حذار من خراف سود وبيض جديدة!

في العراق طبقة سياسية متميزة بعدم قدرتها على قراءة مخاطر التغيرات الكبيرة في المنطقة.

من الغرائب المضحكة المبكية في تاريخ العراق، انه في العام 1401 ميلادية الموافق 804 هجرية، ترك تيمورلنك الاراضي التي احتلها، ومن ضمنها بغداد وبقية المناطق العراقية التي كانت تحت سيطرته، وعاد مع احمال كبيرة من الكنوز التي سيطر عليها الى عاصمة ملكه سمرقند، تاركا تلك البلاد تعيش فوضى عارمة، سهّلت مهمة قبيلة رعوية تركية كانت تمتلك خرافا كثيرة بلون اسود، لتحتل بغداد في العام 1411 ميلادية الموافق 813 هجرية، وتحكمها لفترة من الزمن، لتدخل التاريخ باسم "دولة الخروف الاسود". شجع هذا قبيلة رعوية تركية اخرى، كانت تمتلك خرافا بلون ابيض، فغزت هذه بغداد العام 1488 ميلادية الموافق 890  هجرية، لتطيح بسابقتها وتحتل المدينة وتدخل التاريخ باسم "دولة الخروف الابيض". كانت فترة حكم دولتي الخروفين هذه من اسوأ ما مرّ بالعراق، على الرغم من ان التي تلتها لم تكن بالأحسن منها، لان البلاد وهنت تماما. وحين غزاها اسماعيل الصفوي في العام 1508 ميلادية الموافق 910 هجرية لم يجد مقاومة تذكر، لان "الدولتين" السابقتين لم تكونا سوى مجموعتين همجيتين كان همّ كل منهما النهب والاغتناء على حساب الناس الذين باتوا مغلوبين على امرهم، منذ سقوط بغداد في العام 1258 بل قبلها بكثير، حين بات همّ الحكام المتأخرين من الخلفاء العباسيين، المجون والخدر بين الجواري والغلمان!

حين غادر الاميركان العراق اواخر العام 2011 شعرنا بارتياح ممزوج بحذر، لان "همراتهم" التي تجوب شوارعنا ليل نهار، وهي توجه فوهات اسلحتها الى صدرونا، كانت تشعرنا بإهانة، تتوازى مع الشعور باننا في كل لحظة ممكن ان نكون ضحية خطأ في تقدير احد جنودهم. وقتذاك، كان العراق يزخر بالكفاءات العسكرية والمدنية، وكان ايضا يصدّر من النفط ما جعل خزينته ممتلئة بالمال، وكان الشعب مستعدا لأخذ زمام المبادرة بعد ان صودرت فرصته تحت ضغوطات الحصار ومن ثم الاحتلال. لكن ساستنا انشغلوا بملء الجدران باعلانات كبيرة تقول "يمضون ونبقى"! وغيرها، من دون ان يعملوا بجد على انهاء حالة الشلل والفوضى التي تركها المحتل، متجاهلين تلك الكفاءات الكبيرة والكثيرة، اذ بقيت مؤسسة الجيش مهلهلة كما المؤسسات المدنية، وظلوا يتصارعون على المغانم والمناصب، فيما كان صدى الزلازل من حولهم، بعد ان بدأ "الربيع العربي" ينذر بخطر داهم، لم يستطيعوا ان يستشعروه، حتى بعد ان احترقت امامهم سوريا المجاورة، وبانت بوضوح حقيقة اللعبة الدموية في المنطقة، فكانوا في صراعهم على الصغائر، وكإنهم يمهدون الطريق للكارثة التي اخذت تطرق الابواب، حتى صحوا جميعا على وقعها المرعب في صيف العام 2014 حين غزت العراق قبائل رعوية من نوع معدّل ومصنوع في اقبية المخابرات الدولية، وليجد العراقيون انفسهم امام استحقاق قاس، كان من المفترض ان يتصدى له ساستهم ويقبروه قبل ان يجتاح بلدهم ويحرق الحرث والنسل. نعم، لقد وجدنا انفسنا تحت حراب دولة الخروف الداعشي وغيره، ودفعنا الثمن كاملا من ابنائنا واموالنا وزمننا المسروق.

واقعنا السياسي اليوم لم يتغير كثيرا للاسف، وكأننا لم نقرا الدروس، حيث التشرذم والتنافس غير النظيف بين القوى الماسكة بالسلطة، من اجل تحقيق المزيد من المكاسب، قد يجعل من العراق ساحة مفتوحة امام قوى الظلام الداعشية وغيرها من جديد، اذ تقول الاخبار ان هناك مخططا لادخال اعداد كبيرة منهم الى مناطق في غربي العراق، وهو امر غير مستبعد، في ضوء ما يعد للمنطقة من مشاريع خطيرة، ولاستخدام هؤلاء تكتيكيا، كوسائل اعاقة وارباك، من قبل اسياد اللعبة الدولية لتمرير مشاريعهم على خرائطنا السياسية الممزقة. فحدوث هذا ممكن في حال عدم قراءة الساسة العراقيين استحقاقات هذه المرحلة جيدا، او قراءتها بطريقة عاطفية، تجعلهم في المكان الخطأ من الصراع الذي تشهده المنطقة اليوم، وهو ما يبدو واضحا من خلال طروحات اكثر من جهة مؤثرة في المشهد السياسي. فالثمن سيكون، هذه المرة، باهظا بشكل غير مسبوق!