"انحياز" الجيش لقيس سعيد حماية للجمهورية لا لبناء حكم عسكري

قادة الجيش التونسي يرفضون إقحام المؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية مؤكدين أن الجيش ملتزم بحياده وأن نزوله إلى الشارع بعد قرارات الرئيس قيس سعيد، وهو القائد العام للقوات المسلحة، يوم 25 يوليو، كما في ثورة 14 يونيو، يحتمه التزامه بحماية الوطن ومؤسساته وشعبه.
الجيش في نظر التونسيين حامي الديمقراطية والثورة
المؤسسة العسكرية ظلت من أكثر المؤسسات العصية على اختراق النهضة
الجيش التونسي جمهوري ويختلف عن الجيشين المصري والجزائري

تونس - يكّن التونسيون للجيش مكانة خاصة، حتى في عهد النظام السابق حين كانت المؤسسة العسكرية منعزلة في الثكنات وبعيدة عن الشارع. كان مجرد الانضمام للأكاديمية العسكرية يعد شرفا لدى العائلات التونسية.

ظلت هذه المكانة راسخة، بل تدعّمت خلال ثورة 14 يناير وما تلاها من أحداث أجبرت الجيش على النزول للشارع. وصار مع كل أزمة تمر بها البلاد تسمع من ينادي بإنزال الجيش أو تحميله مسؤولية هذا الملف أو ذك، على غرار ما حديث مع الأزمة الصحية وتلاقيح كوفيد-19 والتجاذبات بين وزارة الصحة والحكومة.

وفي الأزمة الأخيرة التي تعيش على وقعها البلاد منذ احتجاجات 25 يوليو 2021، التي أعلن على إثرها الرئيس قيس سعيّد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان، ثم تلا ذلك مجموعة من القرارات والإعفاءات والتعيينات كان الجيش حاضرا، ورفع هذا الحضور من رصيد قيس سعيّد.

فجر إعلان الرئيس التونسي تجميد عمل البرلمان، توجّه رئيس المجلس راشد الغنوشي ونائبته الأولى سميرة الشواشي إلى مقر البرلمان في محاولة لدخوله والاعتصام به قبل أن يطلع الصباح على قرارات سعيد. لكن الغنوشي والشواشي وبقية النواب ومن كان معهم تفاجئوا بوجود أفراد من الجيش أغلقوا باب البرلمان ومنعوا دخول أي كان.

ودار حوار متوتر بين الشواشي وأحد الجنود، الذي رد على النائبة عن حزب قلب تونس حين قالت إنها ومن معها حاضرون " نحن أقسمنا على حماية الدّستور"، فرد الجندي "ونحن أقسمنا على حماية الوطن".

كان لهذا الحوار الرد أثر بالغ على التونسيين الذين تناقلوه على مواقع التواصل الاجتماعي مع عبارات تقدير كبير للجيش واعتبروا أن ما قاله الجندي كفيل ليكون ردّا على التحذيرات  من خطر إقحام المؤسسة العسكرية في المعارك السياسية ما قد يفقدها حيادها.

تقارب الرئيس والجيش

منذ انتخب رئيسا للبلاد في أكتوبر 2019 بأكثر من 70 % من الأصوات، تحاشى سعيّد مسؤولي الأحزاب السياسية وحرص في المقابل على الظهور إلى جانب قيادات عسكرية عليا.

 وكلف سعيّد في ديسمبر إدارة الصحة العسكرية الإشراف على مستشفى جديد شيدته الصين في محافظة صفاقس (وسط). كذلك، عيّن الرئيس مسؤولا عاليا في الجيش على رأس غرفة عمليات إدارة الأزمة الصحية.

وحين اتخذ قراراته في 25 يوليو الماضي، حضرت معه في الاجتماع الطارئ كوادر عليا في الجيش. ولم تمض ساعات قليلة على الخطاب الذي أعلن فيه سعيد قراراته، حتى انتشرت وحدات عسكرية أمام البرلمان ومقر رئاسة الحكومة بالقصبة ومؤسسات حكومية حيوية أخرى. وكان ذلك مصدر طمأنينة للشعب لا مصدر قلق.

