تحديات المجتمعات العربية وأزماتها تقود عروض مهرجان المسرح العربي

عرض "الحادثة" لمؤلفه لينين الرملي وإخراج عمرو حسن يقوم على فكرة القهر وصياغة علاقة القاهر بالمقهور.
غنام غنام: "ليلك ضحى" يمشي في حقل ألغام، إلا أنه يمشي بدقة، ويحوم حول تلك الألغام الموقوتة دون أن ينفجر فيه أحدها
"جنونستان" كوميديا سوداء تكشف عن أن الواقع العربي بات تراجيدياً أكثر مما يحدث على الخشبة وأن السخرية هي الحل

تواصلت عروض الأعمال المسرحية العربية في إطار مهرجان المسرح العربي في دورته الـ 11، حيث قدمت مسرحيات "اعمل نفسك ميت"، و"تقاسيم على الحياة"، و"الحادثة"، و"جنونستان"، و"ذاكرة قصيرة"، و"رحمة"، و"عبث"، و"قمرة 14"، و"ليلك ضحى"، و"نساء بلا ملامح"، والتي تميزت برؤى وأفكار تعتمل في الأجواء المجتمعية العربية، حيث ناقشت تحدياته في مواجهة التطرف والإرهاب وتراجع سقف الحريات والأوضاع المأساوية للمواطن نتيجة التردي الفكري والثقافي، حيث ناقش عرض "الحادثة" تيمة القهر في مجتمعاتنا العربية، واشتبك "ليلك ضحي" مع كابوس الارهاب الداعشي كاشفا عن خطورة ما تواجه القوى الناعمة من فنون جراء هذا الارهاب، وذهب عرض "تقاسيم على الحياة" إلى الوضع البائس الذي يعيشه العراق، ووجه عرض "جنونستان" عالم الفساد والدكتاتورية. وقد جاءت التناولات الإخراجية احترافية إلى حد كبير كاشفة عن إمكانات متميزة على مستوى إدارة فريق التمثيل والدراما الحركية وجمالية السينوغرافيا. 
 الحادثة
يقوم عرض "الحادثة" لمؤلفه لينين الرملي وإخراج عمرو حسن على فكرة القهر وصياغة علاقة القاهر بالمقهور، فالنص يقوم على حالة نفسية تتمثل في قهر رجل لإمراة يقوم بخطفها وحبسها لديه في فيلا يملكها، ويبدأ فى إرغامها على حبه وأن تمهله فرصة مدتها شهر فقط حتي يتاح لها أن تتعرف عليه جيدا، فربما تقع في غرامه في تلك الفترة القصيرة، ومع تطور الحدث تنعكس الأمور وتتبدل لعبة القهر من الرجل للمرأة إلى العكس تماما، وكأن تيمة القهر هي علاقة أبدية لا تنتهي أبدا، فالمقهور يتماهى مع القاهر إلى أن يتحول إلى قاهر جديد.
وقال "أخرج هذا النص من قبل المخرج عصام السيد وقام بالتمثيل معه كل من النجمين أشرف عبدالباقي وعبلة كامل، وأنه منذ اللحظة الأولى التي شاهد فيها هذا العرض تأثر به كثيرا وعزم يوما ما على تقديمه وفق رؤيته الفنية الخاصة، وهو ما تحقق له بالفعل حيث كان حريصا تماما على عدم التأثر بالرؤية الإخراجية الأولى للعرض، وخصوصا أن النسخة الأولى كانت مدة عرضها حوالى 3 ساعات".
سلالم يعقوب
حلم العرض الأردني "سلالم يعقوب" لمخرجه الحاكم مسعود بمجتمع حاضن للإبداع، حيث دار حول العالم الفيزيائي سلالم يعقوب المتفرغ لعمله والمنعزل والذي يتوصل إلى اختراع فيزيائي، لكنه يواجه ما يعطل طاقاته ومشروعاته العلمية ويلاقي عقبات شديدة من المجتمع الذي يعيش فيه تبدأ من بيته، فيتحول إلى أداة انتقامية من هذا المجتمع المحبط والقامع للعلم ولحرية التفكير.

وقد أشار مخرج العرض إلى أن العرض بهذا الفعل الأخير يسعى لإيجاد بيئة مناسبة للإبداع تتيح فرصا للجميع لأن يقدموا ما لديهم من إبداع علمي وفكري. قال إنه يقدم نصا بصريا، طرح خلاله رؤيته الإخراجية في مشاهد تشرح وتختزل الحكاية عبر تضافر لغة الجسد مع لغات الموسيقى والإضاءة وبقية العناصر المسرحية الأخرى.
أما مؤلف موسيقى العرض عبدالرزاق مطرية فرأى أن الموسيقى في عرض "سلالم يعقوب" تعد عنصرا مهما ولغة أساسية في صياغة الرؤية الإخراجية، وأن عروض الصورة تتيح فرصة أوسع لتلعب الموسيقى دورا أكبر ورئيسي في العرض، عكس النصوص الأخرى. 
