اين تكمن قوة اسرائيل؟

الذين يتحدثون عن تحرير فلسطين وتدمير اسرائيل، أيا كانت مسمياتهم، عليهم ان يكونوا قدوة في التعفف واحترام اموال الناس.

قبل اكثر من عامين، انشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لرئيس وزراء اسرائيل الاسبق ايهود اولمرت، يتناول فطوره في السجن، وقد علق البعض عليها ممتدحا الديمقراطية وقوة القانون هناك حيث لا مجاملة مع احد على حساب القانون، وان كان رئيسا للوزراء! المعروف ان اولمرت سجن لمدة 27 شهرا بتهمة الفساد، قضى منها 16 شهرا، قبل خروجه، بعد ان نشرت له صورة في الصحافة الاسرائيلية بدا فيها هزيلا، ما اثار التعاطف معه ليتم الافراج عنه لاحقا.

لا شك ان الحديث عن الديمقراطية والقانون في اسرائيل، يثير اكثر من سؤال عن معنى القيم والقوانين، اذا كانت تجزّأ على الطريقة الاسرائيلية، اي ان يتم طرد شعب من ارضه لإسكان اخرين محلهم، ولاسباب عنصرية دينية، تتصل بعلاقة تاريخية مزعومة بالارض، عفا عليها الزمن. ومازالت هذه الممارسات مستمرة الى اليوم ضد الفلسطينيين، بالتزامن مع الصرامة في تطبيق القوانين على "المواطنين" الاسرائيليين، مهما كانت مواقعهم الوظيفية.

وبعيدا عن هذا الامر او التعليق عليه، يعنينا في هذه السطور، الحديث عن مسالة جوهرية، لها صلة بطبيعة التعامل العربي مع اسرائيل او مواجهتها، بوصفها غاصبة للحق ومعتدية، اذ ان الكثيرين ممن رأوا صورة اولمرت تلك، قارنوا بين واقع الدول العربية في ظل انظمة فاسدة وقوانين مهلهلة، تمنح الحاكم حصانة وتجعله فوق الشعب، او يتم تجاوزها باستهتار، من قبل المسؤولين، لانهم يرون انفسهم فوق القانون، وبين اسرائيل "دولة المؤسسات)". لاشك ان الذي يهضم حق الاخرين ويشردهم من بيوتهم، لن يكون عادلا، وان بدا كذلك مع ابناء قومه، لان هذه ممارسة عنصرية تجعل العدالة والديمقراطية فاقدة لجوهرها، وهو ما يؤكد عليه اليساريون والانسانيون اليهود في اسرائيل ممن يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني، مثل جماعة "المؤرخون الجدد" و"السلام الان" وغيرهم من الاحرار التقدميين. لكن هذا لا يعدم حقيقة، ان ما تقوم به المؤسسات الاسرائيلية في الداخل، جعل منها قوية وهي تواجه العرب، ليس فقط بما تمتلكه من اسلحة متطورة، او ما يصلها من دعم خارجي كبير، بل لانها تعمل بذلك على ترصين جبهتها الداخلية، وتجعل مواطنيها يشعرون انهم محميون، لان القانون يطبق على الجميع من دون استثناءات او مجاملات.

 اعجاب البعض من العرب بما رأوه في حكاية اولمرت وغيرها، قد يعكس فهما سطحيا وقراءة انفعالية تجعل المقارنة هنا غير مناسبة، لان هذا يبرر مبدأ استيلاء الاقوياء المتحضرون على الشعوب الضعيفة غير المتحضرة، واعادة انتاج الاستعمار المباشر، الذي جاء في سياق ظروف مفهومة ومرحلة تاريخية تتحمل نسبيا هكذا ممارسات. لكن هذا الاعجاب يعكس ايضا حجم الاحباط الذي يعيشه المواطن العربي، وهو يرى بشكل مستمر الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تحدي اسرائيل وضرورة التعبئة ضدها، بينما يلمس الممارسات اليومية الخاطئة، التي اوصلت العرب او بعضهم الى تلك المقارنة المشفوعة باعجاب هؤلاء بديمقراطية اسرائيل، وايضا بقوتها التي قهرت بها العرب، والتي لا يمكن اختزالها بالجانب العسكري فقط، وان كان حقيقة شاخصة، بل بقوة المؤسسات التي تضبط المعادلة هناك وتديم حركة الدولة الى الامام باستمرار. وهذه حقيقة لا يمكن اغفالها، مستذكرين هنا امكانيات اسرائيل الستينيات بما هي عليه اليوم، مقارنة بعرب الستينيات وما هم عليه اليوم، حيث التراجع المستمر. ومن ينظر الى قوة العملة وقتذاك، مقارنة بقوتها اليوم، في كل البلدان العربية، سيكتشف مقدار الانحدار الذي وصلنا اليه.

خلاصة ما نريد الوصول اليه في هذه السطور، هو ان الذين يتحدثون عن تحرير فلسطين وتدمير اسرائيل، أيا كانت مسمياتهم، عليهم ان يكونوا قدوة في التعفف واحترام اموال الناس، وتجنب الموبقات، وهذه هي سمات الثوار الحقيقيين، لا ان يتقنعوا بالثورية ويمارسوا دور المافيات لسرقة اموال شعوبهم، التي يريدون ان يحرروا فلسطين بها!