تقنيات 'التلعيب' على طاولة بحث دعاء حمدي

الباحثة تحصل على الدكتوراة في تقنيات دمج آليات تصميم الألعاب في مجالات ليس لها علاقة باللعب لتكون أكثر جاذبية ودورها في تعزيز البعد الفكري والجمالي للرسوم التعبيرية المستوحاة من فلسفة الفن الإسلامي.

تميز عصرنا الحالي بالتغيرات السريعة الناجمة عن التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل والمستمر، وأصبحت الأجهزة النقالة ولا سيما الهاتف المحمول، والتي تلعب دوراً حيوياً ومهماً في حياتنا اليومية، ومن ثم أصبح يوضع في الاعتبار العوامل الجديدة التي تؤثر على إدراك وجذب انتباه متلقى عصر الرقمنة المستخدم لهذه التكنولوجيا، لذا تحتم على الفنان مواكبة كل التطورات واستغلال كل الإمكانات المتاحة والتجريب الدائم لكل ما هو جديد، حتى يصل إلى أفضل النتائج الملائمة للمتلقي ولروح العصر الذى يحيا فيه، مما أدى إلى ظهور وانتشار بعض المصطلحات الحديثة كالألعاب الإلكترونية ثم التلعيب Gamification والذى هو محل اهتمام هذا البحث.

 فاللعب في حد ذاته يعد فناً له دور أساسي في مجال فن الكتاب ورسوم النشر، لأنه المهارة التي بواسطتها يقوم الفنان المصمم بتوزيع العناصر التيبوغرافية داخل مساحة التصميم، ليس فقط بشكل جذاب وإنما بتخطيط مدروس، فهو رؤية بصرية تترجم معاني ومضامين الرسالة المعرفية من خلال توظيف المرح والفكاهة والتحفيز وحب الاستطلاع، من أجل استثارة انفعالات وأحاسيس اللاعب أو متعة الرغبة في الاكتشاف والمعرفة، للوصول إلى الهدف المطلوب والاستمرار في اللعب من خلال الألعاب المختلفة، والمختلفة. في هذا البحث؛ الإليكتروني منها كنتيجة حتمية للطفرة المعلوماتية والتكنولوجية التي احتلت حياتنا، فلطالما أصبحت الألعاب الإلكترونية حديث الساعة في الآونة الأخيرة وانتشرت في كثير من المجتمعات العربية والأجنبية انتشارا واسعاً ونمت نمواً ملحوظاً وأغرقت الأسواق بأنواعها المختلفة.

ومن ثم تحولت ممارسة الألعاب الإلكترونية إلى حد الإدمان وهو أمر مُعترف به دولياً، حيث يتم تصميم اللعبة لتُشكل تحدي دائم للاعب مما يجعله يمضي وقتاً أطول في ممارسة اللعب محاولاً الفوز دون استسلام، فاللعبة الإلكترونية ليست تسلية بريئة بل هي وسيلة إعلامية تحمل في طياتها رسائل معينة، حيث يهدف مصمموها إلى تحقيق أهداف وغايات ثقافية وفكرية وسياسية ودينية، مما نتج عنه تَغيُر في سلوك اللاعب وتَغيُر في المزاج والعُزلة الاجتماعية وفُقدان الرغبة في القيام  بالأنشطة المختلفة وتَدني الإنجاز في الدراسة أو العمل وصعوبة التحكُم بالوقت المُستهلك في اللعب .

لذا ظهر وانتشر في الآونة الأخيرة مصطلح التلعيب Gamification، وهو يُعنى دمج آليات تصميم الألعاب في مجالات ليس لها علاقة باللعب لتكون أكثر جاذبية وذلك لزيادة دافعية الفرد نحو الإنجاز، ولتوصيل الرسالة وترسيخها في ذاكرة المتلقي لأطول فترة ممكنة، بتحقيق تفاعل اتصاليإيجابي بين المتلقي والمضمون، فمن خلال إسقاط  فكرة التحفيز والتشويق على المجالات المختلفة أدى ذلك إلى زيادة الاستمتاع بآداء الأعمال الغير مرغوبة وإمكانية غرس الأفكار والمبادئ البناءة، ونخص بالذكر في هذا البحث دراسة مدى فاعلية التلعيب في مجال التعلم ونشر المعرفة.

