الكهرباء في العراق مسألة سياسية أيضا!

إيران لا تريد عراقا مضيئا. ظلامية الفكر والعقيدة والطقوس لا تكتمل إلا بالظلام الذي يعم كل نواحي الحياة.
مرت أوقات نسي العراقيون فيها الكهرباء
إيران تسجل واحدا من أهم انتصاراتها البائسة في العراق
ليس مستبعدا أن يلجأ الفاسدون إلى حرب الكهرباء لإظهار ولائهم لإيران ولإسقاط الحكومة الضعيفة

انتاج الكهرباء ذاتيا في العراق هو خط إيراني أحمر. اما الدعوة إلى تجاوز ذلك الخط فهي أشبه بالمس بالمقدسات الذي يُعاقب صاحبه بالقتل.

إيران لا تريد عراقا مضيئا. ذلك يشمل الروح والمادة على حد سواء. ظلامية الفكر والعقيدة والطقوس لا تكتمل إلا بالظلام الذي يعم كل نواحي الحياة.

إن رغب العراقيون بالكهرباء الوطنية التي لا تنقطع فعليهم أن يشتروها من إيران وبأسعار تفوق الأسعار الدولية بأضعاف. ليس هناك مَن يُنافس.

اما إذا بحث العراقيون عن مصادر بديلة عن إيران، كأن يتوجهوا إلى الجارة الشقيقة السعودية مثلا فذلك معناه انحيازا سياسيا سيكون عقابه حرب شوارع بين المتظاهرين وفصائل الحشد الشعبي وهو ما حدث قبل سنوات.

لا تتعامل إيران مع كهرباء العراق باعتبارها ملفا إنسانيا وفنيا لا علاقة له بالسياسة. العراق بلد يتميز بطقسه القاسي وبالأخص صيفا. مقابل ذلك فإن العراق دولة ثرية في إمكانها أن تستعين بكبرى شركات انتاج الطاقة لتأسيس محطات توليد للكهرباء ولكنه عاجز عن القيام بذلك.

يُقال رسميا إن الدولة العراقية أنفقت أكثر من ستين مليار دولار على مشاريع كهرباء وهمية. ذهب جزء من تلك الأموال إلى إيران فيما استولى ممثلو الأحزاب في وزارة الكهرباء بما فيهم الوزراء على الجزء الآخر.   

وبالرغم من أن الحكومة العراقية كانت تسدد ما يترتب عليها من أموال بسبب استيراد الطاقة من إيران فإن ديون الأخيرة لم تنخفض بل كانت تتزايد في استمرار من غير أن تكون هناك مقاصة معلنة بين الطرفين.

كانت الكهرباء العراقية مناسبة لحصول إيران على استثناء طويل الأمد من العقوبات المفروضة عليها أميركيا. ذلك هو سر بقاء الديون في مستوى ثابت. لم يحدث ذلك بمعزل عن تواطؤ الحكومات العراقية المتعاقبة.  

مرت أوقات نسي العراقيون فيها الكهرباء. هي الأوقات العصيبة التي تغولت فيها الميليشيات واتسعت دائرة العنف ضد المدنيين وصار الإرهاب منظما وقريبا من دوائر السلطة بما يضع الحكومة في موقع الشبهة بل والاتهام بسبب غموض موقفها. ذلك ما جرى في عهد عادل عبدالمهدي الذي عاد المحتجون على سوء الخدمات إليه وأسقطوه.

ربما سيُكتب تاريخ الكهرباء لوحده بمعزل عن تاريخ العراق الجديد الذي بدأ مسيرته المعاصرة منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي.

لقد شهد ذلك التاريخ صنوفا متعددة من الخداع والكذب والايهام والتزوير واللعب المجاني بالحقيقة وحاجات البشر الماسة التي تتعلق بقدرتهم على مقاومة الظروف المناخية وكل ما تيسره الكهرباء من خدمات.

حسين الشهرستاني الذي يُقدم بصفته عالما نوويا قال باعتباره وزيرا للطاقة قبل سنوات إن العراق سيكون في إمكانه خلال أشهر أن يصدر الكهرباء إلى دول الجوار. وليس هناك من بين دول الجوار ما يحتاج إلى الكهرباء سوى سوريا المسكينة التي هي حليفة إيران.

ذات مرة أُعلن أيهم السامرائي وكان يومها وزيرا للكهرباء أنه ذاهب إلى النجف لمقابلة السيد علي السيستاني رغبة منه في الاطلاع على رأي المرجعية بمسألة الكهرباء كما لو أنها مسألة دينية. بعد ذلك صدرت أحكام قضائية باعتقال السامرائي بتهمة الفساد غير أن القوات الأميركية هربته إلى الخارج باعتباره مواطنا أميركيا.

وهكذا فإن ملف الكهرباء صار يتضخم مع الوقت. كانت وزارة الكهرباء واحدة من أغنى الوزارات لذلك كان الصراع عليها محتدما بين الأحزاب التي يرغب كل حزب منها في أن تكون الصفقات الوهمية من حصته ويكون في الوقت نفسه مقربا من إيران لما يسديه لها من خدمات من خلال إعاقة أي صفقة حقيقية تُعقد مع جهة عالمية تُظهر جدية في العمل لإنهاء المشكلة التي صارت مستعصية على الحل كما حدث مع شركة سمينز الألمانية.

كل الحروب متوقعة في العراق. وليس مستبعدا أن يلجأ الفاسدون إلى حرب الكهرباء لإظهار ولائهم إلى إيران أولا ولإسقاط الحكومة الضعيفة ثانيا وثالثا للحيلولة دون انتقال الشعب العراقي إلى مرحلة التفكير في إمكانية إسقاط النظام. فالكهرباء هي العقدة التي لا تُحل بالقوة الذاتية بل من خلال الاستعانة بالجارة إيران فهي الدولة الوحيدة التي ترتبط الكهرباء بنورها العقائدي. إنها تضيء دنيانا وآخرتنا. وهي التي تمشي بنا نحو الخلاص هنا وهناك.
ذلك ما يقوله الفاسدون وما يجب أن يصدقه الشعب العراقي مستسلما لقدره الذي حرمه من حكومة صادقة ووطنية وحريصة على أمواله ولا تهدر كرامته في كل لحظة تشعر إيران فيها بالتفوق بسبب أمر تافه هو الكهرباء.    

تسجل إيران واحدة من أهم انتصاراتها البائسة في العراق من خلال ملف الكهرباء مستعينة بحشد من الفاسدين الذين يرتكبون كل لحظة جريمة في حق شعب صار يدرك أن الفاسدين لم يكتفوا بسرقة أمواله بل صاروا يضحكون عليه وهو يلجأ إلى الاحتجاج من خلال مشاهد هزلية هزيلة ورثة.