تونس تختنق بموجة وبائية ونزيف هجرة أطباء غير مسبوقين

انتشار قياسي جديد لكورونا في تونس في ظل ضعف نسب الملقحين يفرض اغلاقا شاملا لاربع محافظات في وضع يرجح خبراء ان يسوء ويترافق مع استعداد نحو الف طبيب اختصاص لمغادرة البلاد.

تونس - تشهد تونس موجة وبائية "خامسة" ركّعت أربع محافظات وتسببت في شلل شبه كامل لقطاع صحي في وضع يرجح خبراء ان يسوء وترافق مع موجة هجرة قياسية لأطباء الاختصاص الذين تفتقر لهم المستشفيات اصلا.

وتونس التي ألغت غالبية القيود مع اقتراب الموسم السياحي الصيفي تحت ضغط انهيار اقتصادي غير مسبوق،باستثناء حظر التجول من العاشرة ليلا إلى الخامسة فجرا، تسجل حاليا عشرات الوفيات وأكثر من ألفي إصابة يوميا بالفيروس في صفوف سكانها

والاحد اعلنت الحكومة اغلاقا شاملا "نظريا" لأسبوع في أربع محافظات يتجاوز فيها معدل العدوى بفيروس كورونا 0.4 بالمئة اكثرها تضررا القيروان.

والاثنين سجلت اغلب هذه الجهات حركة شبه عادية للمواطنين وتطبيقا ضعيفا للبروتوكولات الصحية.

وتشهد محافظة القيروان منذ نحو أسبوعين تصاعدا في عدد الوفيات اليومية بسبب مرض كوفيد-19 ونسب اصابة مرتفعة ببلوغ نسب التحاليل الايجابية يوميا نحو ستين بالمئة، ما اجبر اطباء وسكان المنطقة لاطلاق نداءات استغاثة من أجل تدخل أكثر فعالية من الحكومة والسلطات الصحية.

ولا يتوفر في المحافظة، التي  يبلغ تعداد سكانها أكثر من نصف مليون سوى 180 سريرا للأكسجين وخمسة أسرة في أقسام الإنعاش.

والاحد عززت رئاسة الجمهورية الإطار الطبي بالجهة بـ12 سرير انعاش جديد من خلال مستشفى عسكري متنقل.

والوضع في محافظات سليانة وباجة (شمال غرب) وزغوان (جنوب العاصمة) يتجه لمآلات مشابهة مع بلوغ طاقة الاستيعاب القصوى في اغلب المستشفيات.

وانتشرت الاثنين على مواقع الواصل صور صادمة للوضع الصحي داخل المستشفى الجهوي بمحافظة باجة.

وهذا التطور الدراماتيكي في اعداد الوفيات والإصابات يعزوه الخبراء الى عدد من العوامل ابزرها التراخي في تطبيق الاجراءات الصحية وبطؤ حملة التلقيح.

والاثنين قالت وزيرة الصحة السابقة والطبيبة المختصة في الأمراض الصدرية سميرة مرعي في تصريح لراديو موزاييك (خاصة محلية) أن سبب تفشي الجائحة في المحافظات الاربع كان نتيجة التسيب والتجاوزات الكبرى التي تم ارتكابها خلال فترة عيد فطر المنقضي.

كما يرجح خبراء دخول سلاسة وافدة على الخط او ظهور اخرى محلية بسبب نسق العدوى السريع ووصوله لفئات صحية وشرائح عمرية كانت نسبيا منيعة في الموجات السابقة.

ويتوقع ان يحسم معهد باستور المتخصص خلال ايام هذه المسالة بالاعلان نتائج عملية التقطيع الجيني لعدد من العينات الفيروسية بالمحافظة المنكوبة.

وفي تصريح لوكالة تونس افريقيا رجحت سمر صمود في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، فرضيتين لنتائج التقطيع الجيني وهما إما أنه سيكشف عن وجود سلالات متحورة أو ظهور سلالة جديدة نتيجة الانتشار الواسع للفيروس بالجهة.

وأقرت بأن السلالة المنتشرة الحالية والتي تسببت في وضع وبائي صعب بالجهة ليست بالسلالة التقليدية التي ظهرت أول مرة في يوهان بالصين في أواخر 2019.

لكن صمود استبعدت أن تكون السلالة المنتشرة هي سلالة جديدة مشيرة الى أن ظهور أي سلالة جديدة يحدث نتيجة تكاثر الفيروس بصفة واسعة واحداثه لنسخ عديدة ويمكن أن تطرأ على مجموعة من النسخ طفرات (تغيرات) في المادة الوراثية له وتظهر بذلك سلالة جديدة ذات خصائص محددة.

واعتبرت استاذة المناعة أن خطر السلالة المتحورة يكمن في خصائصها والتي يمكن أن تمس الفئات العمرية الأقل سنا حسب تقديرها.

الأسوأ في الطريق

ويرجح خبراء ان يتجه الوضع الوبائي الحالي في تونس الى مزيد من التعقيد مع ضعف نسق التلقيح واستمرار استهانة السلطات والسكان بتطبيق ادنى الاحتياطات الصحية.

وتشير توقعات معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) وهو مركز أبحاث صحي عالمي مستقل في جامعة واشنطن ان وفيات فيروس كورونا في تونس ستبلغ ذروتها مع منتصف يوليو/تموز.

