ترامب السابق ترامب اللاحق
ستكون منطقة الشرق الأوسط محظوظة لو أعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. فالرجل فعل لها ما لم يفعله رئيس أميركي قبله.
لقد اخترق ترامب حالة الصمت التي تعيشها المنطقة. وهي حالة يمتزج فيها الاستسلام لواقع صنعته سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما بجمود سياسي لم يتخط العرب حدوده بسبب خوفهم من فكرة قديمة تلبستهم عن صراعهم الميت مع الآخر.
هز ترامب المنطقة بطريقة ايجابية لا بالطريقة التي قام أوباما من خلالها بالوقوف وراء ربيع عربي سرعان ما كشف عن وجهه الإخواني.
لم يستبدل ترامب في ما يتعلق بالشرق الأوسط معادلة سياسية بأخرى كما يعتقد البعض. لقد فجر المعادلات القائمة على العجز والقصور والكسل والتراخي وسوء الفهم إضافة إلى سوء تقدير الأطراف كلها لما يمكنها أن تفعله لو وضعت الحقائق السياسية الجديدة نصب عينيها.
لم يكن الرئيس الأميركي في حاجة لمَن يحرضه على إيران. فدولة الملالي التي استثمرت منافع الاتفاق النووي في ترسيخ سياستها العدوانية القائمة على التوسع ونشر الفوضى وتهديد السلم والأمن في الدول التي تجاورها لا تخفي عداءها للمجتمع الدولي وعدم اعترافها بقوانينه.
ليست إيران دولة موقع ثقة ولا قيمة لمصداقيتها في أي اتفاق. لذلك كان الاتفاق النووي هو الخطأ المقصود الذي عبر اوباما من خلاله عن دعمه للإسلام السياسي. وهو الاتفاق الذي سبب اهتزازا في كل التوازنات الاقليمية التي كانت قائمة.
لقد جاء ذلك الاتفاق ليدعم مشروعا توسعيا إيرانيا يعتمد على نشر الميليشيات في كل مكان تطاله يد إيران. لذلك كان ضروريا أن تسترجع الولايات المتحدة حسها الاخلاقي ومسؤوليتها القانونية وتنسحب من ذلك الاتفاق بل وتفرض على إيران عقوبات اقتصادية، ربما تخسر إيران من خلالها ما ربحته بسبب الاتفاق النووي.
وكما هو واضح فإن أوباما من خلال مد إيران بأسباب القوة قد وضع العالم العربي في مواجهة عدو حقيقي يتفوق في أطماعه وتهديداته وكراهيته وعدائه على ذلك العدو القديم الذي صار يسكن الكتب فيما يقيم الفلسطينيون من خلال سلطتهم علاقات يومية معه. أقصد إسرائيل.
كان ترامب واضحا في طرح الخلاف. ما الذي يريده العالم العربي؟ ما الذي تريده إسرائيل؟ هناك خطر يمثل تهديدا للطرفين. بل إذا كنا صريحين علينا أن نعترف أن خطر إيران على العالم العربي أكبر من خطرها على إسرائيل.
ولست هنا في مجال استعراض الاحداث.
لم يجد ترامب بدا من المكاشفة وقلب الواقع الزائف. وهو ما لم يفعله رئيس أميركي سابق ممن حاولوا حلحلة الوضع في الشرق الأوسط.
هناك مَن يقول إن إيران ساعدت ترامب في مهمته. ذلك لأنها صارت بالنسبة للعالم العربي أكثر خطورة من إسرائيل. كما أن إسرائيل بالنسبة للأطراف عربية عديدة جهة يمكن التحاور معها اما إيران فأن الحوار معها سوف لن يؤدي إلى نتائج واضحة. هذا إذا قبلت بالحوار.
وضع ترامب المنطقة على الطريق الصحيحة بعد أن انحرف بها أوباما.
كانت تلك لحظة استثنائية في التاريخ صنعها رجل استثنائي.
لقد هشم ترامب قواعد كل الالعاب القديمة وتكلم بلغة واقع لم ينتبه العالم العربي إليه. كان العرب قد سجنوا أنفسهم في قفص مقولات لم يعد في الإمكان التفاعل من خلالها مع العالم. خسروا الكثير من حقوقهم بسبب كسلهم وخضوعهم لمتاجرين بالقضية الفلسطينية.
جاء ترامب متأخرا غير أنه صنع المعجزة بعد أن سمى الأشياء بأسمائها. إيران هي العدو أما إسرائيل فيمكن التفاهم معها. ذلك منطق لا يعجب حملة الشعارات الذين لا يعرفون شيئا عن تحولات السياسة العالمية.
كان العالم العربي محظوظا بترامب.
سيكون محظوظا أكثر لو أعيد انتخابه.