الياسمين على عتبة الحقيقة

رسائل وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون تسلط الضوء على جانب مهم من وصول الإسلاميين لقدرة السيطرة على الحكم في تونس.
قيادات الجيش تخلت عن بن علي في قرار لا تزال أسبابه غامضة
الإسلاميون تسلموا السلطة في تونس بتخطيط أميركي
الواقع التونسي لن يستوعب أن ثورة الياسمين كانت بدعم مخابراتي أميركي

"لم تكن ثورة إلياسمين سوى انقلاب حدث في القصر الرئاسي". تلك فكرة راودت خيال الكثيرين حين النظر إلى التحول الذي شهدته تونس، يوم غادر زين العابدين بن علي تونس على أمل العودة إليها غير أنه مات بعيدا عنها.

لم تنطو تلك الفكرة على محاولة للانتقاص من إرادة الشعب التونسي الحرة أو التحايل على وقائع جرت على الأرض.

لم تكن هناك أكاذيب من النوع الذي يلغي الحقيقة. كان هناك محمد البوعزيزي، البائع المتجول الذي أحرق نفسه احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية الصعبة وكان هناك شعب شعر بالذنب لأنه ترك ذلك الشاب لقدره. كل ذلك كان صحيحا. غير أنه لم يكن كفيلا باسقاط نظام سياسي عُرف بكفاءته الأمنية.

ما عزز تلك الفكرة أن الجماعات الإسلامية وهي عادة ما تكون اخوانية الولاء كانت مستعدة لإستلام الحكم بعد أن تخلت قيادات الجيش عن بن علي في قرار لا تزال أسبابه غامضة.

كان الغدر مبيتا. فمَن غدروا ببن علي كانوا على استعداد للغدر بالشعب التونسي. ذلك ما حدث بالرغم من أن التونسيين بذلوا جهودا عظيمة من أجل بناء حياة سياسية ديمقراطية صارت حاضنة لأفكار هي في حقيقتها لا تمت بصلة إلى ما سمي بثورة إلياسمين.

حاول التونسيون أن يتخطوا الحقيقة من أجل حقيقة تلهمهم الحياة. ولكن حركة النهضة أفشلت كل شيء. فهي التي أوكلت لها بأمر الواقع أو بالإيحاء عن بعد مهمة التغيير في سياق خطة أميركية محكمة كشفت عنها رسائل هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي لم يكن يرى مستقبلا للعالم العربي إلا في ظل حكم جماعات الإسلام السياسي.

كانت تلك هي الرسالة الأميركية المبطنة.

قاومت تونس قدرها الأميركي. ولكنها لا تزال في النفق. لم تكن ثورة إلياسمين كذبة. غير أن نتائجها كانت في جزء منها من صنع المخابرات الأميركية كما يظن البعض.

تلك معادلة صعبة لن يكون الواقع التونسي قادرا على استيعابها.  

كانت الحياة السياسية الهشة عقب سقوط نظام بن علي غير مؤهلة بشكل كامل وفي وقت قياسي لانتاج أحزاب مدنية، تكون قادرة على مجابهة تيار الإسلام السياسي المتمثل بحركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها المعارض السابق راشد الغنوشي.

كل الأحزاب المدنية التي خرجت إلى العلن بعد الثورة كانت أشبه بتجمعات هواة بالرغم من أن حماسة ووطنية مؤسسيها كانتا حقيقيتين.

حركة النهضة هي الحزب الوحيد الذي كان يتميز بالاحتراف. اضافة إلى أن وجوده على سدة الحكم ينسجم مع المخطط الأميركي الذي يقف وراء ثورات الربيع العربي. وكان التركيز على مصر وتونس شديدا.

كان هناك خوف أميركي من أن تحدث ثورة مضادة في تونس بعد مصر التي تخلصت من حكم الإخوان عن طريق استفتاء شعبي مباشر دعا إليه عبدالفتاح السيسي الذي أدرك أن بلاده تواجه خطر الانزلاق إلى حرب أهلية.

لأسباب كثيرة نجحت حركة النهضة في أن تتسيد المشهد السياسي بعد الثورة مباشرة بالرغم من أن أحدا لا يمكنه أن يؤكد أن الإسلاميين كانوا من صناع الحدث الانقلابي.

وبالرغم من الهزائم التي منيت بها حركة النهضة عبر السنوات الماضية، وبالرغم من أن تلك الحركة كانت قد فقدت الكثير من شعبيتها غير أنها لا تزال تقف في مقدمة المشهد على الأقل على مستوى السلطة التشريعية.

غير أن النظرة إلى تلك المسألة ستأخذ مسارا آخر بعد أن افتضح أمر مراسلات هيلاري كلينتون التي ركزت على محاولة الدفع بالإسلاميين إلى السلطة بعد نشر الفوضى الخلاقة من خلال ثورات الربيع العربي.

ما حدث في تونس كان جزءا من تلك الفضيحة.

وليس على الإسلاميين أن يفاخروا بجهادهم واحترافهم السياسي بعد إليوم. كان هناك دعم مالي غير محدود وهبهم القدرة على اللعب بالديمقراطية والتحكم بنتائجها كما لو أنهم كانوا سادتها.