القفطان المغربي في الدراما رمزية حاضرة حتى الاستنزاف
الرباط ـ يُعرف القفطان المغربي كرمز ثقافي بارز يتردد صداه في الدراما والأفلام التلفزيونية المغربية الحديثة، إذ يظهر بكثرة كعنصر يُفترض أنه يجسد الهوية الوطنية، بتطريزاته الفاخرة وألوانه الزاهية، كونه يحمل تاريخًا من الحرفية والأناقة. لكنه تحول في أعمال تلفزيونية درامية مثل مسلسل "قفطان خديجة"، ومسلسل "عين ليبرة"، ومسلسل "مسك الليل" إلى تيمة متكررة تثير الشكوك حول وظيفته الحقيقية. فالاعتماد المفرط عليه لا يكون بالضرورة احتفاءً بالتراث، لأنه أصبح استهلاكًا تجاريًا يخفي ضعف الكتابة الدرامية، ومعبرًا عن أزمة إبداعية تتجاوز الزي نفسه لتسأل عن جوهر الإنتاج التلفزيوني المغربي.
نتساءل حول الكتابة السيناريستية واعتمادها الزائد على القفطان كبديل عن بناء حبكات غنية، كما يتضح في مسلسل "مسك الليل" للمخرج هشام جباري وشريط "بنت العم" للمخرج حميد زيان. ففي "مسك الليل"، تتناول القصة حب اليزيد وغالية وسط صراع عائلي، لكن القفطان يظل مجرد خلفية بصرية لا تؤثر في تطور الأحداث أو تعمق التوتر، ليجعله زينة شكلية فقط. بينما في شريط "بنت العم"، يُقحم القفطان كاستعراض في سياق تكميلي للقصة، دون أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحدث الرئيسي، وهو ما يكشف عن نهج كسول يستند إلى الرمزية السهلة بدلًا من الابتكار في السرد.
وتبرز أعمال مثل مسلسل "قفطان خديجة" و"عين ليبرة" أن هذا التكرار ينبع من منطق تجاري يخدم السوق أكثر من الفن. ففي "قفطان خديجة"، تُقدم "ليلى" كشخصية تعود لصناعة القفطان بعد أزمة مالية، ويُروج للعمل كاحتفاء بالتراث والتنمية الاقتصادية، لكن الحبكة تبدو سطحية ومكررة، تفتقر إلى العمق الذي يليق بموضوع الحرفية. بينما في "عين ليبرة"، تنجح "نورا" عبر عرض القفطان، لكن التركيز على الزي يغطي على ضعف معالجة الاستفزازات الاجتماعية على وسائل التواصل، وهذا يؤكد تحوله إلى سلعة بصرية تُصمم لجذب المشاهدين في مواسم مثل رمضان 2025.
وتُضاف هذه الأعمال إلى أخرى تاريخية مثل مسلسل "الرحاليات" لتبين الفارق بين الاستخدام المدروس والإفراط غير المبرر. ففي مسلسل "الرحاليات"، يظهر القفطان كجزء من فترة الحماية الفرنسية. لا أعلم إن كان هذا معقولًا وحقيقيًا، لكن طغيان زي القفطان واللباس المغربي فيه نوع من اللبس. بينما من الغريب أن يكون القفطان عنصرًا بارزًا أو زخرفيًا بلا ضرورة درامية لأنه واضح كاستغلال تجاري. هذا التباين يبرز كيف يمكن للمنتج أن يبيع منتوجه الفني على حساب تسويق المنتوج الوطني.
ويحد هذا الإصرار على حصر الدراما في القفطان من قدرتها على عكس التنوع المغربي. فالبلاد تزخر بثقافات متعددة، مثل الأزياء الأمازيغية، والجبة الصحراوية، والحياة الحديثة. لكن هذه الجوانب تظل مهملة بينما يُختزل الموروث في زي واحد وبدون سياق يخدم الأزياء. ففي "عين ليبرة" وشريط "بنت العم"، يغيب استكشاف مواضيع مثل الحرف الأخرى أو الصراعات المعاصرة. ويتبين أن مشاهد القفطان كمشروع تشير إلى خضوع الكُتاب لتوقعات السوق التي تفضل الرموز المضمونة على التجريب، وهو ما يهدد بتحويل التلفزيون إلى منصة استهلاكية لا إبداعية.
ونحن لسنا ضد استخدام القفطان المغربي في الأعمال الدرامية التلفزيونية أو المسرحيات أو حتى السينما. فهو جزء من التراث الثقافي الغني الذي يعكس الهوية المغربية. لكن ما نعترض عليه هو استغلال هذا التراث والتاريخ المغربي كأداة تجارية بحتة بين كُتاب السيناريو والشركات المنتجة، كما يحدث الآن في بعض الأفلام الوثائقية أو السينمائية التي تتناول قضية مغربية الصحراء. هذا التوجه يشكل خطرًا حقيقيًا على الإبداع. فإذا ما التزم كُتاب السيناريو بالقوانين الأخيرة التي وضعها المركز السينمائي أو وزارة الثقافة، والتي تحث على الترويج للقضايا التاريخية والموروث الثقافي المغربي بشكل مبالغ فيه، فإن ذلك سيؤدي إلى تكرار النمط نفسه. إذ يصبح الكل شبيهًا بالكل ونفقد التنوع والإبداع، وكأننا نموت سريريًا. بينما يظل التاريخ المغربي السياسي والاقتصادي والديني والمعرفي حقلًا واسعًا وخصبًا يمكن استكشافه وكتابة السيناريوهات عنه بطرق ذكية، تمكن الكاتب من بيع عمله من جهة، وتجنبه السجن من جهة أخرى، خاصة في السياسة.
فهل تستطيع الدراما المغربية التحرر من هذا القفطان الرمزي لتعبر عن تنوعها، أم ستبقى أسيرة التكرار والسوق؟ فالقفطان يستحق مكانته كجزء من التراث، لكن استخدامه المفرط يثير تساؤلًا جوهريًا عن طبيعة الإنتاج التلفزيوني: هل هو فن يحتفي بالهوية أم تجارة تستغلها؟ الإجابة تعتمد على استعداد صناع الدراما لتجاوز القوالب الجاهزة والمغامرة خارج حدود المألوف. وغير هذا، سيظل القفطان رمزًا مزدوجًا، يجمع بين الجمال والقيد، تاركًا الإبداع معلقًا بين الماضي والحاضر، بين التراث والاستهلاك. اذ ان السينما والتلفزيون هما القصة، الرسالة، المضمون وليسيا الشكل فقط.