'القبعة ذات الأجراس' تتبع قصة انتقام من الخيانة

مسرحية الكاتب الإيطالي البارز لويجي بيرانديللو الأدبية الحاصل على جائزةَ نوبل تدور أحداثها عن زوجة تشكُّ في خيانة زوجها لها، وتقرر الانتقام منه بأن تُبلغ عنه للقبض عليه متلبِّسًا، وبالفعل يتم القبض على الزوج وعشيقته.

تتميز التجرِبة الأدبية للكاتب الإيطالي البارز لويجي بيرانديللو الأدبية الحاصل على جائزةَ نوبل في الآداب عام 1934م بالثراء والتنوع؛ فقد كتَب في القصة والرواية والمسرحية والشعر، وهي تدور حولَ فكرةٍ فلسفية عن التناقض الجدلي بين الحياة وثبات الصورة، أو على حد تعبيره "بين ضرورات الحياة الديناميكية ومتطلباتها الاستاتيكية"، كما تُعَد مشكلة الحقيقة أحدَ المحاور الأساسية التي ارتكز عليها فنُّه، وتناوَلها في كثير من مسرحياته. ومن أبرز أعماله "لكلٍّ حقيقته"، و"قبعة المجانين"، و"لَذة الأمانة"، و"ست شخصيات تبحث عن مؤلِّف"، و"إنريكو الرابع".

تشكل هذه المسرحية "القبعة ذات الأجراس" التي ترجمتها وقدمت لها د.أماني فوزي حبشي عن الإيطالية وصدرت عن مؤسسة هنداوي، أحد أهم أعمال بيرانديللو، وتدور أحداثها عن زوجة تشكُّ في خيانة زوجها لها، وتقرر الانتقام منه بأن تُبلغ عنه للقبض عليه متلبِّسًا، وبالفعل يتم القبض على الزوج وعشيقته. 

تقول حبشي في مقدمتها "نرى منذ البداية كيف أن الشخصيات التي تفهم ما تفكر فيه الزوجة تحاول إثناءها عمَّا تنوي عمله، مثل خادمتها، والنائب الذي ستتقدم إليه بالبلاغ، بل وكاتب الزوج الذي هو زوج العشيقة. وبعد القبض على الزوج وزوجة تشامبا (الكاتب) تحاول جميع شخصيات المسرحية أن تقلِّل من حجم الموقف، خوفًا من مكانة الزوج في المجتمع، وانتقامه منها، أو من أن يقتل تشامبا كلًّا من رئيسه وزوجته. ينجح الزوج بالفعل في أن يقنع النيابة ببراءته، ثم تتجمع كل الشخصيات، على الرغم من معرفتهم أن هذا يحدث بالفعل، بل ويحدث في كل بيت، بإقناع الرأي العام بأن الخطأ هو خطأ زوجة الرجل الذي وجَّهت له الاتهام، وتتصاعد أحداث المسرحية من خلال محاولة الجميع إقناع الزوجة ببراءة زوجها وبخطئها ونزع المصداقية منها، لحفظ ماء وجه الزوج ذي المكانة الاجتماعية الرفيعة والزوج الآخر زوج السيدة المتهمة. وهنا نرى أن الأهمية التي يركز عليها المجتمع هي أهمية مظهر الرجل (أيْ مظهر الإنسان) سواءٌ المتهم بالخيانة أو الذي تعرَّض للخيانة، وكل الأشياء يجب أن تعمل للحفاظ على المظهر العام بغض النظر عن الحقيقة، التي من الأفضل دفنها.

وتوضح أن بيرانديللو كتب النسخة الأصلية، باللغة الصقلية عام 1917م، أيْ منذ حوالي مائة عام، ثم قام بتعديل الكثير من المَشاهد بناءً على طلب الجمهور، قال عنها بيرانديللو إنها مسرحية وُلدت ولم تُكتب؛ حيث كُتبت للعرض على خشبة المسرح ولم تُنشر بالفعل إلا بعد ذلك بعدَّة أعوام. إن "القبعة ذات الأجراس" هي أيضًا مأساة ذلك الرجل الذي تخونه زوجته، ويَقبَل ألم أن يتقاسم حُبَّ امرأته مع رجلٍ آخر حتى لا يفقدها، يقول ذلك "تشامبا" في جزءٍ له من الحوار، لا يتحدث فيه عن نفسه ولكن يتحدث عن شخصية افتراضية في موقف شبيه بموقفه.

