النجاة من المركب الإيراني الغارق

جف الضرع الإيراني فبدأت الميليشيات الموالية بالتفكك.

في ما يتعلق بنوع النظام السياسي الذي يمكن أن يخلف نظام الملالي في حالة سقوطه فإن الأمر سيكون منوطا بالشعوب الإيرانية. ذلك حقها وواجبها في الوقت نفسه. تلك شعوب ناضجة على المستوى السياسي تؤهلها التجارب المريرة التي مرت بها عبر عقود القهر والتعسف أن تختار ما يناسبها.

لقد عُزلت إيران عن العالم بسبب سياسات نظامها المنفصل عن العصر وهو ما لا يليق بشعوبها التي تتوق إلى الحرية ولا يتسق مع وضعها الاقتصادي الحقيقي ولا مع حجمها الجغرافي والبشري في المنطقة.  

الحديث عن ذلك الأمر قد يكون سابقا لأوانه.

غير أن ما أجده ملحاً في هذه المرحلة الحساسة أن يتم الحديث عن مصير الأذرع العميلة التي كانت إيران تفاخر بها وتمثل عنوانا لنجاح مشروعها التوسعي الذي كان يهدف إلى قضم أجزاء من العالم العربي وضمها في مستقبل قريب إلى الامبراطورية الفارسية التي ستكون بغداد عاصمتها حسب تصريح أحد جنرلات الحرس الثوري.

الخيال الهمجي الإيراني لم يكن بعيدا عن الواقع.

لقد امتدت الأذرع الإيرانية من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر. ذلك ما لم يكن يحلم به الخميني صاحب نظرية تصدير الثورة الإسلامية من إيران إلى العالم.

حسب الخارطة السياسية في المنطقة فإن حزب الله هيمن على الدولة في لبنان وتمكن الحشد الشعبي وهو مجموعة الميليشيات الموالية لإيران من الحكم في العراق وفي اليمن اسقط الحوثيون الشرعية واحتلوا العاصمة وعددا من المحافظات. أما في سوريا فقد تمكن حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية من السيطرة على مساحات من الأرض كانت بمثابة موطئ قدم إيرانية على الأرض السورية.

كان ذلك هو الواقع غير أنه الواقع الذي يخون الحقيقة.

كان نظام آيات الله غبيا حين أعتقد أن في إمكانه أن يعيد رسم خارطة المنطقة بما ينسجم مع شهواته العقائدية. لم يكن هناك منطق سياسي في افتراس العراق وسوريا ولبنان واليمن معا. تلك دول على أهميتها فإنها تحيط بخزان النفط العالمي الذي يشكل العراق جزءا مهما منه.

اليوم يتجلى ذلك الغباء في أكثر صوره وضوحا.

لقد صارت إيران عاجزة عن تمويل أذرعها التي جربت القيام بعمليات التمويل الذاتي غير أنها فشلت في ظل الملاحقة القانونية الدولية.

لقد تقطعت السبل بتلك الأذرع ولن يصل الإمداد وصار الصدام بالمجتمعات المحيطة متوقعا ولكنه لن يشكل الحل. لن يتمكن حزب الله من استعادة هيمنته بعد أزمة المصارف في لبنان وانهيار سعر صرف الليرة وتعثر تدفق التحويلات الخارجية وهو ما فعله هبوط أسعار النفط بالميليشيات العراقية. اما الحوثيون في اليمن الذين ليس لهم ما يقتاتون عليه سوى التمويل الإيراني فإنهم صاروا في حالة إفلاس.

في سوريا لم تبدأ إيران في سحب ميليشياتها كما يُشاع بل أن تلك الميليشيات كانت قد قررت الإنسحاب بعد أن تدهورت أحوالها المالية.

كان هادي العامري وهو الزعيم الحقيقي للحشد الشعبي في العراق صريحا في طلب النجدة حين أكد على ضرورة أن تطلب حكومة بلاده المساعدة من الولايات المتحدة من أجل تخطي الأزمة الاقتصادية.

من المؤكد أن الكثيرين يفكرون في القفز من المركب الإيراني الغارق. غير أن هذا التفكير بالرغم من دلالاته العميقة لا يشكل إلا بداية لحل سيستغرق الوصول إليه زمنا طويلا. وهو ما يجب التعامل معه بحذر.

لقد دمرت الميليشيات الإيرانية سبل العيش ومزقت النسيج الاجتماعي وأطاحت بدول مدنية ونهبت المال العام واقامت دولة داخل الدولة. لذلك لا يمكن احتواؤها من غير مساءلتها. وهو ما سيتسغرق زمنا طويلا.

مع مرور الوقت الذي هو ليس لصالح إيران سيزداد عدد الراغبين في القفز من المركب الإيراني وهو ما يتطلب من شعوب المنطقة أن تكون على يقظة. ذلك لأن ستكون في مواجهة جيش من حملة السلاح السابقين، المغسولة أدمغتهم الذين لوث السم الإيراني وعيهم الوطني.