 ومن هنا تكاتفت جميع التخصصات التربوية والتعليمية والفنية والنفسية أيضاً من أجل ابتكار وإبداع طرائق جديدة وتصاميم متنوعة ومبهرة لعملية التعلم من خلال مفهوم التعلم بالتلعيب، وذلك لملائمة متلقى عصر الرقمنة وفقا لخصائصه النفسية وقدراته العقلية،ومتطلبات نموه في بيئة ثقافية منفتحة على العالم، من خلال طرح المحتوى العلمي بلغة بصرية وفكرية مبتكرة ومتجددة يسهل قراءتها واستيعابها وتفسيرها، دون الإخلال بمضامينها ودقة معانيها، ومن هنا تظهر مشكلة البحث.

لذلك اختارت الباحثة دعاء حمدي عبدالحميد بهنسي، قسم التصميمات المطبوعة، تخصص رسوم النشر والكتاب، موضوع رسالتها المقدمة إلى الكلية وعنوانه:

"تقنيات التلعيب ودورها في تعزيز البعد الفكري والجمالي للرسوم التعبيرية المستوحاة من فلسفة الفن الإسلامي"، وذلك للحصول على درجة الدكتوراة في الفنون الجميلة قسم التصميمات المطبوعة تخصص رسوم النشر والكتاب، تحت إشراف كل من: أ.د/ مها درويش محمد،أستاذ ورئيس قسم التصميمات المطبوعة كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، وأ.د/ أماني فاروق رمضان أستاذ بقسم التصميمات المطبوعة كلية الفنون الجميلة جامعة الاسكندرية وذلك يوم السبت الموافق 22/7/2023 الساعة الثانية عشر ظهرا بمبنى جليم، كلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية، حيث اجتمعت اللجنة المشكلة من السادة الأساتذة الآتي أسماؤهم: أ.د/ مها درويش محم دأستاذ ورئيس قسم التصميمات المطبوعة، كلية الفنون الجميلة، جامعة الاسكندرية (مشرفاومقررا)، أ.د / محمد محمد غالب،أستاذ بقسم الغرافيك كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، أ.د / أماني فاروق رمضان،أستاذ بقسم التصميمات المطبوعة كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، أ.م. د/ رانيا وجدي عبد الله أستاذ مساعد بقسم التصميمات المطبوعة كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية.

ورأت اللجنة أن الطالبة دعاء حمدي عبدالحميد بهنسي جديرة بدرجة الدكتوراة في الفنون الجميلة قسم التصميمات المطبوعة تخصص رسوم النشر والكتاب.

لجنة التقييم
اللجنة ترى أن الطالبة جديرة بدرجة الدكتوراة في الفنون الجميلة قسم التصميمات المطبوعة تخصص رسوم النشر والكتاب

مشكلة البحث

يمكن سرد مشكلة البحث من خلال عدة أسئلة وهي:

  1. كيف يمكن للفنان مواجهة مساوئ الألعاب الإلكترونية الخطيرة والحد من رواجها وانتشارها من خلال مفهوم التلعيب؟
  2. ما هو التلعيب وماهي التطورات الثقافية والتكنولوجية التي أدت إلى ظهور وانتشار هذا المصطلح؟
  3. لماذا تم تطبيق مفهوم التلعيب على مجال التعليم والتعلم وعلى العملية المعرفية ككل؟
  4. كيف يمكن لتقنيات التعلم بالتلعيب تعزيز البعد الفكري والمعرفيلمتلقي عصر الرقمنة؟
  5. كيف يمكن للفنان العمل ضمن منظومة فنية متكاملة للحصول على تصميم ناجح للتعلم بالتلعيب من خلال المراحل الإنتاجية المختلفة؟
  6. ما هو دور الفنان في إحياء التراث الثقافي والربط بين الفن الإسلامي والفنون المعاصرة لدعم الهوية العربية والإسلامية من خلال إنتاج تطبيقات معاصرة تعتمد على مفهوم التلعيب؟
  7. كيف يمكن للفنان توجيه متلقى عصر الرقمنة إلى ترسيخ المبادئ والأخلاقيات الإسلامية والعربية والتأكيد على هويتنا من خلال استغلال الهواتف النقالة والألعاب الإلكترونية التي وصل استخدامهاإلى حد الإدمان؟

