جيوش العطش على أسوار بغداد

دجلة يحتضر، وسياسيو العراق لاهون بالفساد والسرقات والسفر. تركوا بلدهم نهبا لمطامع الجوار، وظهروا بمظهر الجواسيس والعملاء لا أكثر.

"بغداد والصيف والعطش". هي لحظة فارقة في تاريخ بلاد الرافدين حيث تتوغل جيوش العطش التي أطلقتها الجارة الإسلامية على النمط الإخواني تركيا نحو الأراضي العراقية. جيش الجنود والدبابات يتوغل لبضع كيلومترات لمطاردة المجاهدين الأكراد المطالبين بحقوقهم المشروعة في إقامة وطن قومي للأمة الكردية، وهناك ما يقرب من أربعين قاعدة عسكرية في بعض المناطق الكردية شمال العراق.

جيوش العطش على طول جغرافيا نهر دجلة تنطلق من قاعدة الشيطان (سد أليسو) وتتقدم نحو سد الموصل لتحوله الى معلم تراثي، ومنه الى صلاح الدين معقل صدام حسين الذي هدد قبل عقود بضرب السدود التركية بالصواريخ، ثم الى بغداد لتدمير حصونها، وقتل شعبها عطشا. لكن اللافت إن جيوش العطش العثمانية الجديدة إلتفت حول العاصمة، وتوغلت في مناطق نفوذ الأتراك السابقة جنوب العراق حيث واسط التي جرت فيها معركة شهيرة بين القوات التركية المنهزمة وقوات بريطانيا العظمى مطلع القرن العشرين، ومنها الى ميسان والناصرية موطن إبراهيم الخليل، وثم البصرة المدينة المنكوبة بالنفط والحر والأزبال والعطش والحروب العشائرية والمخدرات والجريمة وتدخلات دول الجوار البغيض لتحول العراق الى صحراء قاحلة وقاتلة.

الصراع السياسي جعل الإرادة السياسية مثل ماكنة معطلة من سنوات طويلة ولا تتوفر النية لإصلاحها، وتحول الأمر الى مجرد محاولات رسمية وشعبية لضمان المصالح والمكاسب المالية والسياسية وإهمال التحديات الحقيقية المتمثلة بتهديدات واقعية تمثلت ببناء السدود ومنع تدفق المياه الى العراق من الحدود مع إيران وإمدادات دجلة من هضاب تركيا التي تحاول خزن مزمع لكميات هائلة من المياه في السد.

العراق في خطر وهناك ضرورة للاستفادة من تجارب بعض البلدان كمصر التي تعاني من مشكلة بناء سد النهضة في أثيوبيا وما يشكله ذلك من خطر خاصة وإن مصر لا تمتلك الكثير من الموارد لتلافي الاضرار الناجمة عن السد وهي تبتكر اساليب ولديها رؤية ويجب الإفادة منها كما إن دول الخليج الصحراوية التي تعيش برفاهية مع انعدام المياه تصلح لتكون مثالا.

في العراق الأمور مختلفة للأسف والحلول ليست متوفرة على المدى القريب.

في وداع دجلة

خدعنا الجواهري حين قال في رائعته التي يتغنى فيها بنهر دجلة الخالد:

حييت سفحك عن بعد فحييني

يا دجلة الخير يا أم البساتين

خدعنا أحمد سلمان حين غنى:

ميك يدجلة شحلو ليلك وسمارك

خدعنا الذين قالوا.. بلاد النهرين.

كم أنت مخادعة يا وحيدة خليل حين تغنين منذ أربعين سنة وأنا أصدقك:

أنا وخلي تسامرنا وحجينا

 نزهة والبدر شاهد علينا

على شاطي النهر جينا بدينا

 والعذيبي تبسم عبير الورد يشتم

آه منك أيتها اليهودية، يا من سرقت قلب ناظم الغزالي، وكنا نسميك "سليمة باشا مراد" كيف كذبت علينا طوال هذه السنين، ونحن نسمع رائعتك:

على شواطي دجلة مر

يا منيتي وكت العصر

دجلة يحتضر

دجلة الذي كان يخترق الجسد العراقي من أقصى الشمال ليمر الى الجنوب حاملا الماء والطمى والحياة والعنفوان ويشع في نفوس العراقيين بالبهجة والأغاني، ويجعلهم يتباهون على من حواليهم من شعوب بلدان إنهم يملكون الرافدين العظيمين، وهاهما اليوم يجفان رويدا، وتنضب فيهما الحياة.

سندخل في دوامة العطش والمساومات الرخيصة وعلينا أن نسمع من الأتراك لمطالبهم العديدة وإبتزازهم. فهم سيطلبون ما لا نستطيعه، أو ما نستطيعه على مضض، أو ما نستطيعه لكنه سيعرضنا الى مشكلة مع الضمير. فهم يريدون نفطنا، ويريدون تنازلاتنا السياسية، وأن ندخل معهم في أحلاف ثنائية ورباعية، وأن نكون ضمن مشروعهم في المنطقة، وإذن هم يحاصروننا بالموت والخوف والعطش الممض.

دجلة يحتضر، وسياسيونا لاهون بالفساد والسرقات والسفر، تركوا بلدهم نهبا لمطامع الجوار، وظهروا بمظهر الجواسيس والعملاء لا أكثر.