ثاني الحمداني يدرس بنية الشخصية في الرواية العُمانية

الدراسة تتكئ على المنهج الوصفي التحليلي في ضوء المقاربات السردية التي تُعنى بالخطاب وبنية الشخصية، وتعد مدخلا لدراسات مشابهة حول الرواية العربية وخطابها السردي وعلاقاتها وأنماطها.

يؤرَّخ لظهور أول رواية في عُمان بـ"ملائكة الجبل الأخضر" للشاعر عبدالله الطائي عام 1963، وهي رواية تاريخية تصور أحداث حرب الجبل الأخضر في عُمان بين عامي 1954- 1959، التي انتهت بانتصار نظام السلطنة على نظام الإمامة. لكن التجربة الروائية، التي تتسم بملامح فنية، في عُمان تعود إلى النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي عندما صدرت رواية "رجال وجليد" لسعود المظفر، وروايتا "خريف الزمن" و"جراح السنين" لسيف السعدي.
وقد تفاوتت هذه التجارب بين تقنيات الرواية المتقنة وبين الأساليب التقريرية والإنشائية، وبين الرواية والسيرة الذاتية، وأفرزت في السنوات القليلة الماضية العديد من الروائيين، كما تصاعدت الإصدارات الروائية. وجاء فوز النسخة المترجمة إلى الإنكليزية من رواية "سيدات القمر" لجوخة الحارثي بجائزة مان بوكر الدولية ليعزز هذه التجارب، ويدفع الباحثين والنقاد إلى كتابة أبحاث ودراسات عن الأدب العُماني على نحو عام، والرواية على نحو خاص، ومن بين أحدث الدراسات في هذا السياق كتاب "بنية الشخصية في الرواية العُمانية" للباحث العُماني ثاني الحمداني الصادر عن دار الآن ناشرون وموزعون الأردنية.
دوّن الحمداني على غلاف كتابه، المؤلف من أربعة فصول، كلمة قال فيها إن "الرواية عالم حكائي يصوغه الروائي يتخطى فيه واقعا معيشا إلى عالم الخيال، ضمن زمن لا منته يجعل القارئ يغوص في أنواع شتى من المتاهات التأويلية والدلالية". 
واستهل الفصل الأول بإطار نظري قدم فيه تعريفا للراوي السارد؛ مبينا أنه الشخصية التي تخبر عن الحكاية، سواء أكانت حقيقية أم متخيلة؛ مستندا إلى عدد من التعريفات والمفاهيم التي ساقها النقاد العرب والأجانب؛ ممحصا إياها بمقاربات تراثية، ومميزا بين الراوي والمؤلف، وأنماط الراواة ووظائفهم. وذهب المؤلف إلى أن الشخصية ثمثل حجر الأساس في الرواية ومدماك البناء، كونها تمثّل الحركة وتطوّر الحدث، فهي تُعد "عالما مبنيا بواسطة اللغة"، ومنها تتكون الإحالات الدالة على المكان والزمان والأحداث ومستويات اللغة، فأهمية الشخصية في تكوينها للحدث وتحوّلاته.

 المؤلف أشار إلى أنه حاول من خلال هذا الكتاب الخروج عن مألوف الدراسة التاريخية للرواية العُمانية، والتركيز على بعض جوانبها التي تتصل ببنية الشخصية الروائية

كما تناول في هذا الفصل جملة من الدراسات السابقة التي تناولت الرواية العُمانية ومناهجها، ووقف على مفهوم الشخصية والراوي والسارد، بينما خصص الفصل الثاني للعلاقات بين الشخصيات، وفي الفصل الثالث أطل على فضاء الشخصيات، وختم في الفصل الرابع بقراءة دلالات الشخصيات من خلال تقسيمها إلى خمسة أنماط هي (الشخصية الفاعلة، الشخصية المهزومة، الشخصية المأزومة، الشخصية السلبية، والشخصية الإيجابية)، ضاربا مثلا عليها بنماذج من الرواية العُمانية، وبتطبيقات تتصل بالسياق الدلالي، والبعد النفسي، وتطور الشخصية ونموها وهواجسها وخوفها. ومن الروائيين الذين خص أعمالهم بالتحليل عبد العزيز الفارسي، محمد بن عيد العريمي، حسين العبري، جوخة الحارثي، وبدرية الشحّي.
اتكأت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي في ضوء المقاربات السردية التي تُعنى بالخطاب وبنية الشخصية، وإن كانت تمثل نماذج من الرواية العمانية فإنها تمثل، في موضوعها ومنهجها، دراسة تأسيسية ومدخلا لدراسات مشابهة حول الرواية العربية وخطابها السردي وعلاقاتها وأنماطها.
وفي السياق ذاته قسم المؤلف الشخصيات الروائية إلى رئيسة ومحورية، أو أساسية وأخرى ثانوية، أو جامدة مسطحة، كما قسمها إلى مرجعية، تخيلية، وعجائبية بحسب ورودها في السياق الاجتماعي وعلاقاتها مع البيئة.
وأشار المؤلف إلى أنه حاول من خلال هذا الكتاب الخروج عن مألوف الدراسة التاريخية للرواية العُمانية، والتركيز على بعض جوانبها التي تتصل ببنية الشخصية الروائية، وما يتصل بها من عناصر تؤسس للخطاب السردي بشكل عام، دارسا العلاقات بين الشخصيات التي قسّمها إلى متحولة، ثابتة، ووظيفية، ولكل منها حضورها الروائي وفاعليتها، معرّجا على الفضاء الذي تتحرك فيه من خلال ثنائيات البحر/ الصحراء، هنا/ هناك، وثنائية الإقصاء/ الجذب.
وسلط الحمداني الضوء، في تركيزه على الفضاء الروائي، على البعد الاجتماعي الذي يشكّل فلسفة الرواية، بوصفها وسيلة للتعبير تتيح الفرصة لقراءة هواجس المجتمع وأحلامه وقضاياه ومشكلاته وأنماط تعبيره.