القلم الثقافي يٌبدع ولا يتبع
الرباط - مع تطور وسائل الإعلام في العصر الحديث، تتجلى أهمية الصحافة الثقافية كأداة نقدية تهدف إلى تحليل وفهم الظواهر الثقافية بعيدًا عن التوجهات السطحية التي تسعى وراء الإثارة والشهرة، تبرز كجنس أدبي مستقل يجمع بين النقد والتحليل ويفصل نفسه عن الركض وراء البوز أو الأخبار التي تهدف إلى جذب الانتباه دون مراعاة عمق المحتوى.
وتعتمد الصحافة الثقافية على تقديم أفكار نقدية وتحليل ثقافي متوازن، بعيدًا عن تبني الأخبار السريعة، وبقدرتها على دمج الأدب والفكر الصحفي في نصوص تحلل وتستعرض الأبعاد الثقافية المختلفة، مثل الأدب، الفن، الفلسفة، والموسيقى، مركزة على التفسير النقدي للمحتوى الثقافي وفهمه في سياق تاريخي واجتماعي مهم، فيصبح هذا النوع من الصحافة متميزا عن غيره من أنواع الصحافة الأخرى، التي تعتمد في الغالب على تقديم الأخبار بشكل فوري وسريع وحصري.
وتسعى الأقلام الثقافية إلى تقديم نقد ثقافي يهدف إلى تطوير الفكر الاجتماعي، وليس مجرد نقل الأحداث كما هي، فيتجاوز الصحفي الثقافي نشر الأخبار إلى إغناء الحوار العام بمحتوى فكري يقدم رؤى جديدة حول مختلف الموضوعات الثقافية، وليس البحث عن الإثارة أو الجدل، وإنما تركز على تقديم تحليلات تساهم في رفع الوعي الثقافي وتوسيع الأفق الفكري للقراء مهما كان مستواهم الدراسي، ومن خلال النقد الفني أو الأدبي ودمجه مع القضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على الإنتاج الثقافي، وتفتح المجال للحوار حول القيم والأفكار التي تشكل المجتمع.
وتبتعد هيئة تحرير الثقافة عن الانسياق وراء الضغوط الإعلامية التي تدفع إلى تبني موضوعات شائعة لا تتسم بالجدية، في حين تتسابق وسائل الإعلام الأخرى وراء الأخبار السريعة التي تثير الجدل أو تجذب الأنظار،بينما تظل الصحافة الثقافية محافظة على استقلالها الفكري ولا تهدف إلى تحقيق الشهرة السريعة أو كسب الزيارات والقراءات بناءً على الإثارة فقط، دون النظر إلى العناوين المثيرة أو القصص التي تجذب الانتباه لأغراض تجارية.
وتلعب الصحافة الثقافية دورا كبيرا في تشكيل الوعي الثقافي والفكري للمجتمع، من خلال تناول القضايا الثقافية والفنية بطريقة بسيطة ونقدية، مساهمة في نشر الأفكار التي تفتح آفاقًا جديدة للقراء، سواء كانت المقالات تناقش الروايات الحديثة أو الأعمال الفنية أو قضايا الهوية الثقافية، تساعد الصحافة الثقافية في تحديد ملامح الفكر الثقافي السائد وتحديات، .ورغم دورها الحيوي تواجه الاقلام الثقافية العديد من الاغراءات كالانجذاب نحو الصحافة السريعة التي تركز على مواضيع الترند، كما في عصر السرعة والتكنولوجيا تصبح الصحافة الثقافية عرضة للتهميش لصالح الأنواع الإعلامية التي تهدف إلى تحقيق عوائد سريعة من خلال الأخبار العاجلة أو المواضيع ذات الطابع الجماهيري، بينما تكافح الصحافة الثقافية في ظل قلة الدعم المالي الذي يتلقاه هذا النوع من الصحافة.
ويدفع هذا التخصص الصحفي إلى التساؤل والنقد المستمر للظواهر الثقافية والاجتماعية، ويفتح الباب أمام المناقشات الفكرية التي تساهم في تعزيز قدرة المجتمع على التعامل مع تحديات العصر، وتظل عنصرا أساسيا في المشهد الإعلامي، فتقدم نقدا وتحليلا ثقافيا هادفا بعيدا عن التبعية للتريندات السطحية، ومن خلال ابتعادها عن البوز وركض الشهرة، تقاتل في نشر الوعي الجماعي وتقديم محتوى يثري الفكر ويحفز النقد البناء.
ويسارع المجتمع عادة إلى ملاحقة أخبار المصائب والكوارث والفضائح الشخصية، وكأنها مادة مهمة في الحياة، بينما تترك أخبار الإنتاج الثقافي والفني المفيدة معرفيا رغم أهميتها في الهامش دون اهتمام يذكر، وهذا السلوك يعكس خللا في الأولويات الثقافية، فيفضل البعض استهلاك ما يثير الفضائح على ما يثري الفكر والروح، ووفي ظل هذا الإقبال على الأخبار السطحية يتراجع التقدير للإبداع الفني والأدبي أيضا، وهذه حقيقة تؤثر سلبا على دور الثقافة في بناء الوعي الاجتماعي، بينما هذه الظاهرة تحتاج إلى إعادة نظر لأننا نعود إلى الوراء رغم التقدم التكنولوجي.