المتريفون

بقلم: كرم نعمة
يبدو الممثل الريفي  أشبه بـ "دمية جامدة" عندما يؤدي دور صاحب مقهى بغدادية
يبدو الممثل الريفي أشبه بـ "دمية جامدة" عندما يؤدي دور صاحب مقهى بغدادية

لو تسنى لبعض ممثلي اليوم تحسس كلمة "باشا" كما يلفظها يوسف العاني مثلا ببائها الانكليزية المعطشة، وبحس "ستانسلافسكي" وهو ينظّر لإعداد الممثل، لعرفوا ما دلالة اللهجة في الأداء، وكيف تعبّر عن روحية المكان وأثر الدور في العمل الفني.

وهذا الكلام ليس محض "جنوب وشمال" وإنما هو خصوصية أداء مجتمعي مرتبط بطبيعة المكان ونوعية الشخوص الذين عاشوا عليه.

وتبدو البيئة العراقية اليوم "انموذجا" للقياس عليها بعد أن تسيّد "المتريفون" الواجهة من المنطقة الخضراء حتى شاشة التلفاز.

ولنا أن نتخيل حشد الممثلين الذين لم يغادروا لهجتهم القروية وهم يؤدون دوراً لشخصية بغدادية، وكيف يسقطون في "فخ جغرافية مرتبكة"!

كم سنبدو سعداء مع ذاك الممثل عندما يبرع بدوره الريفي المتسق مع طبيعته، لكنه سيبدو أشبه بـ "دمية جامدة" عندما يؤدي دور صاحب مقهى بغدادية في الأربعينات مثلا.

هو ليس مهيئاً للأداء الفني عندما ينطق المفردات البغدادية بحسه الريفي، وليس بمقدور ممثل كوميدي آخر أن يبرع وهو يؤدي دور موسيقار عراقي من ذاك الزمن البغدادي.

براعة الممثل تكمن في قدرته على تجسيد مخارج الحروف وفهم دلالة اللهجة، وهو أمر يشترك المخرج في تحديده أيضا.

ولو كان مخرج العمل غير قادر على تخيّل روح المشهد قبل تحريك العدسة، فسيسقط مع ممثله في الفخ نفسه.

غالبية المسلسلات العراقية التي جسدت واقعاً تاريخيا من القرن الماضي، كانت تجسد بامتياز في جانبها الآخر صورة عن "مجزرة لهجات" اشترك فيها متريفو اليوم، يا للخيبة!

للتواصل مع كرم نعمة

[email protected]