تعالوا نتحزب ونبقى أسرى العشائرية والمناطق

اللجنة الملكية تعزز الاعتبارات العشائرية والمناطقية؟ نعم. فتوصيات اللجنة تتيح تشكيل حزب عبر حشد 850 عضوا مؤسسا من محافظة واحدة، هم انفسهم الذين كانوا يصوتون لمرشح محافظتهم الذي صار حزبيا الان.
لا مؤشرات على ان التشكيلة التقليدية للبرلمان سوف تتغير او تتفكك لمصلحة الانتماء الحزبي
لا مؤشرات على ان التشكيلة التقليدية للبرلمان سوف تتغير او تتفكك لمصلحة الانتماء الحزبي مجمو

بعد عقود من تهميش الاحزاب وإحاطة الانتماء الحزبي بالارتياب والتخوين، فجأة صار مطلوبا من الأردنيين ان يتحزبوا ويثقوا بقدرة الاحزاب على صنع التغيير او الاصلاح السياسي المنشود.
وإذا تحققت توصيات "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" في مجال الانتخابات ايضا، فإن الفتور الشعبي العام الذي رافقها منذ تشكيلها قبل أكثر من اربعة أشهر، سوف يتجلى على الارجح في شكل من اللامبالاة والتجاهل ويتأكد الاردنيون ان مقولات الاصلاح السياسي التي صدّعت مؤسسة الحكم رؤوسهم بها ما هي الا كلام عابر في ظرف معين.
ومنذ الاعلان قبل ايام قليلة عن الخطوط العامة لمخرجات عمل اللجنة الملكية خصوصا في مجال الاحزاب والانتخابات بعد ما يزيد على ثلاثة اشهر من الاجتماعات والنقاشات والجدل، بات واضحا ان العملية برمتها ما هي الا إعادة انتاج للمنظومة السياسية القائمة اكثر منها إصلاحا او تحديثا.
وبحسب توصيات اللجنة، على الحزب الذي يسعى الى الترخيص ان يتشكل من ألف عضو مؤسس على الاقل، وهو ما يقارب سبعة اضعاف الرقم المطلوب في القانون الحالي (150 عضوا). 
وعلى هذا النحو، فإن السيناريو المتوقع لهيكلية الأحزاب هو ان تتلاقى المصالح بين الشخصيات نفسها التي اعتادت على الترشح والفوز في الانتخابات وتكريسهم من جديد على الساحة السياسية في المجتمع الذي يُعلي من الشأن العشائري والمناطقي فوق الانتماء الحزبي الذي لا تعرفه الغالبية الساحقة للجيل الحالي من الأردنيين.
بمعنى آخر، فالناخب الاردني الذي تعوّد على التصويت لأحد أقربائه او معارفه، وهو الاتجاه العام لطبيعة الاقتراع في الاردن، سيصوت له ايضا حين يترشح باسم الحزب، وسوف يتشكل برلمان متحزب بالاسم فقط.
أيضا، الاسماء التي يتكرر فوزها في كل انتخابات لن تتخلى عن مكانها بسهولة ما دامت قادرة على حشد آلاف الناخبين، وبذلك لن تجد صعوبة في تأسيس حزب وربما تشكيل حكومة في وقت من الاوقات.
اللجنة الملكية تعزز الاعتبارات العشائرية والمناطقية؟ نعم. فتوصيات اللجنة الملكية تتيح تشكيل حزب عبر حشد 850 عضوا مؤسسا من محافظة واحدة، هم انفسهم الذين كانوا يصوتون لمرشح محافظتهم الذي صار حزبيا الان.
وهذا يعني ان مجموعة الاقارب والمعارف والمحاسيب في محافظة أو نطاق عشائري ما هي الكتلة الانتخابية التي وقفت وستقف وراء فوز المرشح. وكأنك يا ابا زيد ما غزيت.
كانت في الاردن حياة حزبية مزدهرة في اواسط عمر الدولة التي تأسست قبل مئة عام. ولكن الهاجس الامني والعوامل الاقليمية أخذت المشهد الحزبي طوال هذه السنوات بعيدا عن اهتمامات الناس وصار غريبا او غير شائع ان يقال فلان عضو في حزب.
الآن تريد مؤسسة الحكم ان تهبط على الناس برؤية هوائية للاصلاح السياسي. وفوق ذلك صار على الناخب الذي لم يعهد اي تأثير للاحزاب في الاردن، التصويت لقائمة حزبية في انتخابات البرلمان.
وفي توصيات اللجنة ان القوائم الحزبية لن تمثل أكثر من ثلاثين بالمئة من العدد المقترح لمقاعد البرلمان البالغ 138 مقعدا وهذا قد يدفع النواب الى الاعتماد على اشكال التحالفات التقليدية بينهم، وهم في الغالب رجال اعمال ومتقاعدون عسكريون ومدنيون وعدد من ممثلي العشائر.
لا توجد اي مؤشرات على ان هذه التشكيلة التقليدية من النواب سوف تتغير او على الاقل تتفكك لمصلحة الانتماء للأحزاب التي يفترض ان تقود البلد ضمن حكومات برلمانية طال انتظارها.
وتبلورت اولى المطالبات بتأليف الحكومات في البرلمان وليس بتكليف من العاهل الاردني منذ ايام "الربيع العربي" في 2011 وما تلاها، وايضا من الاوراق النقاشية التي طرحها الملك عبدالله الثاني في سنوات لاحقة
الى جانب ذلك، يجب على الحزب ان تكون لديه نسبة عشرين بالمئة من الشباب ونسبة مثيلة من النساء اللواتي أوصت اللجنة برفع حصتهن في مقاعد البرلمان الى 18، وهو عدد الدوائر الانتخابية.
لم تستطع اللجنة ان تتجاوز ذهنية المحاصصة للأقليات الدينية والقومية وتكون أكثر انسجاما مع الدستور الذي ينص على ان "الاردنيين امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين".
ظلت الحصص او "الكوتات" جزءا من النظام الانتخابي على مدى عقود، لكنها الان أدعى الى الإلغاء ما دام الهدف هو تشكيل حكومات حزبية، إذا صحّت الوعود والجدية المعلنة التي تقف خلف إرادة الاصلاح السياسي التي عبرت عنها اللجنة في توصياتها.
اللجنة نفسها تعاني من غياب الثقة بينها وبين الاردنيين الذين لا يعوّل اكثر من ثلثيهم عليها في انجاز الاصلاح السياسي، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الاردنية.
ولم تمثل مخرجات عمل اللجنة الملكية مفاجأة للأردنيين بعد ان ظلت على مدى اشهر منشغلة باستقالات اعضائها والجدل واحيانا الاساءة للاعضاء المقالين او المستقيلين. وتأكدت لدى الأردنيين ان توصياتها ما هي إلا شكل من اشكال الإلهاء مع الابتعاد تماما عن هدفها الرئيسي.
جوهر الاصلاح السياسي في الاردن يتركز على تأليف حكومات برلمانية تقودها الاحزاب، ولكن هذا الشكل المتقدم من الممارسة السياسية لا يتحقق بجرة قلم ولا يمكن فرضه على الشارع بين ليلة وضحاها.