حضور الأمير الشاب لا يحول دون وقوع الطوفان

محاولة أمير قطر تأكيد حضوره عربيا وعالميا، كما في جنازة الرئيس التونسي الراحل أو بزيارة البيت الأبيض، قد تكون نوعا من اللعب في الوقت الضائع.

ليست قطر واحدة من الدول المركزية في العالم العربي بل هي دولة تنتمي إلى الهامش. ليس في ذلك ما يضير. دولة هامشية فاعلة، خير من دولة مركزية قد لا تملك مشروعا سياسيا واضحا.

ذلك ما لم تتفهمه القيادة القطرية منذ منتصف التسعينات. لذلك فإنها لم تتعامل مع موقعها الهامشي في الجسد العربي بروح إيجابية خلاقة، بل كانت على الدوام ترفض ما هي عليه في الواقع.

ومما زاد في الطين بلة أن قطر استهوتها لعبة العقائد فأخذت تحتضن جماعة الإخوان المسلمين، من غير أن تقرر أن تكون بلدا إخوانيا. كان ذلك تناقضا غريبا بين قيادة تفتح خزائنها للإخوان من أجل نشر فكرهم المتطرف بكل ما تنطوي عليه تلك العملية من عنف وإرهاب ودولة لا تفرض على مواطنيها اتباع نهج الجماعة المتطرفة على أراضيها.

ذلك التناقض يكشف عن شعور القيادة القطرية بالخطر الذي يمكن أن تشكله جماعة الإخوان فيما لو تم السماح لهم بالعمل على الأراضي القطرية. فهم لا يهدمون الدولة حسب بل وأيضا يستعبدون شعبها.

ذلك الفهم لم يمنع القيادة القطرية من الاستمرار في تبني الإخوان بل على العكس من ذلك تماما. لقد شعرت القيادة القطرية لأسباب خفية أن العنف الإخواني سيمهد الطريق أمامها للانتقال بقطر من موقعها الهامشي إلى موقع تكون فيه دول مركزية.

وهو وهم دفع القطريون من أجله مئات المليارات في سعيهم لتدمير دول واسقاط حكومات في ظل انتشار فوضى "الربيع العربي" التي وجدوا فيها مناسبة للدفع بالجماعات الإرهابية إلى موقع الصدارة في المشهد العربي.

في ذلك انتقل القطريون من رعاية جماعة دينية كانوا يتحججون بمظلوميتها إلى تمويل ودعم الجماعات الإرهابية بطريقة مكشوفة. وهو ما اعترفت به قطر على لسان عرابها القديم الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.

في مواجهة ذلك الواقع المزري والرث كان قرار المقاطعة العربية واقعيا وعمليا. فدولة تصر على تبني الجماعات الإرهابية ودعمها وتسهيل عملها لا يمكن أن تكون موضع ثقة بالنسبة لجيرانها.

حاول أمير قطر أن لا يتعامل مع قرار المقاطعة بادئ الأمر بطريقة جادة، إذ أن هناك مَن همس في أذنه أنها سحابة وستزول إذا ما أصر على الاستمرار بسياساته. وهي نصيحة مسمومة.

فالإرهاب التي تورطت في دعمه دولة قطر لن تكون طريقه معبدة بالأحداث الجميلة. إنها طريق شائكة بدأت بمقاطعة عربية وقد تنتهي بفرض عقوبات عالمية. وهو ما لا يمكن أن تتحمل تبعاته دولة صغيرة كقطر أسبوعا.

لقد بدأ بعض أفراد الاسرة الحاكمة وفي مقدمتهم الشيخ حمد بن جاسم بتصفية ممتلكاتهم خارج قطر. وهي نبوءة شؤم صار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعدها يتصرف بطريقة يسعى من خلالها إلى تأكيد حضوره في مناسبات عامة وآخرها مناسبة تشييع الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي.

العزلة التي تعيشها قطر ليست تعبيرا مجازيا.

فالدول التي قاطعت قطر لم تكن ترغب في الاضرار بشعبها بقدر ما كانت تسعى إلى إطلاق جرس الإنذار بقرب وقوع الكارثة التي يمكن أن يدفع ثمنها الشعب القطري. فدولة ترعى الإرهاب قد لا يكون لها مكانا على الخارطة في المستقبل.

أمير قطر الشاب هو الآخر يعاني من العزلة.

صحيح أن الولايات المتحدة من خلال رئيسها لا تزال تدعمه، غير أنها يمكن أن تنقلب عليه في أية لحظة. ذلك لأن تهمة تمويل الإرهاب ودعمه إعلاميا ثابتة على بلاده. وليس له جدار يستند عليه بعد أن تبرأ العرب من سياساته.

لذلك فإن محاولة أمير قطر تأكيد حضوره عربيا وعالميا قد تكون نوعا من اللعب في الوقت الضائع. فما لم تُحدث قطر تغييرا جذريا في سياساتها القائمة على تبني جماعة الإخوان المسلمين بكل ذيولها الإرهابية فإن الطوفان قادم لا محالة.