"تيممّي برمادي" حزمة من حطب الغربة في بستان العشق الضوئي

يحيى السماوي شاعر بحجم الأمة، بما يقدمه للأدب والثقافة العربية، وكأنه نذرَ روحَه الهائمة لمحبةِ البشرية.
الشاعر يرسم غربته والوطن في وعاء لا يخرج منه إلا بصعوبة
أتاني من وراء ِالبابِ، ناداني لِتدخلي فأنا قد هَيتُ لك

بقلم: قاسم ماضي

يعملُ بصمتٍ، كلماتُه قادمةُ من عوالمَ أخرى، ومضامين وصور حية تنبض بالحياة، حتى أن قصائده كالريحِ فوق أغصان المحبةِ المفقودة في عالمنا الميت والعاج بالحروب والتوابيت، هذا العاشقُ الولهان رغمَ خريف العمر، كأنه يسبحُ في معتركِ العشق الذي رسمه لنفسه الملتهبة لعالم ِ المرأة الغامض، ليس هذا فقط وإنما يرسم غربته والوطن في وعاء لا يخرج منه إلا بصعوبة. 
الشاعر يحيى السماوي كما أجده في عصرنا الراهن "شاعرا ًبحجم الأمة" بما يقدمه الآن للأدب والثقافة العربية، وكأنه نذرَ روحَه الهائمة لمحبةِ البشرية. وكما قال ابن منظور "الشعر منظوم القول غلبَ عليه لشرفه بالوزن والقافية، وإن كانَ كلُ علمٍ شعرا". 
"كنُ عاشِقا ًلا تُساقي قلبه ُ إمرأة"
فالشاعر السماوي كما غيره من الشعراء الذين سبقوه فهو يُدركُ اليومي والمألوف، وتأثيرهما عليه وكيف تكون أصداء هذا التأثير على نفسيته حتى تتحرك في داخله وتخرج شعرا ًوكأنما يرسمُها بواقعيةٍ كي تخلّد قصيدته التي تعبرُ عن شخصيةِ الشاعر الواعية. وحتى يأخذنا إلى مرابع اللغة والكتابة فهو دائمُ الحراك والتجريب من خلال اللغة الفارهة وفيها من المخيلة الكثير عبر إجتراحِ صورٍ شعرية طازجة وفيها من الحلاوة الكثير.
"ولماذا جئتني في آخر العمر".
هو يشتغل على الكثير من آليات الشعر العربي القديم والحديث، قلّبَ جميعَ الصفحات التي أشغلت تفكيره في الشعر العربي منذ تعلمه القراءة والكتابة، وعرف جميعَ بحورِ الشعر، ولو تفحصنا جميعَ دواوينه نجدُ كلَ ديوانٍ من دواوينه يتضمنُ تجربةً مغايرة لسابقتها.
"وأن عطرَ زفيركِ الليلي، أشذى من رذاذِ الياسمين، ومن رحيق الزنجبيل".
وقصيدة "بدر من الماء والياقوت" وغيرها قد تجلت اللغةُ القرآنية الرائعة والمرسومة بإحكام ٍفي معظمِ قصائده المنشورة في دواوينه الحديثة والقديمة التي أطلعنا عليها، ويبدو أنه مطلّعٌ على القرآن الكريم بشكل عميق ومتأمل  لكل تلاوين لغته الثرة ، هذا الطائرُ الذي ينزفُ شعرا ًويجدّدُ قضاياه اليومية وهو يستعيرُ عدداً من الصور حتى يحاكيها بالحبر السائل يجعلُه يثقُ بما يكتب.  

"أتاني من وراء ِالبابِ، ناداني لِتدخلي فأنا قد هَيتُ لك".
ويجدُ نفسه في هذا المجال كالطائرِ الذي لا يوجد غيرُه في عالمِ السماء، ولأنه تربى في بيئةٍ تعكس انفعالاته الداخلية وما يحيطه من ضجيجِ هذا العالم الذي شبهّهُ بخيمةٍ كبيرة ممزقة لا تشبه الوطن، ولأنه مهووس بالشعر، وهذا الهوسُ الذي يعلو في فضاءات الغربة المقيتة، والتي شكلت له عالماً خاصاً به، حتى أخذته سنين الغربة إلى مطافات أخرى جعلته يشدو في سماءِ غربته التي أنتجت لها مصدات كثيرة في عالمها الذي يجعلك تتفردُ بمغزلك الشعري، والذي أراد منه أن يكونَ أداة ًمحركة لتلك الذكريات والأحداث الآنية التي ربطها في ديوانه الجديد وكأنها مرثية يشيعُ بها الأحبة.
أحدو وليس سوى الأوهامِ قافلةً 
بين المنافي حسيرَ الحزنِ والكدر.
يقول عنه الناقد جمعة عبدالله نجدُ الطراوةَ والحلاوة َفي اللغة الشعرية المبهرة لدى الشاعر العراقي المعروف السماوي، نجد الإندهاشَ في الأداء الفني والتعبيري في شفافية ملهمة، في جوهر الأشياء الروحية والمادية، في محسوساتها المتفجرة، ولهذا أخذتني قصائدُ هذا الديوان "تيمًمي برمادي" إلى مديات أخرى حتى شعرت أنني أتكئ على عالمٍ كامل من فيضِ هذه المشاعر العفوية والراقية والمؤثرة. 
وأنت أيها القارئ  تستلهمُ مصدرَها من أحاسيس هذا الشاعر السماوي الكامنة في داخله المُعبأ بالعشق والسكون. وشاعرنا السماوي بقوة أفكاره وما يؤمن به من فلسفةِ شكلها مشواره الشعري، منذ أن جعلَ للمفردة صوراً مختلفة عاجة في البانوراما التي ترسمها قصيدته التي أشعلت في داخله هذا العشق الضوئي، ولهذا يتبينُ لنا دلالة على قدرة السماوي على اللحاق بأفق مفتوح لقصيدته التي لا تكتمل.
يا جنة الله في قلبي ويا قمرا 
من الأنوثة أدناني من القمر. 
ولو دققنا كثيرا في جميع دواوين هذا الشاعر المتفرد لوجدنا أنه أطلع على الكثير من الثقافات والتجارب، وأنتج وأبدع، ووجدت في هذا الديوان وخاصة عن المرأة هي الحلم، الأم، الجمال، الدفء، الحبيبة.
فَلقَ الوردةَ رَبّ الفلق، فتجلت شفتين
يذكر أن هذا الديوان "تيمّمي برمادي" للشاعر العراقي المعروف بين الأوساط العربية والعراقية، هو من القطع المتوسط ويقع في 176، وهو من إصدار مؤسسة المثقف العربي - سيدني-استراليا.