تونس تسعى لصيانة التراث اليهودي المهدد بالضياع
تونس – تسعى تونس الى الحفاظ على التراث اليهودي، المهدد بالضياع بفعل عمليات نهب وتهريب طالت قطعاً أثرية عبرية "مهمة ونادرة" في تونس ومن ليبيا، تعدّ شاهدا على تاريخ اليهود في شمال افريقيا، وهي قضية كانت تُعتبر من المواضيع "المسكوت عنها" قبل ثورة 2011.
وتكشف سعاد التومي، وهي محافظ مستشار في المتحف الوطني الشهير بباردو وسط العاصمة تونس "عملتُ خلال السنوات الاخيرة على جرد عشرات القطع الأثرية العبرية المسروقة التي تَبيّن انها مهمة ونادرة".
ولكن "اللافت كان وجود عدد كبير من اللُقيات المنهوبة من ليبيا، تسعى اطراف الى تهريبها الى اوروبا عبر الأراضي التونسية"،بحسب ما كشف مدير متحف التُراث بكلية الأداب في تونس حبيب الكزدغلي.
وفي تصريح، أكدت كاتي بول، وهي من مؤسسي جمعية "اثار بروجكت" الدولية غير الحكومية التى تعنى بالبحوث حول الاتجار بالآثار والإرث الأنثروبولوجي أن "وسطاء تونسيين يتسابقون لاقتناء المخطوطات التي يطرحها ليبيون للبيع على شبكات التواصل الاجتماعي في تحد لكل القوانين".
ويتعرض قطاع الأثار في ليبيا، التي ترتبط مع تونس بحدود برّية مُشتركة، لاعتداءات كبيرة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، بحسب ما أكّد علماء اثار ومصادر رسمية.
وكمؤشر على حجم الظاهرة، تنشر السلطات التونسية مرّات عدة في السنة، بيانات عن المضبوطات تدعّم بعضها بصور.
وتتمثل المضبوطات في مخطوطات مُختلفة الأحجام تضمّ عشرات الصفحات، نُسخت بماء الذهب اوالحبر الأسود ولُصفت أجزاؤها بأمعاء شاة أو ثور، ما يتطلب عملا مُضنيا"،بحسب ما أوضحت التومي، الخبيرة في مجال التُراث اليهودي.
واحتوت القطع الأثرية،على "أناشيد دينيّة وأدعية وحكم وزخرفة هندسية ونباتية وحيوانية وتجسيمات انسانية نادرة وابراج".
وفي نهاية تشرين الاول/اكتوبر اعلنت وزارة الداخلية التونسية "حجز مخطوطتين باللغة العبرية يتجاوز طول الواحدة منهما عشرة امتار في ولاية نابل (شمال شرق)، تبيّن لاحقا انهما تتضمنان اجزاء من التوراة.تعود الى بداية القرن العشرين".
كذلك اعلنت ضبط نُسخة من التوراة "محفوظة بالكامل"، نُسخت بخط اليد بحبر خاص على جلد ثور يبلغ طوله 37 مترا، واحتوت على كامل أجزاء التوراة بأسفارها الخمسة. ووُصفت هذه النسخة بأنها "لافتة وفريدة من نوعها في العالم"، وسعت "أطراف أجنبية"، لم تفصح السلطات التونسية عنها، إلى شرائها العام 2017.
ومن بين المضبوطات ايضا ستة مجلدات ومخطوطات عبرية قديمة، حاولت شبكة اتجار بالآثار تنشط بين تونس العاصمة وبنزرت (شمال) وليبيا، بيعها لقاء 1,5 مليون دينار تونسي (470 ألف يورو)"، على ما كشفت وزارة الداخلية التونسية مطلع 2019.
كذلك شملت المحجوزات اثاثاً جنائزياً وكتباً دينية وسواها.
ويعود تاريخ غالبية القطع المنهوبة الى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والى الفترة الوسيطة،على قول التومي.
وهي محفوظة في "مخازن" يُشرف عليها المعهد الوطني للتراث في انتظار ان ينهي القضاء التونسي النظر فيها.