وتوقع المعهد قفزة في عدد الوفيات من نحو 35 الف مسجلة وفق توقعاته و14 الف معلنة (من السلطات) منذ بداية الجائحة الى نحو 60 الفا كما توقع قفزة مشابهة في عدد الوفيات اليومية خلال فترة الذروة الى نحو 450.

كما تشير ارقام المعهد لتربع البلاد على صدارة نسب وفيات كورونا في القارة في ترتيب يتوقع ان تحافظ عليه الى غاية نهاية العام.

ولا وجود الى اي مؤشرات لارتفاع نسق التلقيح في البلاد الذي يعد بين الأبطأ إقليميا.

وفي 9 حزيران/يونيو قال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي ان بلاده تلقت فقط 1.6 مليون جرعة من اللقاحات ضد كوفيد-19، وانها في حاجة إلى اللقاحات "ولم تعد قادرة على الانتظار" من أجل إعادة اطلاق اقتصادها.

وكانت تونس تأمل في الحصول على 2.5 ملايين جرعة اجمالا منذ آذار/مارس الفائت، عبر شراءات وهبات واتفاقات في اطار آلية كوفاكس التي أرستها منظمة الصحة العالمية لفائدة الدول النامية.

والى حد الاثنين لم يتخطى عدد المحصنين (من تلقوا جرعتين من اللقاح) 417 الفا، اي نحو 3.4 بالمئة من مجموع عدد السكان البالغ 12 مليونا.

نزيف هجرة الأطباء يفاقم الوضع

ووضع المستشفيات التي تعاني نقصا كبيرا في الكادر الصحي يتوقع ايضا ان يسوء مع تسجيل البلاد نسبة قياسية لهجرة اطباء الاختصاص الى فرنسا الحاضنة الاولى والوجهة الأبرز لأطباء تونس اضافة الى ألمانيا.

والخميس نشر المعهد الوطني الفرنسي للتصرف قائمة اسمية بـ900 طبيب تونسي الأطباء الناجحين في امتحان معادلة الإختصاص السنوي الذي يسمح لهم بمزاولة المهنة في فرنسا.

واستأثر التونسيون بالعدد الأكبر من الناجحين في الامتحان المفتوحة امام عدد كبيرة من الدول، اذ مثل التونسيون على سبيل المثال في اختصاص طب الانعاش والتبنيج نحو تسعين بالمئة من الناجحين.

يبلغ مجموع عدد الأطباء الناشطين في تونس حوالي 8500 طبيب مقابل 3000 طبيب اختاروا الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج.

وبحسب ما أفادت به عمادة الأطباء إلى وسائل إعلامية، فإن حوالي 80 في المائة من الأطباء الشباب غادروا البلاد قبل سنتين للعمل في دول أجنبية. وتتصدر ألمانيا وفرنسا ودول الخليج وكندا القائمة كنقطة جاذبة، وفق إحصائيات حديثة لوكالة التعاون الفني في تونس.

وتشكو تونس المصدر الاول للاطباء الى فرنسا من نقص في اطباء الاختصاص بنسبة 10 في المئة.

والمفارقة انه في حين ان نقص أطباء الإنعاش الذين لا يتجاوز عددهم 160 طبيبا في المنظومة العمومية و250 في المنظومة الخاصة، تضم قائمة الناجحين في الامتحان الفرنسي نحو 100 طبيب سيلتحقون باكثر من 500 اخرين في هذا الاختصاص غادروا البلاد فعلا.

وانهيار مستوى البنية التحتية للمستشفيات محليا وضعف طاقتها التشغيلية ومستوى الرواتب المنخفض غير المطابق للمعايير العالمية فضلا عن الاوضاع السياسية والاجتماعية العامة اهم اسباب هذا النزيف.

وتعاني تونس ازمة اقتصادية خانقة منذ سنوات أجبرت الدولة على فرملة الانتداب في القطاع العام مع تضخم غير مسبوق لكتلة الأجور نتيجة سلسلة انتدابات عشوائية لاحتواء التوتر الاجتماعي المحتدم منذ الانتفاضة.

وتشير الأرقام وجود نحو 3 آلاف منصب شاغر في مختلف الوحدات الاستشفائية بسبب التقاعد او الهجرة او غيره من الاسباب، لم يتم الى الان سدها بانتدابات جديدة.

ومؤخرا تصاعدت في فيسبوك المطالبات بتسخير الدولة لجهود المستشفيات الخاصة في ظل هذا النقص الكبير في الكادر الطبي والتجهيزات في القطاع العام، وهو اجراء كان لوح به سابقا رئيس الحكومة المستقيل الياس الفخفاخ.

كما يطالب نشطاء على فيسبوك الدولة بتحمل مسؤوليتها في فرض احترام البروتوكولات الصحية.

ولا تلقى هذه النداءات اي آذان صاغية من الطبقة السياسية المشغلة هذه الفترة بمناكفات محورها العودة الى دستور ما بعد الاستقلال وفق مقترح منسوب لرئيس الجمهورية الذي يخوض صراعا مفتوحا مع رئيس البرلمان وحركة النهضة الاخوانية راشد الغنوشي على خلفية صراع دستوري حول الصلاحيات عطل السير العادي لمؤسسات الدولة والعمل الحكومي.