقي لتلك الحروب الصليبية، والتي يتداخل فيها الديني مع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي - كما سنوضح فيما بعد - إلا أنها تعكس بصورة أو بأخرى موقف الغرب المسيحي، من العالم الإسلامي على مدار ألف عام، منذ بداية تلك العلاقة التي دشنتها الحروب الصليبية، في نهاية القرن الحادي عشر وحتى اليوم.
وإذا كان بعض الباحثين يعد كل من درس الإسلام من غير المسلمين مستشرقًا، ومن ثم يدخل في إعداد المستشرقين، المسيحيون الشرقيون قديما الذين دخلوا في جدل ديني مع المسلمين، أو قاموا بردود فكرية دفاعًا عن المسيحية والمسيح أمثال: يوحنا الدمشقي، وتيودر أبو قرة 
وغيرهما، فإن هذه الدراسات، وإن أثرت بصورة أو بأخرى في المستشرقين الذين أفادوا منها، أو نسجوا على منوالها، إلا أنها في حقيقة الأمر بعيدة عن الاستشراق.
وإذا كان الاستشراق فكرا غربيا خالصا عن الشرق أدبه وتاريخه وحضارته وعلومه، فلا يدخل فيه الشرقيون، الذين عملوا بالجامعات الغربية من غير المسلمين كمسيحي الشرق في العصر الحديث، أمثال: فيليب حتي، ألبرت حوراني، إدوارد سعيد، غسان سلامة، وغيرهم. كذلك لا يعد في عداد المستشرقين، المسلمون والعرب الذين تأثروا بالاستشراق والمستشرقين، وشربوا من نبعهم، وساروا على دربهم ومناهجهم، في التعامل مع الدراسات العربية والإسلامية، من أمثال: محمد أركون، وحسن حنفي، ونصر أبوزيد، وعابد الجابري، وغيرهم كثير.
جملة القول إن الاستشراق موقف غربي من الإسلام: دينًا، وتاريخًا، وحضارة، ومن رسوله (صلعم) الذي صبوا عليه جام غضبهم، فألصقوا به كل التهم، وأخرجوا ما في جعبتهم من أحقاد دفينة، ما زالت بكل أسف مستمرة حتى يومنا هذا، تسعى لتشويهه كنبي للإسلام وخاتم للمرسلين. 
هذا الموقف الغربي تجاه الإسلام، تشكل عبر مراحل تاريخية معقدة، أنتجت هذا الصراع المرير، الذي تداخلت فيه العوامل: الدينية، والتاريخية، والحضارية.
وعن بداية الاستشراق وما أثير حول هذا الموضوع، من اجتهادات وآراء مختلفة، كانت وما زالت حتى يومنا هذا موضع خلاف بين مختلف الفصائل، والاتجاهات، والرؤى، من الباحثين في الشرق والغرب على السواء.