أهداف البحث

  • يهدف هذا البحث إلى تغطية أكبر قدر ممكن من العوامل النفسية والقواعد التصميمية التي أدت إلىانتشار ورواج الألعاب الإلكترونية خاصة الخطير منها،لاستغلالها في تصاميم هادفة وبناءة تجذب انتباه متلقى عصر الرقمنة.
  • إلقاء الضوء على مفهوم التلعيب وأسباب انتشاره، ودراسة أثر تطبيق التلعيب على مجال التعليم التعلم.
  • إلقاء الضوء على مراحل إنتاج تطبيق التعلم بالتلعيب، وذلك لإثراء المكتبة العربية بالدراسات التطبيقية لمثل هذه المفاهيم.
  • الكشف عن جماليات الفن الإسلامي من خلال انتاج تطبيق للتعلم بالتلعيب، فهو تربة خصبة مليئة بالأسس والعناصر التي تساعد المصمم على الخروج بأفكار تصميمية مختلفة تحمل الكثير من الإبداع والابتكار، وتعمل على جذب انتباهالمتلقي وسط هذا الكم الهائل من التطبيقات.

أهمية البحث

  • تكمن أهمية البحث في إدراك أن الألعاب الإلكترونية حرب ذكية استطاعت المرور بسلاسة داخل بيوتنا ونغفل عن مخاطرها الشرسة، فلم تعد الحروب كما كانت بالسابق ظاهرة ومعلنة ومرئية، بل أصبحت خفية، فمن منا كان يتخيل أن لعبة قد تودي بحياة إنسان؟ ومن منا لا يستخدم التكنولوجيا الآن؟ فإنه لأمر مؤسف أن تفقد التكنولوجيا دورها الأساسي لتصبح سلاحا يفقدنا الإحساس بالوقت وبأهميتنا الحقيقية وجوهر حياتنا.
  • الوقوف على مفهوم التلعيب وأهمية تطبيقه على المجالات المختلفة من أجل زيادة دافعية الفرد والاستمتاع بآداء الأعمال غير المرغوبة وإمكانية غرس الأفكار والمبادئ البناءة.
  • دراسة مراحل تطور عملية التعلم للوصول إلى ظهور تقنية التعلم بالتلعيب، والوقوف على مدى تأثير هذه التقنية على تعزيز الجوانب الفكرية والمعرفية لمتلقي عصر الرقمنة.
  •  التركيز على دور الفنان ورؤيته في ترجمة المحتوى العلمي والمعرفي بصرياً بشكل يتناسب مع مكونات التلعيب وينفذ مباشرة إلى وجدان وذهن القارئ لدعم العملية المعرفية ككل.
  • تقديم تجربة عملية لتطبيق التعلم بالتلعيب من أجل إثراء المكتبة المصرية والعربية بدراسات تطبيقية لإستراتيجية التعلم بالتلعيب لدعم العملية التعليمية والفكرية والمعرفية لمتلقي عصر الرقمنة.

منهج البحث

يعتمد منهج البحث علي:

  • المنهج التحليلي الوصفي: من خلال إجراء دراسة تفصيلية لدور تقنيات التلعيب في تعزيز البعد الفكريوالجمالي للرسوم التعبيرية المستوحاة من الفن الإسلامي.
  • المنهج المقارن: ويظهر في عمل دراسات مقارنة بين المعنى الاصطلاحي والوظيفي لكل من التلعيب والألعاب الجادة والألعاب الإلكترونية التعليمية.
  • المنهج التطبيقي: ويظهر في تجربة الباحث، والتي تتمثل في مراحل إنتاج تطبيق التعلم بالتلعيب من خلال استلهام جماليات عناصر الفن الإسلامي كهوية بصرية للتطبيق.

نتائج البحث:

  • الفهم الجيد لمفهوم التلعيب والسعي وراء الاستفادة منه في دعم المتلقي وتوجيهه بشكل إيجابي،للحصول على نتائج مُرضية في مجالات أصابت مستخدميها بالكلل والملل والعزوف عنها.
  •  من خلال هذه الدراسة نستطيع القول إن تطبيق مفهوم التلعيب Gamification في مجال التعليم والتعلم أدى إلى تعزيز البعد الفكري والمعرفي لمتلقي عصر الرقمنة، حيث يتفاعل المتعلم بكافة حواسه مع المعرفة في جو من التحفيز والتشويق، وبالتالي يصبح المستخدم لتقنيات التعلم بالتلعيب مكتشف ومجرب ومبدع،أي متعلم مثقف، وليس متعلم جاهل.
  • تحديد ومعرفة مبادئ وأسس التخطيط العام وقوانين التنسيق والعلاقات والتسلسلات البصرية بين عناصر تصميم بيئة التعلم بالتلعيب ومحتواها العلمي، ومن ثم خلق نقاط محورية تلفت انتباه المتلقي وتجعله أكثر انجذابا للمحتوى المعرفي،وبالتالي الحفاظ على استمرارية اللعب والتعلم في آن واحد. لتصبح عملية التعلم أكثر متعة وإثارة وتحفيزا للمتعلم.
  • الوقوف على الدور الحقيقي للفنان في إنتاج التلعيب، فالفنان الجيد لا يحتاج إلى معرفة كيفية القيام بعمل كل شخص، ولكن يحتاج إلى معرفة كيف يؤثر عمله على عمل باقي الفريق، وكيفية تسليم العمل القابل للاستخدامإلى المرحلة التالية من الإنتاج. فإن فهم العملية يجعل المُنتج الأخير أكثر قابلية للتوظيف وأكثر تأثيراً على المتلقي، ومن ثم أكثر نجاحاً ورواجاً وانتشارا.

