القصرين التونسية تحتضن مهرجان الشعر الشعبي

برنامج ثري يجمع بين المسابقات والمعارض والقراءات الشعرية والمباحث الفكرية والعروض الفرجوية بمشاركات من ليبيا والجزائر.

للشعر الشعبي في تونس من الأصالة والعراقة والتجدد ما يجعله شعرا مكتسبا لأحقية حضوره في المشهدية الثقافية والأدبية تونسيا وعربيا حيث التنوع والخصوصية في التعاطي الإبداعي مع الذات والآخر والعالم وهو الشعر الذي يتداول في الحياة لدى العامة وهو المنظوم بلهجة بغير اللغة العربية الفصحى، هو شعر خلاف الشعر العربي الفصيح وبلهجة أهل البلد الدارجة ومن أمثاله في البلاد العربية نجد الشعر الشعبي العراقي والزجل في بلاد الشام والشعر النبطي في شبه الجزيرة العربية والموال في العراق ومصر حيث تنتج عنه الأغاني الشعبية المعبرة عن عادات وتقاليد الشعوب العربية..

وفي هذا الجانب يقول الشاعر الراحل والدارس والمؤلف والمهتم بشؤون وشجون الشعر العامي الأديب محيي الدين خريف "إذا نظرنا في رصيد الشعر الشعبي التونسي وفحصنا مدوناته بقطع النظر على ما يحفظه الرواة ولم يدون. وجدنا أنه يمتاز بالفخامة والكثرة والتنوع في الأغراض والأوزان. والحس المناخي والتأثر بالطبيعة التي ولد فيها واللغة التي انتظمته. وإن كنا لا نقف عند اللغة كثيرا لأن اللغة واحدة وإنما نقول اللهجة التي تختلف بين كل جهة وأخرى بل كل ربض وربض آخر".

ويضيف "الملاحظ أن شعر الحواضر قليل بالنسبة إلى شعر البوادي والأرياف لأن الحواضر يكاد الشعر فيها ينحصر في الأغاني التي هي أقرب إلى حياة اللهو والترف التي يعيشونها. ولهذا شعرهم لا نجده في المدوّنات الكبيرة ولا عند الرواة من حفظة التراث وينحصر فيما يتداوله الناس في أعراسهم وحفلاتهم والسبب في وجود الشعراء بكثرة في البوادي والأرياف هو الجو الملائم للتأمل والعزلة. والشعر صحراوي من بدايته. والاستثناء موجود في كل زمان ومكان. ولأمر ما اشتهر أهل الجنوب في تونس بكثرة الشعراء من الفحول الذين سار ذكرهم شرقا وغربا...".

ويلفت "انبثق الشعر الشعبي التونسي من أشعار بني هلال الذين دخلوا إلى تونس واقتحموا القيروان وخربوها ثم تفرقوا في أنحاء البلاد واندمجوا في أهلها ونشروا لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومن جملتها الشعر الذي جاؤوا به من نجد معهم وقد ذكر ابن خلدون نماذج منه في مقدمته وقد تجاوزوا فيها علامات الإعراب... ومن ذلك الوقت حذا الشعر الشعبي التونسي حذو الشعر الشعبي الهلالي في شكله وموضوعاته. ونحن وإن لم تصلنا النماذج القديمة من هذا الشعر إلا أن على ألسنة الرواة يدل على ما قلناه سابقا والبدايات التي وصلت لنا كلها من القرن التاسع عشر. وأكثرها من التي قيلت في الأزمات والحروب. أما عندما احتلت فرنسا تونس سنة 1881 فقد نطقت ألسنة الشعراء وتدفق الشعر واصفا كل ما وقع من كوارث سببها الاستعمار.. ".

ويتابع "إن الأوزان التي اتبعها الشعراء في نظمهم لشعرهم الشعبي بعيدة كل البعد عن أوزان القصيدة العربية فيما عدا الشكل فهو مماش للقصيدة العمودية القديمة ثم بعد ذلك للموشح الأندلسي. ومن أوزان الشعر الشعبي التونسي القسيم والموقف والملزومة... وتبقى موازين الشعر الشعبي التونسي خاضعة للإيقاع، فلا غريب أن نسمع كل يوم وزنا جديدا... والغرض هو الموضوع الذي يهدف إليه الشاعر ويركز عليه قوله والأغراض أمّا أن تكون ذاتية منبثقة من وجدان الشاعر أو وصفية تسلط الضوء على ما حوله من طبيعة أو شجون نفسية أو وصف لما خلقه الله من بشر وحيوان أو غير ذلك. وأمّا أن تكون تأملية تصوّر ما يطرأ على الشاعر من تجارب وتحولات. وأكثر ما يكون هذا الغرض عند الشعراء الكبار الذين قضوا ردحا من الدهر في مصارعة الزمان. وعرفوا مداخله ومخارجه واتعضوا بما ذاقوه من مرارته...".

هكذا هو شأن الشعر الشعبي الذي بعث له مهرجان عريق في تونس يبلغ هذه الأيام دورته الـ48.

الدورة 48 من المهرجان الوطني للشعر الشعبي بالقصرين تنتظم خلال أيام 8 و9 و10 سبتمبر/أيلول 2023 بإدارة الشاعر أحمد العباسي، كما أن المهرجان تنظمه الجمعية التونسية للثقافة الشعبية والمندوبية الجهوية للثقافة بالقصرين وبإشراف وزارة الشؤون الثقافية وهي دورة الشاعر الراحل أحمد البناني لتكون فيها الجزائر ضيفة الشرف وذلك وفق برنامج ثري يجمع بين المسابقات والمعارض والقراءات الشعرية والمباحث الفكرية والعروض الفرجوية بمشاركات من ليبيا والجزائر.

وفي هذا السياق وفي لقاءات وندوات فكرية يتطرق المشاركون في هذه الدورة إلى عدة محاور في علاقة بالشعر الشعبي من ذلك توثيق ونشر مدونة الشعر الشعبي التونسي، ومشروع المدونة الرقمية، وضمان حقوق الشعراء، والإيقاع والقافية في الشعر الشعبي …

أما المسابقة الشعرية في هذه الدورة من المهرجان يكون موضوعها حول السلم في عيون الشعراء، إضافة إلى تكريم واستضافة عدد من نجوم الشعر الشعبي.

المهرجان تنظمه الجمعية التونسية للثقافة الشعبية والمندوبية الجهوية للثقافة بالقصرين.. دورة واعدة وبرنامج متنوع.. والكلمة والجوائز للمتألقين.