ليلك ضحى
وقال كاتب ومخرج عرض "ليلك ضحى" الفنان غنام غنام إن النص يمشي في حقل ألغام، إلا أنه يمشي بدقة، ويحوم حول تلك الألغام الموقوتة دون أن ينفجر فيه أحدها، إذ على المبدع أن يمتلك الوعي الذي يؤهله لأن يكون مشروعا مبشرا، ومنارة تهدي من يأتي بعده ليسير على خطاه، وليس مشروعا استشهاديا يتسبب عمله الفني في مقتله.
وأضاف أنه توقف كثيرا لتأمل ظاهرة الإرهاب وفكر في كيفية تقديمها ومواجهتها فنيا، حتى سنحت له الفرصة حينما قرأ خبر في إحدى الجرائد حول انتحار زوجين سوريين قبل دخول داعش بلدتهم، هربًا من الأسر وإنقاذا للزوجة من الإغتصاب، وقبل وفاة الزوج كتب رسالة تشرح أسباب الانتحار، وهو ما دفعه ــ غنام ــ لصياغه هذه القصة فى عمل مسرحي وبالفعل أنجزه في عام واحد، وأرسله إلى مسابقة الكتابة في الأردن قبل إغلاق باب التقديم بيومين، وكانت المفاجأة أن النص فاز بالجائزة الأولى مناصفة.
وتابع أن العرض يتحدث عن الموت ويأخذنا بسلاسة ورومانسية إلي ذلك المصير المفجع لقصة زوجين هما "ليلك وضحى" اللذان درسا الموسيقى والمسرح وذهبا إلى بلدة نائية بهدف تعليم أبنائها، إلا أن الأمور تنقلب رأسا على عقب بعد دخول داعش لتلك البلدة ليحاكموا الزوجين وينتهي الأمر بمقتلهما.
جنونستان 
وجاء العرض الأردني "جنونستان" كوميديا سوداء كاشفا عن أن الواقع العربي بات تراجيدياً أكثر مما يحدث على الخشبة وأن السخرية هي الحل، وقال المؤلف والمخرج الأردني حكيم حرب إن عرضه "جنونستان" يتحدث عن دولة افتراضية خيالية، لا تمت بصلة للواقع، تمتلئ بالفساد والديكتاتورية، ونقدمها من خلال الكوميديا السوداء، ونحب أن نقول من خلالها إن التخلص من الفاسد أو الديكتاتور لا يكون بالقضاء عليهما، لأنهما يمتدان ويتناسلان في الواقع، إنما يتم القضاء على الديكتاتورية وكل مظاهر الفساد بتغيير ثقافتنا، بمحاربة الديكتاتور والفاسد الموجود داخل كل واحد فينا. 
وكشف أنه تأثر عند كتابته لنصه "جنونستان" بنص "كاليوجولا" لألبير كامي، و"يوليوس قيصر" لوليم شيكسبير، غير أنه حول هاتين المأساتين إلى كوميديا ساخرة وكبارية سياسي، يتصل أكثر بالمواطن العربي، متضمنا ما حدث بعد ما سمي بالربيع العربي، مشيرا إلى أنه استعان بأشكال المسرح الشعبي، والظواهر المسرحية التي سبقت الدراما في بدايات المسرح العربي، مثل الأراجوز، والحكواتي، وخيال الظل.
نساء بلا ملامح
قضية المرأة وما يواجهها من تحديات في ظل مجتمعات ذكورية الثقافة كان محور عرض "نساء بلا ملامح" للكاتب العراقي عبدالامير الشمخي الذي لفت إلى أن المرأة نصف المجتمع، وإنه يقدم قضية المرأة ولكن ليس في بعدها المحلي فقط وإنما في بعدها العالمي والإنساني، مضيفا أنه يحمل المرأة التي يقدمها في العرض الكثير من الأسئلة فهي المرأة المجتمع والمرأة الوطن والمرأة الأمل للخروج من دوائر القهر، خروج الشعوب نفسها مما يعوق انطلاقها.
وكشف الشمخي أنه كتب النص بعد مغادرته العراق وبالتحديد عام 1996، وقد جاء ضمن سلسلة نصوص قدمها بعد مغادرة العراق ومنها القلعة والحمة ومعطف الأمير، مشيرا إلى أن الأخير جاء ليؤكد على أنه يتجاوز قضية المرأة حيث يكتب عنها وأنه يكتب عن الإنسان في عمومه، وأن يلج من خلال الكائن الذي يكتب عنه إلى حقائق إنسانية أصيلة وشاملة، تتجاوز المتوارث. 
المجنون
وعالج العرض الإماراتي "المجنون" للمخرج محمد العامري هموم المواطن العربي وحلمه الدائم بالسلام والمحبة. والعرض مأخوذ عن رواية "المجنون" لجبران خليل جبران إضافة الى السيناريو التأملي الذي كتبه العراقي قاسم محمد منذ ما يقرب من 23 عاما.
