المناهج الدراسية حصون للهوية الثقافية لدى الأجيال الناشئة

المدرسة تعد أحد مؤسسات التنشئة الأجتماعية لأبناء المجتمع، لذا فقد قامت العديد من الدول بمحاولات دمج موضوعات التراث الثقافى بالمقررات الدراسية.

التراث هو ما ابدعته الجماعة الشعبية من عادات ومعتقدات ومعارف وآداب وفنون لمواجهة ظروف حياتها والتغلب علي مشكلاتها، ويعدالتراث المصدر الأساسي الذى يحفظ للفراد والجماعة هويتها بين الشعوب، وهو الدرب الذى تسير عليه تجارب وحضارات الأجيال السابقة، والتى تنتقل من جيل إلى آخر، وفي ظل التكنولوجيا الحديثة ومحاولات طمس الهويات، شبت الأجيال الجديدة مغتربة عن قيمهم الوطنية بعيدة عن تراثهم الثقافى وثفافتهم الشعبية مما أدى إلى فقدان المجتمعات جزء من التراث المميز لها.

وهو الأمر الذي دعا منظمة اليونسكو مع العديد من الدول لعقد الأتفاقيات، منها "اتفاقية لحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي" في باريس عام 3197، تلتها مبادرات دولية أخرى لحماية منتجات التراث الثقافي، وحماية التراث الثقافي غيرالمادي في باريس عام 2003.

وتعد المدرسة أحد مؤسسات التنشئة الأجتماعية لأبناء المجتمع، لذا فقد قامت العديد من الدول بمحاولات دمج موضوعات التراث الثقافى بالمقررات الدراسية، منها دولة تركيا حيث قدمت منهج ثقافة شعبية لطلاب الصف السادس والسابع والثامن ما بين اعوام 2006  و2007 و2008؛ وقد ضمت هذه المناهج التقاليد والقيم والمعتقدات والطعام والملابس، من خلال استخدام الفنون البصرية، كما قامت دولة فنلندا بتدريس منهج وطني اعتمد في مضمونه على التعريف بخصائص التراث المعماري والثقافي، كذلك كرست دولة إيطاليا منهج للمرحلة ما قبل المدرسة والصفوف الخمسة الأولى أولت فيه للتراث الثقافي قدر كبير من الاهتمام.

وقد أشار كلًا من "pola، Cetin" المعنيين بدراسة التراث الثقافي انه يمكن تضمين وتعليم التراث الثقافي المحلي من خلال موضوعات تدرس في مناهج الدراسات الأجتماعية، والتاريخ، واللغات الوطنية، والفنون الجميلة، والموسيقى، والعلوم الطبيعية، والفنون البصرية، ويشكل التراث متنوع الثقافات جانب من الوعاء الممتليء بالزاد الثقافي الذي تستمد منه الشعوب عاداتها وتقاليدها وفنونها ايضًا، ومن جانب آخر تستمد منه أخلاقياتها، وعقيدتها، وأفكارها، كونها تنهل من هذا التراث لتشكيل مستقبل أكثر تطورًا،كما انه على الجانب الآخر يشكل الذاكرة المجتمعية التي نحتاج أن تبقي نابضة بالحياة ليمكن نقلها إلى أجيال قادمة، مما يعزز قيم وتقاليد المجتمع ويكرس للمواطنة الثقافية، ويدعم التفاهم بين الثقافات، من خلال التعرف على التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد لتأصيل المواطنة الديمقراطية، التى من شأنها الحفاظ على تراث الآخر، وتقديرهذا التراث واحترامه، مع مراعاة عدم التمييز والتهميش بين الثقافات وبعضها البعض، بما يعود بالفائدة على الدول فى مجال حفاظها على ثقافتها وتاريخها.

