ثورات تملأ الدنيا

ثمة شيء خطأ في أن يملك أفراد مئات المليارات. الثراء الفاحش في مكان لا بد أن يعني فقرا مدقعا، وثورة، في مكان آخر.

شباب يصرخون في أرجاء الأرض، ذلك أنهم مدركون أن حقوقهم مهضومة، وهناك مليارات من البشر لا يملكون أبسط الحقوق لكنهم يخافون أن يخرجوا ويهتفوا ضد حكوماتهم، بينما خمسة أشخاص فقط يملكون مليارات يمكنها أن تقضي على الجوع في كافة أرجاء الأرض، وكلهم من الجنسية الأميركية وعلى رأسهم جيف بيزوس صاحب شركة الأمازون بثروة قدرت بـ 112 مليار دولار، فإذا جمعنا ما في جعبة أصحاب المليارات، ووزعناها على البشر، لعاش جميع البشر في رخاء، ولم يخرج أحد إلى الشارع مكتويا بنار الفقر.

الرأسمالية جعلت الأغنياء أكثر ثراء والفقراء أشد فقرا، وعملت مصانعها على تآكل طبقة الأوزون الضرورية لتوازن حرارة الأرض وحل محلها طبقة ثاني أكسيد الكربون التي أدت إلى الاحتباس الحراري، ولولا الرأسمالية والتنافس المحموم بين المصانع على إخراج المال من جيب المستهلك، لما أصاب الأرض ما أصابها من خراب، وقد بدأت الآثار المدمرة بالظهور بشكل أكثر وضوحا ممثلا بالسيول والفيضانات والتسونامي في شرق الأرض ومغربها التي تقضي على آلاف البشر.

لقد فشلت نظرية آدم سميث ونظرية جون كينز وإذا ما استمر العالم بتطبيق هذه النظريات، سيصل العالم إلى مرحلة الحروب الكونية مرة أخرى وسيبلغ غضب الأرض مداه وسوف تغرق الجميع بعواصفها وأعاصيرها. وربما يكون هذا خيرا من موت البشر بسبب جشع الرأسماليين.

يعترف العالم بأن الحياة قائمة على الصراع وأن البقاء للأصلح ولكن هذا الاعتراف أدى إلى خطين متعاكسين، فبعض الناس قالوا "لا لن نسمح بأن يأكل البشر يعضهم، وسوف نقوم بتوزيع الحاجات الأساسية على الناس بالتساوي." وقال البعض "بل نسمح للبشر أن يأكلوا بعضهم البعض حتى يصبح البقاء للأصلح." هؤلاء هم أصحاب الفكر الشيوعي والرأسمالي. وبينما يعيب الرأسماليون على الشيوعية بأنها لا تصلح كنظام اقتصادي لأنها لا تلبي طموحات الأفراد، فإنهم لم يبرعوا إلا في توسيع الفجوات بين طبقات المجتمع وزيادة عدد الجياع واندلاع الحروب في شتى بقاع الأرض. بينما الجانب السلبي الوحيد في الشيوعية هو انعدام الملكية الخاصة بينما يعيش الناس على قدم المساواة ولا يبيت أحد تحت الجسور وفي الأنفاق.

أدركت الكثير من دول العالم السلبيات المرتبطة بالنظامين الرئيسيين الرأسمالية والشيوعية، لذا قامت بتخطيط اقتصاد خاص بها يجمع ما بين الاثنين، مثل الصين والدول الاسكندنافية، وذلك لحماية جميع قطاعات شعوبها، إذ أن الرأسمالية لا بد وأن تخلف وراءها ملايين الفقراء والمشردين، والشيوعية ستخلف وراءها أفرادا طموحين ويريدون أن يحرروا طاقاتهم من رقابة الحكومات والتدخل في تجارتهم، وهذا الحل فيه من العقلانية الشيء الكثير، إذ لا يمكن أن تكون دول العالم الثالث والدول الأكثر فقرا دولا رأسمالية بينما أسواقها تغرق في منتجات أجنبية، وليس أمامها سوى حماية شعبها من خلال فرض الضرائب والجمارك. ولا يمكن للدول الغربية أن تكون شيوعية ولديها قدرات هائلة على الإنتاج، فلا بد لها من إطلاق طاقات شعبها مع فرض ضرائب وجمارك لحماية الفئات المحرومة من شعوبها.

وهناك حل آخر وهو وضع سقف للثروات الفردية، بحيث يسمح أن يمتلك الفرد حدا أقصى من المال، وإعطاء ما يزيد للدولة. ورغم صعوبة تحقيق ذلك، نظرا لضراوة وشراسة المقاومة التي يبديها الأثرياء، فمن غير المعقول أن يكون هناك أشخاص يمتلكون مئات المليارات بينما نصف سكان الأرض يموتون من الفقر ونقص الماء والغذاء.

لقد ألحقت الرأسمالية ضررا لا يمكن وصفه، وقد أوغل الواقعيون في واقعيتهم ونظرتهم إلى الحياة على أساس التفوق العرقي والفكري والحضاري والبقاء للأصلح أو للأفضل، وأشعلوا حروبا هنا وهناك بهدف الاستيلاء على الموارد والأسواق وأوغل المثاليون في مثاليتهم القائمة على فرض المساواة بصرف النظر عن الفروق الفردية. وما تحتاجه الدول الفقيرة هو نظام مختلط تتولى فيه الدولة الوفاء بالحاجات الأساسية للإنسان كالطعام والتعليم والعلاج والمسكن، وتترك الأعمال التجارية لمن يريد أن يحاول ولوج السوق وجني الأرباح.