الكاظمي وسبل إنقاذ العراق من سيطرة إيران

الطبيعي أن يتحرك العراق ليعزز علاقاته مع دول الجوار العربية. غير الطبيعي أن يبقى حبيس إيران.
ايران جردت العراقيين من كل معالم الثروة والسيادة
اذا بقيت إيران مهيمنة على العراق فهي تسعى لتحويل المنطقة الى ساحات صراع بين القبائل والدول

كلما أراد العراقيون أن يتنفسوا الصعداء، عندما ينفتح بلدهم على المحيط العربي، تتحرك إيران بالاتجاه المضاد، وتقود حملة حرب نفسية شعواء، وكأن "إنقلابا" على وشك أن يحدث في العراق.

وما إن أدرك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن إنفتاح العراق على محيط جواره العربي والأقليمي والدولي، ينعكس بآثاره الإيجابية، لكي يعود العراق الى مكانه الصحيح، بعد سنوات من الإنقطاع، حتى راح يتحرك بإتجاه أن يبحث عن استراتيجيات عمل عربي مشترك، يعيد حالة التوازن المفقودة، بل والمختلة، الى ما كانت عليه، قبل عقود، فكانت الاردن ومصر والسعودية ودول الخليج العربي وحتى تركيا، إحدى البوابات التي تحقق له هذا التحرك، وهو الأمل الوحيد، من وجهة نظر العراقيين، الذي بإمكانه أن ينتزع العراق من مخالب إيران.

تحرك الكاظمي هذا جوبه بحملات شرسة من قوى سياسية عراقية، ومن ايران نفسها، التي وجدت في تحركات من هذا النوع، أن يكون بمقدور العراق مستقبلا الخروج من شرنقة إيران، وبالتالي تخسر مليارات الدولارات تحصل عليها سنويا، عندما كانت تمسك بقبضتها على هذا البلد، ولا تريد أن ينفتح العراق على محيطه العربي، وهي تذكر على الدوام، بمواقف العرب الكثيرة، التي تدعي فيها أن العرب أداروا ظهرهم للعراق، بعد عام 2003، وان إيران هي من مدت يد العون للعراق، وساعدته في حربه ضد الارهاب.

وقد أيقن العراقيون بعد كل تلك السنوات العجاف أن حال بلدهم يتدهور يوما بعد آخر، وأن محافظات الوسط والجنوب تسوء أحوال شعبها، قبل المحافظات الأخرى، وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات وحركة المعارضة بشكل واسع من قلب تلك المحافظات، وهم أكثر من رفعوا شعار، أن يجد العراق له مكانا آخر، لكي يتخلص من هيمنة ايران على مقدرات بلدهم، وان الأخيرة جردتهم من كل معالم المال والثروة والسيادة، وإستحوذت عليها كلها، في وقت يزداد حال العراقيين فقرا وتنهار بنيتهم التحتية، ويتكالب الإرهاب عليهم من كل حدب وصوب،، ولم يجد العراقيون سبيلا للخروج من أزماتهم التي إستفحلت سوى أن يبحثوا لهم عن جهات عربية تنقذهم من حالة الضياع والفقر والتشرد، ويتم انتقال المال العربي وثروات العراق الاقتصادية بين العرب، ليكون لهم وجود مؤثر وفاعل، ويتخلصوا من آثار عزلة قاتلة أضرت بهم، وقتلت آمال أجيالهم، التي راحت تبحث عن لقمة عيش كريمة دون جدوى.

خطوة الكاظمي بالتحرك على المحيط العربي، هي السبيل الأمثل لإخراج العراق من أزماته الخانقة، فهو القلب النابض للعرب، وتتطلع أعينهم عليه ليجدوا فيه مكانهم الرحب، برغم كل التهديدات التي يواجهونها وعوامل الترهيب التي يشهرونها بوجه الكاظمي وكل قادة العرب، إلا أن الانفتاح العربي على العراق، يبقى هو الأمل الوحيد الذي يعلق عليه العراقيون الآمال، لكي يخلصهم من حال لا يحسدون عليه، ومن وضع مأساوي، سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي، راح يكبل بلدهم بقيود ثقيلة، وهم يتجرعون مرارة هذا التدهور الذي تتسارع خطاه يوما بعد آخر.

وعندما ندعو ونرحب بهذا الإنفتاح العربي، فإن المطلوب من المحيط العربي هو الآخر أن يفتح ذراعيه أمام إخوته العراقيين، ويسهل عملية إنتقالهم بين دوله، وأن لا تبقى الإجراءات الروتينية السابقة في عرقلة دخولهم، تحول دون تحقيق رغبة العراقيين في أن يكون لهم حضور مقابل في محيطهم العربي، في وقت يكون من المفيد الإستفادة من خبرات وعقول وثروات العراقيين في الدول العربية للعودة الى العراق ويسهموا في إعماره ونهضة بلدهم، وما موجود منهم خارج العراق، وما يمتلكونه من إمكانات وكوادر دولة وخبرات وثروات، أن تنتقل خيراته الى داخل بلدهم، وهو ما يأمله العراقيون، من أي انفتاح عربي، تتسع نطاق إنطلاقته يوما بعد آخر.

وليس في تفكير العراقيين، ما يشير الى انهم يسعون لقطع العلاقات مع إيران، بل يريدون أن يكون لديهم تعاون مشترك معها يحافظ على سيادة بلدهم، ولا يكبل أجيالهم باتفاقيات تخل بمبدأ " التوازن " في علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي والدولي، فلا ناقة للعراقيين في أية حالة عداء مع أي كان، وهم يريدون أن تصان سيادة بلدهم وتحترم كلمته، عندما يريدون أن يقرروا نوع وشكل النظام السياسي الذي يتناسب مع طموحاتهم وآمال شعبهم المتعدد الأعراق والقوميات والمذاهب والأديان، لا أن يحاول الآخرون فرض "أنظمة دينية" عليهم، تحت أي مبرر.

والقمة الثلاثية المرتقبة بين قادة العراق والاردن مصر وحضور زعماء هذه الدول الى العراق في وقت قريب، وزيارة الكاظمي المرتقبة الى السعودية هذا الاسبوع، والتبادل التجاري الذي توسعت آفاقه مع دول الخليج والمحيط العربي عموما، هو الأمل المرتجى للعراقيين، وهم يجدون في تحركات السيد الكاظمي، ما يمكن أن يزرع علامات التفاؤل والأمل في صدورهم، بعد إن ضاقت بهم أحوال الدنيا، في وقت يتلمس العراقيون ضوءا قد إنفتح عليهم في نهاية النفق، وهو بإمكانه أن يغير معالم حياتهم وينقذ أجيالهم من مهاوي الضياع، والا فإن بقيت إيران وحدها هي المهيمنة على مقدرات بلدهم، فهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة وبطش لكي يتحول العراق والمنطقة، الى ساحات صراع بين القبائل والدول، لا تترك للعراقيين بقايا أمل بالحياة، وهي تريد إشعال نيران حروب وصراعات، لا تبقي ولا تذر.