ودفع هذا التقارب بين الطرفين عددا من الخصوم السياسيين إلى وصف قرارات سعيّد الاستثنائية بأنها ”دكتاتورية عسكرية”. ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية حاتم مراد أن سعيد “لن يستطيع الفوز دون التعويل على الجيش”. ويتابع مراد أن الجيش “سيرافقه إلى حدود الأهداف المرسومة” أي إعادة دولة القانون على السكة.

يؤيده في ذلك المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي يقوله “نال قيس سعيّد ثقة الكوادر العليا في الجيش… ونجح في إقناعه بأن الدولة أمام خطر داهم”.

مكانة خاصة
مكانة خاصة

ويؤكد الجورشي أن الجيش “خرج قليلا عن تحفظه لكن هذا لا يعني أننا أمام حكم عسكري منذ 25 يوليو”. ويتابع “الجيش لا يحكم وهو يؤطر ويحمي الرئيس ويدعم قراراته من دون أن يكون في الحكم بشكل مباشر”.

جيش جمهوري

يؤكد الجيش في تونس أنه جيش جمهوري. وتعتبر هذه المؤسسة الجهة الأكثر صعوبة في الاختراق من قبل الإسلاميين، الذين لهم تجارب سابقة في اختراق الجيش في الثمانينات باءت بالفشل وحصّنت المؤسسة العسكرية ضد محاولاتهم.

وفي محاولة للثأر من الجيش سعت جهات محسوبة على حركة النهضة والموالين لها من الأحزاب إلى شيطنة المؤسسة العسكرية عبر مقارنتها بالجيش المصري وبالجيش في الجزائري، والتخويف من أن إخراج الجيش من الثكنات سيؤدي إلى تقوية دوره في الحياة السياسية والعامة كما في النظامين المصري والجزائري.

لكن الخبراء لا يتوقعون ذلك، معتبرين لأن عقيدته مبينة على أنه جيش جمهوري ولأن الحياد سمة رئيسية لن يتخلى عنها الجيش التونسي لأنها أكثر ما يقربه من الشعب.

ويوضح العميد المتقاعد مختار بن نصر أنه في ظل نظام يكون فيه رئيس الدولة “القائد الأعلى للقوات المسلحة… الجيش هو القوة الشرعية بيد الرئيس لحماية الدولة والشعب من كل خطر”.

ويتهم الجيش في الجزائر بأنه يدير في الكواليس حكما فقد شرعيته أمام حركات احتجاجية شعبية متواصلة في البلاد منذ أكثر من عامين. وأصبح عبد الفتاح السيسي قائد الجيش رئيسا لمصر في 2013 اثر إسقاط حكم الإخوان بعد خروج المتظاهرين للشوارع احتجاجا.

وخلال موجة الربيع العربي في العام 2011 وفي ساحة التحرير في القاهرة دعم الجيش نظام حسني مبارك ضد المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية. لكن في تونس رفض الجيش إطلاق النار على المحتجين بالرغم من أوامر الرئيس زين العابدين بن علي آنذاك.

وتقول الخبيرة في معهد البحوث حول المتوسط والشرق الأوسط اينيس لوفالوا “لن يلعب الجيش دورا مثلما كان الأمر في مصر” أو في الجزائر وإلى الآن “تمر الأمور عبر النقاش مع رئيس الجمهورية” الذي انتخب بغالبية واسعة.

ويذهب في ذات السياق الصحافي والباحث تييري بريزيون بقوله “بخلاف الجزائر ومصر حيث لديه مصالح حيوية لبقاء النظام، فإن الجيش التونسي يفضل في الأزمات الحادة دفع السياسيين لفرض استقرار المؤسسات”.

ويشير إلى أن عدا من كوادر الجيش المتقاعدين وجهوا في مايو الفائت رسالة مفتوحة للرئيس لتقديم تنازلات في خضم تجاذبات وخلافات سياسية حادة بينه وبين الأحزاب التي تتقدمهم حركة النهضة.