وتلفت حبشي إلى أن الجو العام للمسرحية ينتصر لما هو ظاهر، فنحن أمام قرية يعاني فيها الجميع من الخيانة، يعرف الجميع ولكنهم يفضلون التظاهر باللاشيء. فنحن أمام إنسانية صامتة وخبيثة، تتمثل في شخصية تشامبا، الذي يحاول باستماتةٍ الدفاعَ عن زواجه التَّعِس وإنقاذ موقفه في الظاهر.

وتشير إلى أن بيرانديللو ولد عام 1867م في جيرجينتي في صقلية، بدأ دراساته للآداب في جامعة باليرمو، واستكملها في روما ثم أنهاها في ألمانيا، حيث تخرَّج برسالةٍ متخصِّصةٍ في اللغويات من جامعة بون "لهجة جيرجينتي 1891م"، وبدأ عمله الأدبي كمترجم، حيث ترجم بعض أعمال جوته الشعرية، والتي أظهرت لديه موهبته الشعرية فنشر بعض الدواوين في الفترة بين "1889 و1912م". وقد استقرَّ في روما بدءًا من عام 1893م، وقدَّمه كابوانا في الأوساط الصحفية والأدبية، فكرَّس نفسه للنشر والإبداع "حتى إنه بدأ عام 1913م أيضًا بموضوعات وسيناريوهات للسينما"، وكان يعمل في التدريس في الوقت نفسه، حيث كان يدرِّس في المعهد العالي لإعداد المُعلِّمات "1897–1922م". كان للكارثة المالية التي حدثت لأعمال والده فقضت على كل ممتلكات الأُسرة عام 1903م تأثيرٌ كبيرٌ على حياته، وخاصةً على الصحة النفسية لزوجته أنطونيتا بروتولانو التي تزوجها عام 1894م، والتي اضطرَّ بعد أعوام "عام 1919م" إلى إدخالها مصحةً للأمراض النفسية في روما.

وتتابع حبشي إلى أنه بدايةً من عام 1915م بدأت خبرة المسرح تبتلع  بيرانديللو تمامًا، حتى إنه عمل كمُخرجٍ مسرحي، وكان يتنقل أيضًا في الخارج. تولَّى إدارة مسرح الفن في روما في الفترة (1925– 1928م)، وأنشأ فرقته الخاصة، وقدَّم بها أعمالًا كثيرةً في جميع أنحاء أوروبا وفي نيويورك، وتعطَّل في تلك الفترة إنتاجه الأدبي حيث كان يعمل مديرًا للفرقة. كانت مارتا آبا هي ممثلة الفرقة الأولى، وارتبط بها بيرانديللو ارتباطًا عاطفيًّا حتى موته. أثار الحنق بطلبه المُعلن بأن ينضمَّ إلى الحزب الفاشي عام 1924م. وفي عام 1934م حصل على جائزة نوبل في الآداب.

وترى أن أعمال بيرانديللو في فترة الشباب بالنزعة التشاؤمية، وفي رواياته التالية في بداية القرن العشرين بدأت تتضح لديه رؤيةٌ أكثر إشكالية وواقعية للحياة وللعالم. وعلى الرغم من تأثره بالنزعة الواقعية للمدرسة الصقلية (دي روبرتو، كابوانا وفيرجا) ركز بيرانديللو اهتمامه على التناقضات التي تتضح لدى الشخصيات وفي الأحداث، بين الكائن والرأي، ويتدخل في الحكْي بنزعة السخرية التي تتجاوز القواعد الطبيعية للحياد الروائي، وبينما يميل إلى الكتابة باللغة العامية.

