برباق ترصد حالة النشر ومقروئية الشعر في المغرب العربي

الباحثة الجزائرية ربيعة برباق ترى أن المشهد الشعري المغاربي المعاصر في سنة 2018 يصور واقعا فكريا وفنيا وثقافيا منوعا غير متجانس لغويا وغير مستقر نفسيا.
نصيب المشهد الشعري في الجزائر هو الأطول في بحث برباق على حساب المشهدين التونسي والمغربي
لم يستغرق المشهد الشعري في تونس سنة 2018 سوى صفحتين فقط من صفحات البحث البالغة 31 صفحة

ترى الباحثة الجزائرية د. ربيعة برباق أن المشهد الشعري المغاربي المعاصر في سنة 2018 يصور واقعا فكريا وفنيا وثقافيا منوعا غير متجانس لغويا وغير مستقر نفسيا، تجسد في رؤى فنية وفلسفية من خلال نماذج مختارة من النتاجات الشعرية المغاربية لهذه السنة.
وهي تحاول - في بحثها المنشور في تقرير الشعر العربي 2019 الصادر عن أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية - أن تقتطف أجود القصائد المغربية، مع التركيز على تلك الحائزة على الجوائز الدولية والوطنية لسنة 2018 مسلطة ضوء التحليل والتأويل  والنقد على بعض الصور الفنية التي كانت أكثر تميزا في هذه القصائد بنوعيها: العمودية والنثرية أو الحرة.
وقد كان نصيب المشهد الشعري في الجزائر هو الأطول في بحث برباق على حساب المشهدين التونسي والمغربي، فقد استغرق هذا المشهد عشرين صفحة، على حين توزعت عشر صفحة على المشهدين التونسي والمغربي، بل لم يستغرق المشهد الشعري في تونس سنة 2018 سوى صفحتين فقط من صفحات البحث البالغة 31 صفحة، واقتصر هذا المشهد على قصيدة واحدة فقط للشاعر الشاب نصر سامي، عنوانها "محمد"، قالت عنها الباحثة (ص 412) إنها تحتاج تأويلا لفك طلاسمها وفهم مقاصدها، وأعتقد أن هذا هو دور الباحثة أن تأوِّل وتفك الطلاسم الشعرية، لكنها لم تفعل، استنادا إلى أن "المعنى في بطن القارئ" كما تقول في (ص 393).
أما المشهد الشعري في المغرب فقد اعترفت الباحثة أنها "لم تحظ بنصوص القصائد المتميزة في المغرب والحائزة على جوائز نظرا لصعوبة التواصل مع أصحابها"، وكأن الجوائز وحدها هي معيار الجودة في نظر الباحثة، لذا اكتفت بقصيدتين نثريتين للشاعر الشاب نجيب المغرب من مدينة مكناس الغربية، دون تحليل عميق لهما، ولا وقوف على بعض الأخطاء الواردة بالقصيدة مثل "صار القلم أحمقا". والصحيح (أحمقَ) فلا ضرورة شعرية تجعله يقول "أحمقا" لأنه يكتب في إطار قصيدة النثر. 

الباحثة تعترف أنها لم تحظ بنصوص القصائد المتميزة في المغرب والحائزة على جوائز نظرا لصعوبة التواصل مع أصحابها

