جمهورية أصحاب السوابق

تاريخ أسود للطبقة السياسية الحاكمة في العراق، قبل الاحتلال عام 2003 وبعده.
العراق محكوم من قبل ناس لو كانت الدولة دولة لكانوا في السجون أو على أعواد المشانق
مقتدى الصدر يتطلع لرئاسة الوزراء، بعد كل ما امتلكه من وزارات ومؤسسات ومقاعد في البرلمان
حين ساءت علاقة الطالباني بإيران وتوجه لصدام حسين، أمر بتصفية أكثر من سبعين من حلفائه الشيوعيين

إن أي دولة تحترم نفسها لا ترضى لكرامتها وهيبتها وأساس وجودها أن يتولى حكمها مطلوبون للعدالة، أو مدانون في المحاكم بجرائم قتل وسب ونهب واغتيال وتبعية كاملة لأجنبي.

والذي تتميز به دول العراق الديمقراطي الجديد أنها الوحيدة من بين دول الكرة الأرضية التي تجيز لمليشيات أن تُسيّر في عاصمتها وأمام مبنى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان قوافل مجاهديها وهم يصوبون مدافعهم وخراطيم دباباتهم نحو مقر القائد العام للقوات المسلحة، وبحرية كاملة، وبملابس الدولة الرسمي وسلاحها وبأموالها.

وفي دراسة معمقة لتاريخ كل واحد من أصحاب القرار، حكوميين أو مليشياويين، معممين أو أفندية، يتبين أن كل واحد منهم محمل بسجل جرائم من كل نوع ومن كل وزن، وعمالة علنية غير مستترة لدولة أو لمخابرات أجنبية، دون حساب ولا كتاب.

حتى صارت مخالفة القوانين واحتكار الثروة والسلطة بقوة السلاح أمورا عادية غير مستغربة ولا مستهجنة، وهو ما يؤكد أن العراق محكوم من قبل ناس لو كانت الدولة دولة لكانوا إما في غياهب السجون أو على أعواد المشانق، ومن سنين.

ويكفي أن مقتدى الصدر، وهو أحد الوالغين بالدم العراقي، يتطلع إلى رئاسة الوزراء، بعد كل ما امتلكه من وزارات ومؤسسات ومقاعد في البرلمان. ويكفي أن من جيش المهدي الذي أنشأه، بالتزامن والتفاهم والتعاضد مع شقيقه فيلق بدر المولد إيرانيا، توالدت العصابات، وتكاثرت، حتى أصبح الوطن غابة بنادق وحقول مفخخات وألغام ومتفجرات.

والمحزن أن الذي جرى يجري في دولة المركز جرى يجري في إقليم كردستان أيضا، دون شك.

وباختصار يمكن القول إن تاريخ هؤلاء وأؤلئك جميعا أسود، ومتخم بجرائم تراوحت بين القتل والتهجير على الهوية وبين السطو والاغتصاب والاختطاف واحتلال الوزارات والمحافظات ومصادرة حريات المواطنين وحقوقهم وأرزاقهم، باسم الشعب وباسم الدستور وسلطة القانون.

والآن إليكم هذا الخبر.

"قررت الهيئة القيادية للاتحاد الوطني الكردستاني تجميد القيادي في الاتحاد ملا بختيار". وذلك عقب نشر ملا بختيار مذكراته التي تضمنت سيرته السياسية وذكرياته عن الأحداث والقضايا العامة، وخاصة ما يتعلق منها بمجزرة القتل الجماعي التي حصد فيها فرسان الاتحاد عشرات من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي في منطقة بشتاشان.

يقول بختيار في مذكراته: "لقد امتنعت عن قتل أسرى الشيوعيين في أحداث بشتاشان، ورفضت أن أنفذ أوامر القيادة حين طلبت مني ذلك". 

وقال إن "نوشيروان مصطفى، وهو نائب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قال لي حرفيا: أنا سحقت رؤوس الشيوعيون وعليك أن تقطع أوصالهم".

وقال أيضا لقد "امتنعت عن قتل ابنة الشهيد سلام عادل وهي كانت موجودة في مقراتنا، والشهيد سلام عادل من اجمل رموز البطولة في تاريخ العراق، فكيف لي أن اقتل نساءً ورجالا واطفالا عربا من الناصرية والبصرة وهم لجأوا إلى مناطقنا؟"

ولمن لا يعلم فإن بشتاشان قرية نائية على الحدود العراقية الإيرانية لجأ إليها المتطوعون الشيوعيون لمقاتلة نظام صدام حسين مع حلفائهم في الاتحاد الوطني الكردستاني في أوائل الثمانينيات.

وحين ساءت علاقة الطالباني بإيران، وتوجه لصدام حسين وأمطره بساخن القبلات أمر بتصفية أكثر من سبعين رجلا وامرأة من حلفائه الشيوعيين المتمترسين في قرية بشتاشان ليبرهن لنظام بغداد على صدق توبته من المعارضة، ووثبات افتراقه عن التحالف مع الشيوعيين والإيرانيين.

وفي ليلة الأول من آيار/مايو سنة 1983، وفيما كان الشيوعيون يستعدون للاحتفال بمناسبة عيد العمال العالمي، بدأ الهجوم عليهم من جميع الجهات، ويقال إن مدفعية الجيش الحكومي شاركت في القصف، وقد سقط في المجزرة أكثر من سبعين رجلا وامرأة من الشيوعيين.

ويروي الكاتب علاء اللامي بعض التفاصيل نقلا عن بعض الذين عاصروا المجزرة، فيقول،

"لقد قُسِّم الأسرى على أساس قومي فأطلق المهاجمون سراح الشيوعيين الأكراد، وأُعْدِمَت الأسيرات الشيوعيات العربيات ببشاعة أمام رفاقهن، وقُتِل الأسرى بسادية بعد أن جردوا مما في جيوبهم من نقود، وجعل مسلحو الطالباني من أحد الأسرى، هو الرفيق الشهيد حامد الخطيب أبو ماجد، دريئة فرُبط إلى شجرة زيتون وراحوا يتدربون على تصويب الرصاص نحوه".

ثم بعد كل ذلك، يعود جلال الطالباني إلى صفوف المعارضة، وإلى الأحضان الإيرانية، ثم ليصبح رئيسا لجمهورية العراقيين، شيوعيين وإسلاميين، عربا وكردا، شيعة وسنة، مسلمين ومسيحيين، وتسجل رئاسة جمهورية العراق حصةً ثابتة له، ولمن يرثه فيها من تلاميذه المخلصين.