وتوضح حبشي أن معظم مسرحيات بيرانديللو تتساءل: ما الواقع؟ وما الحقيقة؟ ربما استخدم أكثر من مرةٍ في أعمالٍ له تقنية المسرح بداخل المسرح، وتميز ذلك في ثلاثةٍ من المسرحيات المعروفة: "ست شخصيات تبحث عن مؤلِّف" (1921م)، وهي تمثيلية وهمية عن ستَّةٍ يزعمون أنهم شخصياتٌ في مسرحية ليس لها مؤلِّف يوجِّه أفعالهم، يبحثون عن مؤلِّف، وعمَّن يمثلهم على خشبة المسرح. وأيضًا "الليلة سنرتجل" (1928م)، والتي تتناول عرضًا مسرحيًّا فيه ينتظر المتفرجون في الصالة بينما تُسمع أصواتٌ من خلف الستار، وبينما يطالب المتفرجون بالهدوء وبداية العرض، يبدأ العرض بالممثلين يتناقشون مع المُخرج، ونكتشف أن منهم مَن يجلس بالفعل في الصالة وسط الجمهور. ومسرحية "كل امرئٍ على طريقته" (1925م)، والتي فيها تدور أحداث المسرحية في مكانين مختلفين؛ المسرح من جهة، ومن الجهة الأخرى الأماكن التي عادةً ما يستخدمها الجمهور، مثل المدخل والصالة. وحسب الناقد المسرحي إيليجو بوسينتي، فالمسرحية تتناول التناقض الداخلي لدى كل إنسان بين تصرفاته الظاهرة ودوافعه.

وتلفت إلى أن مسرحيات بيرانديللو تميزت بصفة عامة بذلك الحسِّ الساخر في عرض مآسي الحياة، تلك الرغبة لدى البشر في الاختباء خلف مختلف الأقنعة، الشخصية الإنسانية وصراعها بين حقيقتها الداخلية والقناع الذي تواجه به الآخرين. وكان يرى أن مأساة الإنسان تكمن في التناقض والتمزق بين الحقيقة الخارجية وما يُظهره للآخرين، بينما كان بيرانديللو يرى أن الحقيقة المطلقة شيء لا وجود له، لأنها نسبية، ولأن لكل امرئٍ حقيقته.

وتقول "في روايته الأخيرة "واحد، ولا واحد ومئة ألف" يتناول بيرانديللو، ولكن بعمق فلسفي أكبر، موضوعه الأثير الخاص بما يُظهره الإنسان عن نفسه المخالف عمَّا يُبطنه. تتناول الرواية شخصية رجلٍ ثري، يبدأ في مراجعة حياته فيرى كيف أنه يَظهر بألف شخصيةٍ لمَن حوله، ثم يصل إلى قناعة أنه لكي يصل إلى جوهر ذاته الحقيقي، ويرضى عن نفسه بالفعل، لا بدَّ وأن يتخلص من المائة ألف قناع السابقة. يجد الثريُّ نفسه في نهاية الأمر وقد تخلَّى عن حياته السابقة كلها ليعيش في وكر شحَّاذين، وهناك يحاول أن ينقل ذاته إلى موضوع، فهو يقرر أن يُولد من جديد، بلا ذكريات، وأن يعيش حياته كل يوم كلا أحد، وكمائة ألف شخصٍ في الآن ذاته. الرواية فلسفية، وعلى الرغم من قِلَّة صفحاتها إلا أن بيرانديللو استغرق زمنًا طويلًا (حوالي خمسة عشر عامًا) لينجزها وينشرها بعد ذلك. ويقول عنها إنها الأكثر مرارةً وأكثر سخريةً من أيِّ نصٍّ آخر كتبه.

نُقلت معظم مسرحيات بيرانديللو إلى اللغة العربية، قام بذلك باقةٌ من المترجمين ومن أبرزهم محمد إسماعيل محمد وسعد أردش، وقدَّم باقةٌ من عمالقة المسرح المصري تلك المسرحيات للإذاعة المصرية، ولا زالت التسجيلات موجودةً للاستماع إليها، والاستمتاع بها على موقع اليوتيوب الخاص بالبرنامج الثقافي.