الزجاج صلابة الفولاذ ونعومة الحرير

الزجاج في تطور دائم عبر العصور مهما اختلفت الثقافات وتعددت البدائل فهو يحمل في خواصه اسرارا كونية تميزه برونق خاص كما انه سهل التنظيف ويسمح بمرور الضوء والأشعة الطبيعية بالإضافة لكونه يمنع الأتربة والحشرات.

الزجاج ذلك الساحر الشفاف المسطح تارة والمجسم تارة اخرى عديم اللون احيانا والملون احيان اخرى الصلب في قوة الفولاذ الناعم كالحرير. 
الزجاج مادة صماء غير منفذة للسوائل والغازات كما انه موصل رديء للحرارة والكهرباء، ويمكن لحامها بالمعادن على ان يكون المعدن له نفس معامل تمدد الزجاج حتى لا ينفصل اللحام اثناء التبريد.    
ويعد من العسير تحديد تاريخ او منطقة بداية ظهور الزجاج خلال فترة ما قبل الميلاد الا انه من المؤكد تاريخيا ان المصريين القدماء اول من صنعوا الزجاج وكانوا يحصلون عليه بخلط رمل السيلكا والحجر الجيري. 
وهناك انواع كثيرة من الخرز والتعاويذ الزجاجية وجدت في العديد من مقابرهم وتوابيتهم، كما استخدم المصري القديم مادة الزجاج كطلاء للاسطح والطبقات الخارجية للادوات والآنية الفخارية وايضا كطلاء خارجي للواجهات المعمارية للمقابر .
ومرت صناعة الزجاج عبر العصور بتطورات عديدة فعرف العالم الزجاج الملون وانتشرت صناعته في العديد من دول اوروبا الغربية الا ان استخدامه اقتصر على الملوك والامراء. 
وكان لاكتشاف انبوبة النفخ الجوفاء الفضل الأعظم في تعدد الاشكال والاعمال الزجاجية كما كان لها الفضل في امكانية انتاج كم كبير من اعمال الزجاج. 
وظل الزجاج على هذا النحو الا ان تم اكتشاف الالواح الزجاجية المسطحة لتغطية فتحات النوافذ ونالت شهرة واسعة حتى ان الامبراطور جستنيان استقدم عددا كبيرا من صناع الزجاج المهرة ليقوموا على عمل الزجاج الخاص بكنيستة التي عرفت بأسم آيا صوفيا او الحكمة المقدسة الموجودة في مدينة اسطنبول القديمة الآن وقد غطت جدرانها بصور القديسين المصنوعة من الزجاج الملون وهي تعد من اعظم قطع الزجاج التي اُنتجت في ذلك الوقت . 
وكان للتغيرات الفكرية والاجتماعية التي سادت اوروبا في تلك الفترة الزمنية اكبر اللأثر في تطور صناعة الزجاج حيث شهدت مناطق متعددة من الغرب امتلاء الكنائس والكاتدرائيات بفنون الزجاج المختلفة.
 وظهر فن تعشيق الزجاج الملون بالرصاص وتعددت مدارسه واساليبه واستطاع فيه الفنانون ايجاد علاقة تآلف بين فنون الزجاج والمسطحات المعمارية في واحدة من اروع العلاقات التي اثرت فنون العمارة بصفة عامة وفنون الزجاج بصفة خاصة. 
وعندما جاء الفتح الاسلامي تأثرت حضارات العرب بحضارات الدول التي دخلها الاسلام وبدأت المنتجات الزجاجية تتخذ نهجا اخر بخلاف ما كانت عليه في العهود السابقة اذ تصدرت الزخارف الهندسية والنباتية والأيات القرانية الأعمال الزجاجية وظهرت المشكاوات والقناديل حتى بلغ الأمر بصناع تلك الحقبة الزمنية ان استخدموا الذهب في زخرفة المنتجات الزجاجية.
 وظهرت الشمسيات والقمريات وهو فن ارتبط بالعمارة الاسلامية بصفة خاصة حيث استطاع ان يحقق المعادلة بين القيمة الجمالية والنفعية في آن واحد مستخدماَ قطع الزجاج الملون داخل تشكيل من خامة الجص من خلال فكرة زخرفية هندسية رائعة، وقد انتشر هذا الفن في الشرق اكثر من انتشاره في دول الغرب نظرا لعدم مواءمة الجبس لطبيعة المناخ الاوروبي. 
وعلى الجانب الاخر كان هناك فنا موازيا يعد فناً شرقياَ خالصاَ هو فن الفسيفساء وهو فن رص الاحجارالمنمنمة بجوار بعضها بألوان واحجام مختلفة للحصول لوحة فنية من خامات الطبيعة ثم تثبيتها بالطمى او الجبس، ثم جاء البيزنطيون فاستبدلوا الاحجار الطبيعية بالرخام ومن ثم استبدلوها بالزجاج الملون وتعد قبة كنيسة ايا صوفيا من الداخل بتركيا من اجمل اعمال هذا الفن وقد تحولت الى مسجد اسلامي ابان العهد العثماني .
وإستُخدم الزجاج في العصر الحديث في كافة المنتجات الحياتية مثل ادوات المائدة واواني الطهي وايضا في الديكور كحوائط وفواصل بين الحجرات بحيث يجمع بين النواحي الجمالية والنفعية في ذات الوقت كما انه سهل التنظيف ويسمح بمرور الضوء والأشعة الطبيعية بالاضافة لكونه مانع للاتربة والحشرات. 
وسيظل الزجاج في تطور دائم عبر العصور مهما اختلفت الثقافات وتعددت البدائل فهو يحمل في خواصه اسرار كونية تجعله ذو رونق خاص وجمال آخاذ شاهدا على حضارتنا التي نقلت للعالم تلك الصناعة لتغزل داخل التراث الانساني نسيج اقدم حضارة عرفها العالم .