بين الاسلام الاوروبي واسلمة اوروبا

أوروبا تريد إسلاما بريئا من القتل والارهاب ولا يتعارض مع المبادئ الإساسية التي أقيمت عليها.
متظاهرو كوبنهاغن وسياسيو اليمين الأوروبي المتطرف يلتقون عند نقطة وهمية واحدة هي الأسلمة
وهم الحروب المقدسة تفتك بالمتطرفين الإسلاميين واليمنيين وهم يعيشون خارج التاريخ
أسلمة أوروبا فكرة خيالية يمكن أن تكون جاذبة لأجيال من المسلمين

قبل سنوات قليلة شهدت شوارع العاصمة الدنماركية كوبنهاغن تظاهرة للمهاجرين دعوا فيها إلى أسلمة النظام السياسي الدنماركي.

لم ينظر أحد بعدائية إلى تلك التظاهرة التي اعتبرت كما يبدو شطحة خيال مجنون. ليس لأن النظام السياسي في الدنمارك لا يقوم على أساس ديني فحسب بل وأيضا لأن المتظاهرين لا يملكون سببا واقعيا واحدا مقنعا يدعوهم إلى التفكير بذلك الأسلوب الغريب. فلولا مبدأ المواطنة الذي هو أساس العدالة الاجتماعية ما كان في إمكانهم أن يتمتعوا بحياة كريمة سوية لا يفرق القانون فيها بينهم وبين الدنماركيين الأصليين في الحقوق والواجبات.

يمكن أن يُقال إن تلك التظاهرة مرت بسلام. لكن ذلك غير صحيح. فهي في الحقيقة ألقت حطبا في موقد الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحذر من خطر زيادة أعداد المسلمين على مستقبل أوروبا. بسبب ذلك الخطر فإن تلك الأحزاب لا تدعو إلى التوقف عن استقبال المهاجرين المسلمين فحسب بل وأيضا إلى طرد المواطنين من ذوي الأصول المسلمة. ولقد كتب عدد من الكتاب ذوي النزعة العنصرية روايات تخيلية تدور أحداثها في المستقبل حين يسيطر المسلمون على الحياة السياسة في أوروبا.

يلتقي متظاهرو كوبنهاغن وسياسيو اليمين الأوروبي المتطرف عند نقطة وهمية واحدة هي الأسلمة ويختلفون في طبيعة معالجتها كما لو أنها حدث يمكن وقوعه وهو ما ألهم كما أسلفت الروائيين العنصريين أفكارهم الروائية التي تدعو إلى الضحك بالرغم مما تنطوي عليه من انفصال عن الحقيقة وعداء للمبادئ السامية التي أقيمت على أساسها أوروبا الحديثة.

تقول "أوروبا ليست كذلك" تجيبك الجماعات الإسلامية ومعها اليمين المسيحي المتطرف "لا. نحن نريدها كذلك". شيء من الحروب المقدسة يفتك بالطرفين اللذين يعيشان خارج التاريخ ويحاولان أن يجرا الجميع إلى الفراغ.

ولأن أوروبا لا تريد أن تكون متعصبة ضد المسلمين، لأنها لا تريد أن تحمل مواطنيها من المسلمين شبهة الارهاب الديني فقد صارت تفكر في احتوائهم دينيا. لا من خلال تحويلهم إلى مسيحيين، فأوروبا المعاصرة ليست مسيحية وانما من خلال تهذيب طباعهم الدينية وتغليب حس المواطنة لديهم. 

لقد تم استعمال المصطلح الخطأ وهو "الإسلام الأوروبي". ذلك مصطلح يمكن أن يستفز الكثيرين ممن يعتبرون أن الإسلام واحد لا يتنوع. وذلك رأي خاطئ. فالإسلام في إيران يختلف عن الإسلام في المغرب وكلاهما يختلفان عن إسلام أندونسيا التي تعتبر أكبر بلد إسلامي من جهة عدد سكانها المسلمين.

الإسلام الواحد هو العقيدة أما ما تبقى من تفاصيل فإنها أشبه بالأزياء الشعبية التي تختلف بين شعب وآخر.

ذلك هو المقصود بالإسلام الأوروبي.

أوروبا إذاً محقة في البحث عن إسلامها. ذلك الإسلام الذي لا يسبب لها قلقا ولا يهدر دم مواطنيها البرياء ولا ينشر الذعر في الشوارع والأماكن العامة ولا يكون حاضرا من خلال السلاح.  

أوروبا تريد إسلاما بريئا من القتل والارهاب ولا يتعارض مع المبادئ الإساسية التي أقيمت عليها. وهي المبادئ نفسها التي يتمتع بسببها المسلمون بحرياتهم على جميع الأصعدة ومنها حرية المعتقد الديني.

ما تريده أوروبا لا يتعارض أبدا مع الإسلام الواحد الذي هو إسلام العقيدة. تلك هي العلمانية الحقة التي أساء الكثيرون فهمها من منطلق كونها وسيلة لدفع الناس إلى الالحاد.

ولكن كيف يتم الوصول إلى الإسلام الأوروبي؟

ليست المسألة مختبرية. إنها معادلة مركبة ومتشابكة وكثيرة التعقيد، طرفاها المسلمون الأوروبيون من خلال زعاماتهم الواعية والنظام السياسي من خلال أجهزته التعليمية والثقافية. ولو لم يتم التعاون بين الطرفين بانفتاح شامل فإن إنهيار المعادلة يمكن أن يؤدي إلى أن يسود الجنون ويربح المتعصبون المعركة من غير أن يبذلوا أي جهد. ويكون المسلمون هم الضحية ويكون الإسلام عرضة لكل الشبهات.

فإذا كانت أسلمة أوروبا فكرة خيالية فإنها يمكن أن تكون جاذبة لإجيال من المسلمين إذا ما حُرمت من الانتماء الثقافي إلى أوروبا من خلال التعليم. ستكون الكذبة ممكنة وسيصدق الكثيرون أن هناك حربا صليبية تشن عليهم من أجل عزلهم وحرمانهم بهدف حرمانهم من حقوق المواطنة لا لشيء إلا لكونهم مسلمين.

تلك نتيجة سيئة لا أعتقد أن أوروبا تسعى إليها.

من مقولة الرئيس الفرنسي ماكرون "الإسلام في أزمة" إلى مصطلح "الإسلام الأوروبي" تبدو الطريق معبدة لنشوء أسلوب جديد لفهم الظاهرة الإسلامية بدءا من محاولات السيطرة على جماعات الإسلام السياسي التي انتشرت في أوروبا.

وإذا ما نجحت الأجهزة الأمنية في حربها ضد التنظيمات المتطرفة فإن في إمكان الأجهزة التعليمية والثقافية أن تبدأ حملة منظمة يساعدها في ذلك مسلمون متنورون من أجل ردم الثغرات بين المواطنة والمعتقد. فلا يكون المسلم غريبا في وطنه الذي يحمل أوراقه الثبوتية. 

مسلمو أوروبا هم مواطنون أوروبيون أولا أما إسلامهم فإنه عقيدة شخصية.