توصيات البحث:

  • ضرورة إطلاع المصمم والفنان العربي على كل ما هو جديد وله علاقة بمجال التخصص، وذلك لإدراك المتغيرات السريعة الناتجة عن التطور التكنولوجي،لامتلاك وإتقان نفس سلاح الغرب للحد من عملية الغزو الفكري.
  • ضرورة تكاتف المجالات التخصصية المختلفة لاسيما المجال الفني والمجال التربوي، لإيجاد بدائل ممتعة ومسلية ومفيدة لتطوير الفكر المجتمعي عن طريق إدخال المفاهيم الحديثة كالتلعيب أو الألعاب الإلكترونية في العملية التعليمة، من خلال فنان واعى قادر على عمل تصاميم ناجحة ومميزة قادرة على استقطاب متلقى عصر الرقمنة بخصائصه الثقافية المنفتحة على العالم.
  • التأكيد على ضرورة دراسة علم النفس في أبحاثنا الفنية؛ فنحن في النهاية نتعامل مع بشر لهم جانب روحي ونفسي، فإذا أردنا الترويج لفكرة ما مثل تصميم لعبة بهوية عربية، فما علينا فعله بجانب التصميم الجيد سوى دراسة الشق النفسي للجمهور المتلقي لهذه اللعبة، من حيث احتياجاته الفعلية ودواخله، وبالتالي القدرة على جذب انتباهه والتأثير فيه إيجابياً ومن ثم تحقيق النجاح والانتشار للتصاميم.

ولقد أشاد السادة المناقشين أ.د / محمد محمد غالب، الأستاذ بقسم الغرافيك كلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، و أ.م.د / رانيا وجدى، الاستاذ المساعد بقسم التصميمات المطبوعة كلية الفنون الجميلة جامعة الاسكندرية، بموضوع الرسالة، وحداثة الفكرة، وجودة العرض، وسلاسة التناول، وثراء المادة العلمية الموجودة بالبحث، حيث قال الأستاذ الدكتور محمد محمد غالب: "أنها مادة علمية يجب أن تدرس".

 كما تم الإشادة أيضا بالجزء العملي التطبيقي داخل البحث، والذى يضم تجربة الباحثة الفنية، التى تدعم كافة الأجزاء النظرية للبحث، وتؤكد على الهوية العربية والإسلامية، من خلال استلهام القيم الجمالية لعناصر الفن الإسلامي في تصميم تطبيق للتعلم بالتلعيب.

كما تمت المشاركة ف العديد من المعارض الفنية المختلفة.

جدير بالذكر أن الباحثة دعاء حمدى عبد الحميد بهنسى،  حاصلة على بكالوريوس الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية عام 2011، قسم التصميمات المطبوعة شعبة رسوم النشر والكتاب، بتقدير تراكمي ممتاز مع مرتبة الشرف، وتقدير المشروع ممتاز.

وحاصلة على الماجستير من كلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية، عام 2017  قسم التصميمات المطبوعة، شعبة رسوم النشر والكتاب، وموضوعه "دور التطور التكنولوجي في إثراء شكل ورسوم الكتاب المطبوع"، حيث تحرص الباحثة فى اختيار موضوعاتها البحثية وفقا لطبيعة التخصص الدقيق (رسوم النشر والكتاب) الذي يجمع بين مبادئ التصميم الفعال، وجماليات الرسوم المعبرة عن المضمون، والداعمة للهوية البصرية سواء المصرية او العربية.

لذا قامت الباحثة بتحديد موضوع رسالة الدكتوراة وفقا لهذا المفهوم مع التأكيد على حداثة الفكرة.