وطالت عمليات النهب معابد يهودية في تونس.وتبيّن احصاءات رسمية أن الإهمال والتخريب لحق بأكثر من 70 معبدا من أصل 119 كنيساً تنتشر في المدن التونسية.
ولا يخفي رئيس الطائفة اليهودية في تونس بيريز الطرابلسي المشاكل التي تواجهها بيوت العبادة متسائلا "هل يُعقل سرقة كتب الله وبيعها؟".
كذلك تعرضت منازل مهجورة ومقابر للمصير نفسه، وفق سعاد التومي التي عاينت بعضها في مدن الكاف وجندوبة(غرب )وسوسة(شرق) والقيروان (وسط).
والوجود اليهودي قديم جدا في تونس إذ يعود إلى أكثر من ألفي عام، وعززته موجات من اللاجئين وخصوصا من الأندلس، أواخر القرن الخامس عشر، بحسب المؤرخين.
وطبع اليهود ببعض تقاليدهم الحياة الثقافية في البلاد.كذلك شغلوا ولو نادرا مناصب برلمانية ووزارية في تونس.
وقبل استقلال تونس العام 1956، كان في البلاد أكثر من 100 ألف يهودي غادروها على مراحل، في ظل الصراع العربي الاسرائيلي.
ويعيش في البلاد اليوم نحو 1500 يهودي يتركز القسم الأكبر منهم في جزيرة جربة (جنوب شرق) التي تحظى بمكانة خاصة عند اليهود اذ يوجد فيها كنيس "الغريبة"، وهو اقدم معبد يهودي في افريقيا.
وترقد في الكنيس الذي استُخدمت في بنائه قطع حجارة من هيكل سليمان الأول، واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم،بحسب المُعتقدات.
ويحُجّ اليهود الي "الغريبة" مند اكثر من 200 عام، بحسب الطرابلسي المشرف ايضا على تنظيم هذا الحدث الذي عادة ما يُشارك فيه ألاف الحُجاج من مختلف أنحاء العالم،غير أن عددهم تراجع بعد الثورة بسبب تصاعد عنف جماعات جهادية مُتطرّفة.
ويشعر الباحث التونسي لطفي عبدالجواد "بالظُلم والحسرة تُجاه ما اعتبره "مُحاولات لبيع فصل من فُصول تاريخ تونس" يمثّل ثلاثة آلاف سنة حضارة، ورأى في ذلك "ضربا للذاكرة الوطنية" واصفا التجاوزات "بالجريمة في حق الانسانية".
ووفق القانون التُونسي الذي تمّ تنقيحه بعد 2011 لفرض عقوبات أكثر صرامة، يُعاقَب بالسجن عشر سنوات الاشخاص الذين "يمارسون تجارة مُمتلكات ثقافية منقولة تُبتت قيمتها التاريخية(…)الوطنية او العالمية".
واعتبرت التومي أن "من اهمّ مكتسبات الثورة هي امكان الحديث عن هذه التجاوزات الخطيرة، إذ كان من الصعب جدا طرح هذه المواضيع قبل 2011" في اشارة الى ثورة 14 كانون الاول/يناير 2011 التي اطاحت بنظام زين العابدين بن علي. وقد اتُهم مقربون من بن علي بالاتجار غير المشروع بقطع اثرية.
وأكدت التومي أن "المعلومات كانت تقتصر على الحفريات التي يُعثر عليها في مواقع أثرية او التبرعات للمتاحف" في تونس التي حكمها بن علي بقبضة من حديد مدة 23 عاما.
وأعرب الكزدغلي، وهو عميد سابق لكلية الاداب ،عن شغفه بمشروع "حصر ودراسة الارث التاريخي اليهودي التونسي" في اطار تعاون أكاديمي مع جامعات أوروبية. مشددا على ضرورة التعجيل باقامة "متحف له لحمايته".
وبادر حاتم بوريال، الناشط في المجتمع المدني التونسي، باطلاق منصة لتبادل المعطيات والذكريات نهاية ايلول/سبتمبر الفائت بهدف "بعث متحف افتراضي" يجمع اجيالا مختلفة بهدف مقاومة النسيان".