وقد كشف العامري عما دفعه لتقديم هذا النص تحديدا دون غيره مؤكدا أن النص يحمل الكثير من التماس مع ما يقربنا من المتلقى عبر طرح مشاكله وهمومه وقضاياه التي تشغله فى اللحظة الراهنة، الأمر الذى يجعلنا مشتبكين مع الواقع هنا والآن.
وأكد أن العرض به أسماء من ألمع النجوم فى المسرح الإماراتي، وأنهم كفريق عمل يحملون على عاتقهم مهمة تشريف المسرح الإماراتي أمام الجميع وأنها مسؤلية كبيرة تمنى أن يكونوا أهل لها، فالمسرحية هي دعوة للسلام والمحبة المرجو نشرها في اوطاننا العربية على عكس السائد الأن، من خلال ذلك المجنون الطموح الذي يريد ان يجعل من العالم مكان أفضل.
تقاسيم على الحياة
المسرحية العراقية "تقاسيم على الحياة " للمخرج جواد أسدي، مأخوذة عن قصة "العنبر رقم 6" للكاتب الروسي الشهير أنطوان تشيخوف، وتم تجسيد أدوارها بالعربية الفصحى أربعة ممثلين محترفين مع مجموعة من الممثلين الشباب ألبسهم الأسدي أسماء شخصيات تشيخوف، رغم تناول العرض للوضع العراقي المؤلم المتأرج بين الجنون والعقل.
استطاع الأسدي أن يحول نص تشيكوف السردي، وروحه إلى الروح العراقية المضطهدة ويقدم مشهد الواقع العراقي الراهن بمشكلاته وتعقيداته دون أن يتورط في الخطابية، والنبرة العالية، معبرا عن روح العراق وغير مبتعد عن الحياة اليومية وما يجري في الشارع العراقي وداخل الإنساني العراقي الآن.

وقال الأسدي إنه عمل مع فرق عربية متعددة ومختلفة، مشيرا إلى وجود اختلافات الممثلين من حيث الثقافة والحساسية والوعي بممكنات الجسد وما يمكن أن يحققه على الخشبة من مكان إلى آخر وفقا للتربية الاجتماعية والسياسية التي يتلقاها في مجتمعه.
وأضاف أن بعض المجتمعات لديها حرية كبيرة فيما يتصل بممكنات الجسد لذلك فهي تعطي مساحات واسعة للاشتغال، وتجعل المخرج يذهب بها بعيدا، في حين لا تستطيع أجساد في مجتمعات أخرى أن تتجاوز الحدود. 
وأكد الأسدي أنه يراهن على الممثل الفدائي، وأنه لا يختاره بشكل عشوائي إنما يقوم بالاقتراب من الممثل والحديث معه ومعرفة أفكاره واتساع أفقه ومدى قدرته واستيعابه للمسرح وما يمكن أن يقدمه من خلاله، كما يرى كيف يعيش في بيته وكيف يمارس حياته اجتماعيا وغير ذلك حتى يعرفه بدقة .
 قمرة 14
وقال بوكثير دومة مؤلف العرض التونسي "قمرة 14" إنه يعمل دائما على التراث، وهو ما قام به في نص العرض حيث استدعى من التراث والتاريخ التونسي ثلاث شخصيات مثلت الثورة في عدد من الفترات، وهي متصوفة تونسية في القرن الـ 13، ثم خير الدين باشا وهو ثائر إصلاحي تشريعي وإداري في القرن الـ19، ثم منصور وهو ثائر صعلوك من الجنوب قام بما يشبه ثورات الصعاليك، وهذه الشخصيات يلتقي بها أحد الشباب المعاصريين في أرشيف إحدى الوزارات السيادية حيث يعمل، وقد خرجت له هذه الشخصيات من الأوراق المكدسة في الأرشيف الذي يقع في أحد الدهاليز بهذه الوزارة أثناء "الثورة" التونسية. 
وأضاف دومة "من خلال هذه المقابلة التي تتم بين الشاب المعاصر وبين تلك الشخصيات المستدعاة من التاريخ التونسي نقوم بمساءلة الثورة التونسية ولماذا يتم إجهاضها باستمرار". 
وكشفت مخرجة العرض دليلة مفتاحي عن أنها عذبت الكاتب عذابا شديدا، وجعلته يكتب النص ثلاث مرات. وأضافت أن العرض يرصد 800 عام من الخيبات التي تعقب الثورات التونسية والتي يتم إجهاضها باستمرار منذ ذلك التاريخ. وأشارت أن العمل يمثل لها تطهيرا عبر المساءلة، مساءلة الشخصيات ومساءلة التاريخ بعد سلخه. وعن سينوغرافيا العرض أشارت دليلة مفتاحي إلى أنها صممتها على شكل الدهليز متعدد الأنفاق، ومن خلاله يتم اللقاء بين الشاب المغاصر والشخصيات التاريخية المختلفة.
ولفتت إلى أن النهاية ستكون مفتوحة، حيث يحاول الشاب الخروج من تلك الأنفاق المتعددة ولا نعرف إن كان سينجح أم لا؟