جهاد موسى يعيد ملفوظاته التزاحمية ويتخطى تخومه

جنكو ابن مدينته عامودا هو حالة إبداعية لا تغيب عن الوقائع الفنية بوصفها وضعيات إنسانية متراكبة ومتراكمة، وهو يتحدث باللون ويبحث في تقنية الرسم ومواده.

جهاد موسى (1967) أو جنكو كما هو معروف بين أقرانه من أبناء مدينته عامودا حيث ولد وكما يحب أن يعرف به، هو حالة إبداعية لا تغيب عن الوقائع الفنية بوصفها وضعيات إنسانية متراكبة ومتراكمة، فهو يتحدث باللون وإن كان باحثاً في تقنية الرسم ومواده.
 وسبق ان ترجم كتاب (أسرار تقنية الرسم من الروسية 2006) فهو الحاصل على الدكتوراه عام 2006 من أكاديمية المسرح والفنون في بطرسبورغ.
 أقول جنكو يتحدث باللون وهذا ما يقتضي منه القيام به داخل ممكناته المحكومة بغطاء فضائي إنساني فهو حالة كائن يعود إلى داخل الموجودات لإخراج حصيلتها إلى السطح بدلالة لا تعبأ بالمحور الحامل لنمطية تفكيره  خلقه، ولا يكفيه بعض المفاهيم المتداولة حتى يباشر برسم إحالات لعلاماته داخل حصيلة سيرورة تجربته، فالوقائع عنده ليست أكثر من تحديد طبيعة الكون الدلالي لعمله، ومن هنا يأتي إنتقاءه القيمي لإستراتيجية تجربته وبناء عناصرها لا كإختيارات دلالية ولا للفصل بين هيكلية عمله وبين الأداة البانية لها فحسب بل لخلق قاعدة إنطلاق مع توفر كل أدوات الوصف وإنتاجه.

 فالذي يحدد الطبيعة الإفتراضية لمنجزه هو الممارسة اللامحدودة لمضمون مقولته في ذاتها وخلق معرفة جديدة في سياقه الخاص وكإحدى تصوراته في تحقيق ما يمكن أن نطلق عليه الميكانيزمات التي تهيمن على تحولاته، فكل عملية إنجاز عنده تعني نمطاً ما في البناء لا كتحديد مضمون بل كإختيار دلالي قابل للإشتغال ضمن حدوده المباشرة، وهذا بدوره يمنحه تحققات في عالم دائم التغيير و التطور، وهذا ما يثير إهتمام المتلقي أو على الأقل يطلق فهماً ما تخص فرضياته.
 وبالتعرف على النسق الذي يرابط جنكو عليه ويمنحه خصوصية ما، يجعلنا نردد المقولة الدارجة "المبدع لا يخلق القيم و لكنه يخلق أشكالاً جديدة للتحقق" و كأنها قيلت وفق ما يضيفه هو وما يريد هو أن يقوله في تجربته.
 فجنكو و ما يقوم به من تكثيف الفعل عبر إستعادة عمليات تحويل مسارات تصوراته هو الذي سيقوده إلى داخل مدارات الممارسة الإبداعية وذلك بإعادة الفعل المتحرك لسطوحه وإعادة صياغتها بتنوع ردود الأفعال التي تتدافع في حالته من خلال الوقائع التعبيرية التجريدية، وما المقصود في حالته هذه إلا ما يتعلق بها من تجسيد لخصوصيته، تلك الخصوصية التي تحمل طعماً ولوناً كل منهما يشير إلى نمط خاص لكياناته المرئية منها واللامرئية، و منهما يستمد جنكو فرادته 
في عمل جنكو لا يستند المتلقي في تقييمه على فهمه لها بقدر ما يستند على تذوقه وما يخلق في داخله من متعة عذبة، جميلة، و من قراءة أولية بدئية ستتولد تلك المتعة وسترافقه لفترة زمنية، راسماً في مخيلته مسارات للتأويل لا يمكنه تجاهلها.
 ويمكن القول هنا ان كل الإرساليات المتبادلة بين عمل جنكو ومتلقيه هي إرساليات تحتضن الوقائع وكل التأويلات الممكنة ضمن ما تسمح به ممكنات العمل الدلالية، فكما تتعدد القراءات ستتعدد التأويلات تبعاً لطبيعة المتلقي وما يحمله في جعبته من مفاهيم وقيم وتركات معرفية، أو تبعاً لدائرة التصنيفات المعرفية (تقليدية، جديدة) التي ينتمي إليها، وهذا ما سيحدد رؤيته وإمتداداتها مع إيقاظ وعيه النقدي بدرجة ما، و مع ذلك فهو أقصد المتلقي ليست لديه نظرية جاهزة في التعاطي مع أعمال جنكو بقدر ما يعتمد على ذائقته وأحاسيسه في صياغة تصوراته و التي قد تلد متناقضة في أكثر الأحيان، فالنشاط المعرفي العام مازال يبحث لنفسه عن حضور وترسيخ بإعتباره نتاج الإنسان وسلوكياته .
وفي ضوء ذلك ومن أجل الإدهاش الذي يتركه عمل جنكو لمتلقيه الذي يشد أنفاسه وسط الكم الهائل من التأويلات التي تتكاثر وتتمدد كسيمفونية عذبة وتفاجئه وتخطف تردداته ليبقي هيمنته على التحولات التي لا يمكن الفكاك منها ولا من مدى آثارها عليه وعلى قراءاته في سبيل تحقيق غرض معرفي إلى جانب المتعة المساندة للروح، يمكن لجنكو أن يتجاوز الأبعاد الوظيفية لبؤر إنتاجه إلى تحديد أنماط فضاءاته حيث يجنح بألوانه وخطوطه إلى صيغ لها المدى القادر على تعريف مشروعه المحفوف بالجهود الحذرة وهي تكسر حدود حقله بوضوح مع قطع المطلق لدرجة التناثر، أي يعلن عن نفسه في الحاضر.
فكل عمل من أعماله وفي جانب واحد من جوانبها على الأقل هو إستجابة لرؤيته الجمالية في التجربة الإنسانية، بوصفها إرساليات ثقافية خاصة مرتبطة في المقام الأول بتلك التراكمات ذات الأنساق التواصلية بتصنيفاتها المختلفة، وهذا أمر في بالغ الأهمية.
 فجنكو يرتكز على شبكة مركبة من العلامات العلائقية منها والمعزولة مع وجود إمكانية تخطي تخومه في الوقت ذاته، ومن هنا يجد بأن عليه كضرورة بنائية أن يعيد ملفوظاته التزاحمية، الرمزية منها والموفدة كطريقة جديدة في رصد البعد الجمالي لحالاته الإدراكية .