لذا فأن تعليم الجيل الناشئ العناصر المشكلة للتراث الاجتماعي، والثقافيفي المجتمع تمكنهم من الإنتماء لمجتمعهم، حيث تعد عناصرالتراث الثقافي متنوعة وتختلف من مجتمع إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، نتيجة عدة أسباب من بينها اختلاف المعتقدات الدينية، وجغرافية المكان، وثقافةقاطني تلك المناطق الآن وفيما مضي،وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدى بهم إلى إكتساب معرفة ووعي بتلك الثقافات، ويمكنهم من احترام الاختلافات بينهم، وقبولها، والتعايش معها، وتفهم عاداتهم ومعتقداتهم، ومن ثم ينشأون مواطنين مسؤولين قادرون على فهم تراثهم الثقافي والحفاظ عليه.

ولعل أهمية تضمين المناهج الدراسية والأنشطة المدرسية لمنهج تراثيثقا في يتسم بالتعددية الثقافية ويعكس عادات وتقاليد كل المجتمعات التي تشكل الوطن الواحد، من خلال تطبيق مهارات تمكن الطالب من التكيف والتعايش السلمي مع الآخر داخل مجتمعه يحقق للمواطنين الأمن الأجتماعي ويحقق للوطن عوامل الأستقرار وعناصر التنمية.

وتعد مادة الدراسات الإجتماعية بحكم أهدفها ومحتواها من المواد الدراسية التى يمكن ان تعين الطالب بشكل مباشر على إكتساب مهارات التعايش مع الآخر حيث يتميز محتواها بتقديمه نماذج للتراث الثقافى المادي وغير المادي المتنوع على المستوى المحلي والقومي والعالمي بالإضافة لتقديمه نماذج تراثية من الشخصيات المؤثرة في تراث الوطن عن طريق دراسة حياتهم واعمالهم ودورهم في الثقافة الشعبية، كما يمكن الطلاب الأكبر سنًا من دراسة المعاهدات والأتفاقيات التي تهتم بحماية التراث الثقافي والطبيعي للشعوب، وهو الأمر الذي يترتب عليه بناء شخصية الطلاب وتدعيم روح المواطنة لديهم، وتأهيلهم للتعايش السلمي في ظلمجتمع يتسم بالتعددية الثقافية.

وإنطلاقًا من ذلك يتحتم على معلمي الدراسات الإجتماعية الإنتباه للتراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي وتوظيفه في المنهج الدراسيمن خلال حقائق، ومفاهيم، وتطبيقات، يتضمنها المنهج الدراسي، وان يتم اصطحابهم في جولات إلى أشهر الأماكن التى وقعت بها أحداثًا تاريخية، وكذلك المواقع الطبيعية مثل المحميات الطبيعية وعيون المياة، والأماكن المقدسة مثل المساجد والكنائس، والمتاحف التاريخية والتراثية، والمهرجانات الشعبية، وأماكن تواجد الحرف التراثية مثل الخيامية ومشغولات الصدف، والجداريات الشعبية، والمباني البيئية، والأغانى والموسيقى والرقصات الشعبية، والأطعمة الشعبية ومناسباتها، والألعاب الشعبية.

ويتم ذلك على مراحل تعليمية وسنوات دراسية متتالية عبر منهج دراسي متنوع واعي يعرض الثقافات المختلفة على قدم المساواة، من خلال معلمين مدربين بشكل جيد، ووسائل تعليمية شيقة، وأساليب تقييم دقيقة، وأن تركز المناهج الدراسية على إشراك التلميذ كأحد أساليب التدريس بالإضافة إلى منحهم مساحة للحوار، وحرية في إبداء وتبادل الآراء، وتعريفهم على صورة الآخر فى تراثنا وصورتنا فى تراثه،كذلك إعادة بناء شخصياتهم في ضوء ما درسوه في تراثهم الثقافي.

مما سبق نرى أهمية تضمين التراث الثقافي المتنوع فى المناهج الدراسية لجميع المراحل التعليمية ايمانًا بدوره الفعال في إكساب الطلاب القدرة على معرفة عناصر تراثهم الثقافي، وسمات التعدد والتنوع فيه، والفروق بين أنماط الثقافة داخل البيئات المصرية، والوقوف على انواعه وأشكاله، مما يسهم في إكسابهم قيم أصيلة ومفاهيم وجدانية ذات مضامين ثقافية تحقق لهم مهارات التعايش السلمي مع الآخر بهدف تحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع بما يدفع قاطرة التطوير والتنمية للوطن.