إن الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن المجلات العربية والمغربية، تضج بقصائد شعراء المغرب، وكانت عليها كباحثة أن تذهب إلى المصادر التي ستجد فيها قصائد لشعراء المغرب وتونس، وأيضا الجزائر، ولا تنتظر أن تأتي القصائد إليها من أصحابها، وفي ظل هذا الغياب للنصوص الذي تدعيه الباحثة تقر بأن المشهد الذي يوضحه الإعلام في المغرب لا يختلف كثيرا عن المشهد في الجزائر.
وقد نسيت الباحثة أنها تكتب بحثا يتناول تقرير حالة الشعر العربي، وليس حالة الشعر المكتوب بالفرنسية، أو الشعر الشعبي، فتقول (ص 413): "كما سُجل حضور معتبر للشعر باللغة الفرنسية مثلما وجدنا عند الشاعر عبدالمجيد بنجلون"، وتشير إلى مرجعها "صفحة بيت الشعر في المغرب" وأتساءل: ألا يوجد قصائد عربية لشعراء المغرب في صفحة بيت الشعر هذه"؟ كما تشيد الباحثة بنشاط الشعر الشعبي الذي تميزت به عدة مناطق في الجزائر، وكذلك في المغرب وتونس، ولكنها للأسف كما تقول (ص 417) "لم أحصل على نصوص مكتوبة لحد الآن".
يتبقى لنا إذن الاطلاع على المشهد الشعري في الجزائر كما رصدته الباحثة د. ربيعة برباق حيث شهد عام 2018 في الجزائر حركية شعرية تحت غطاء سياسي بعد الانتقادات التي قدمت لقطاع الثقافة الذي شهد ركودا كبيرا في السنوات الأخيرة، ومن بوادر هذا الحراك تأسيس بيت الشعر الجزائري، ومحاولة فتح مكاتب تغطي 48 ولاية.
وتتوقف الباحثة عند قصيدة "مملكة الجراح" للشاعر عمر طش (من بحر البسيط)، وقصيدة "جرح الغزال" للشاعر كريم دزيري (من بحر الوافر).
ثم تتوقف عند العنصر النسوي في المشهد الشعري المغاربي والجزائري بصفة خاصة، فتؤكد على أن العنصر النسوي الجزائري كان له حضور قوي وتألق واضح في مختلف المسابقات والمناسبات الشعرية من الشعر العمودي خارج الجزائر وداخلها، ومن الشاعرات الجزائريات اللاتي توقفت عندهن الباحثة؛ الشاعرة آمنة حزمون، التي تقول عنها (ص 397) إنها فازت بالجائزة الأولى لأمير الشعراء لعام 2017، في حين أن الشاعر السعودي إياد الحكمي هو الذي فاز بالمركز الأول في تلك المسابقة الإماراتية، بل إن حزمون لم تكن من الخمسة الأوائل في موسم 2017، حيث حل الحكمي في المرتبة الأولى، يليه الشعراء (بالترتيب): السعودي طارق الصميلي، المصري حسن عامر، الموريتاني شيخنا عمر، ثم العراقية أفياء أمين. 
قد تكون الجزائرية آمنة حزمون صعدت في المراحل الأولى للبرنامج أو المسابقة، لكنها أبدا لم تحقق مركزا متقدما وسط الخمسة الفائزين في آخر حلقات موسم 2017.
ثم تتوقف الباحثة عند قصيدة الشاعرة الجزائرية عائشة جلاب "التي فازت بالمرتبة الثانية للشعر في تونس" بقصيدة عنوانها "تاء التأنيث" (من بحر الوافر) تقول عنها برباق إنها صرخة أنثى تختصر شعورها وفكرها ومعاناتها وصورتها في وعي المجتمع الذي تعيش فيه.
كما تشير إلى الشاعرة شهرزاد مديلة من مدينة تبسة الجزائرية، وقصائدها المضغوطة.  

The case of Arabic poetry
دور الباحثة أن تأوِّل وتفك الطلاسم الشعرية

وتطوي الباحثة صفحة الشاعرات المغربيات دون التعرض لشاعرة من تونس أو المغرب، لتصل بنا إلى الشعر الحر في الجزائر بقولها: "يكاد الشعر الحر وشعر التفعيلة يكتسح المشهد الشعري المعاصر، والمشهد الشعري الجزائري بصفة خاصة"، وسوف نتغاضى عن عطف شعر التفعيلة على الشعر الحر، والمفروض لغةً (يكتسحان) لنقف عند قصيدة "تهمة المتنبي" للشاعر علاوة كوسة التي نعتتها الباحثة بأنها "قصيد نثرية" في قولها (ص 401): "هذه القصيدة النثرية التي نثرت روح الإنسان المعاصر الضائع في الوجود ..." في حين أن القصيدة قصيدة تفعيلية من تفعيلة بحر الكامل (متَفاعلن، ومضمرها – تسكين الثاني المتحرك - متُقاعلن) وليست نثرية على الإطلاق. يقول الشاعر على سبيل المثال:
قد مرَّ عامْ
ونبوءة العرَّاف تسري في دمي
مسرى احتراقاتي 
من الأقصى
إلى البلد الحرامْ
وفي أكثر من قصيدة تخلط الباحثة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، بل إن كل قصائد التفعيلة هي قصائد نثر من وجهة نظرها، وبالتالي تخلط بين مصطلح الشعر الحر، ومصطلح الشعر التفعيلي، حيث تقول عن الشاعر نفسه أن له قصائد أخرى في الشعر الحر منها قصيدة "مقام الرؤى" موضحة أنها "أنموذج للقصيدة النثرية المعاصرة" في حين أن تلك القصيدة أيضا من تفعيلتي بحر الكامل (متَفاعلن ومتْفاعلن).
وأعتقد أن من يقرأ بحث د. ربيعة برباق في "تقرير حالة الشعر العربي" لا يستطيع الوقوف على المشهد الشعري المغاربي في أفضل تجلياته، فهناك شعراء مغاربة مهمون لم تتوقف الباحثة عند تجاربهم الشعرية، بغض النظر عن مشاركاتهم في مسابقات أو منافسات أو مهرجانات شعرية، لأن ما يهمنا في حالة الشعر العربي هو الدواوين والنصوص الشعرية المنشورة وليس ما يصل إلينا فقط عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت بلا شك في تنشيط المشهد الشعري المغاربي، ولكن البحث العلمي الرصين هو ما يعتمد على الإصدارات الشعرية المطبوعة والمنشورة لتكون حجة في يد الباحث والمتابع.