بايدن ليس ترامب ولكنه لن يخونه
للحزب الديمقراطي أسبابه لترشيح رجل مسن مثل جو بايدن لمنصب رئيس الولايات المتحدة، ليس من بينها أن الحزب يخلو من قيادات شابة مؤهلة.
ربما لأن للحزب سياساته التي يريد أن يمررها من خلال وجود رئيس لا يحلم بولاية ثانية كما لا يزال الرئيس دونالد ترامب مصرا على القيام به.
ما يفكر فيه الديمقراطيون أمور تتعلق بالحياة الداخلية قي الولايات المتحدة وبعد ذلك العلاقات بالعالم وسيقع الشرق الأوسط كالعادة على هامش اهتماماتهم التي ستحتل الصين وأوروبا حيزا كبيرا فيها.
أول ما يتبادر إلى الذهن فيما يتعلق بالعرب أن بايدن هذا كان قد اقترح يوما ما مشروعا لتقسيم العراق. نحن نتذكر ذلك المشروع جيدا. غير أن بايدن نفسه قد لا يتذكره. فهو اقتراح ليس إلا. وقد يكون كلاما عابرا قاله الرجل في لحظة جهل سياسي.
في المسألة الأساس يراهن الكثيرون على أن بايدن سيقلب سياسة الولايات المتحدة في ما يتعلق بالشرق الأوسط رأسا على عقب. وهذا ما دفع جماعة الإخوان المسلمين وإيران سوية على العمل بين الأوساط المسلمة الأميركية في اتجاه منح الأصوات إلى بايدن ولا يُخفى ما انطوى عليه ذلك الأمر من نفقات مالية هائلة كانت بمثابة رشى سياسية.
وفي ذلك الرهان طريقة نظر ساذجة وسطحية إلى واقع السياسة الأميركية وطريقة الإدارة في التعامل مع متغيرات الأحداث في العالم في سياق ما اتخذته تلك الإدارة من قرارات في الماضي وما ستتخذه في المستقبل.
فليس صحيحا أن التراجع عن قرارات اتخذتها إدارة الرئيس ترامب سيكون ميسرا وبطريقة تلقائية بحيث ينتظر البعض أن تعود الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي المبرم مع إيران وأن ترفع عنها كل العقوبات.
في السياق نفسه فإن العودة إلى ظاهرة الربيع العربي وإعادة تأهيل جماعة الإخوان ليكون بيدها الحل والربط في ما يتعلق بمصير عدد من الدول العربية ليست سوى حلم، في القبول به نوع من العته.
لقد أُنفقت أموال هائلة من أجل خرافتين. إيران وجماعة الإخوان.
بايدن ليس أوباما وإن كان نائبه الذي لا يحل ولا يربط.
ليس لأنه لا يرغب في أن يكون أوباما جديد. ذلك أمرمؤكد فللرجل شخصيته. بل لأن العالم قد تغير والشرق الأوسط قد تغير. قلب ترامب المعادلات القائمة هناك منذ نصف قرن. المعادلات الجديدة لا يمكن التراجع عنها أو قلبها بسبب أنها قائمة على فكرة السلام باعتبارها جوهر حياة. وهو ما لا يمكن أن تقاومه الولايات المتحدة من أجل أن تفرض إيران معادلتها القائمة على الحرب.
ما ينتظره الإخوان المسلمون هو الآخر لن يتحقق.
هناك اليوم نظام سياسي قائم في مصر يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسي وهو نظام أثبت كفاءته وقدرته على تطوير الاقتصاد المصري والارتقاء بالوضع الاجتماعي بما لا يسمح بالتدخل من أجل إزعاجه. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن نشر الفوضى في مصر لن يكون مأمون النتائج انطلاقا من كون مصر تمثل قلب معادلة الاستقرار في المنطقة.
ربما نتداول أخبارا محلية لا يعرف عنها بايدن شيئا.
فلست على يقين من أن الرجل الذي دعا إلى تقسيم العراق يعرف ما العراق قبل أن يتحدث إليه مستشاروه عن الشيعة والسنة والأكراد.
واقعيا علينا القبول بذلك المعطى فليست منطقة الشرق الأوسط قلب العالم كما نظن. الجغرافيا يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة.
ولكن ما أنجزه ترامب على مستوى عقد اتفاقيات سلام بين عدد من الدول العربية وإسرائيل لن يكون انجازا منقطعا عن شؤون الشرق الأوسط الأخرى. لقد صنعت تلك الاتفاقيات وضعا سياسيا جديدا بدا العالم من خلاله كما لو أنه يتحرر من جموده القديم ليكون جزءا من العالم. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على التضحية بذلك الإنجاز من أجل ارضاء دولة دينية لم يعد مقبولا أن تكون مصدر تهديد وتخويف لدول المنطقة.
مجنون من يتوقع أن بايدن لو أصبح رئيسا سيحابي حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي في العراق أو الحوثيين في اليمن.
هناك إطار استراتيجي مختلف رعته الولايات المتحدة في المنطقة وسيكون بايدن ملزما به بل وبتطويره.
بايدن لن يكون ترامب. هذا مؤكد غير أنه لن يتنازل عن الانجازات التي حققها ترامب وهي انجازات تُحسب للولايات المتحدة باعتبارها راعية للسلام.